نهب الآخر/ الفضائل
قد لا يكون للمنهوب من فضائل، مثله مثل المطارد، الخائف، لا وقت يملكه، ليتصرف به، كالآخر المرتاح، الصاحي، حتى إذا لم أسم حالة النهب مرضاً، والمنهوب والمطرود، والمقموع أسماء مفعول، والمفعول هنا ليس بالضرورة أن يكون مفعولاً به، أو مفعولاً فيه على الظرفية الزمانية أوالمكانية (الزمكانية)، كما يطيب للبعض أن ينحت في اللغة، والمنهوب/ العنوان يكتب بالخط العريض يعامل على الأقل عندي على أنه فاعل أو اسم فاعل له يد وعينان يرى ويصرخ بهما، وهذا ما يجعله في شيء من حراكه، قادراً على الفعل في أضعف مستوياته عندما لايكون مسنوداً ويعبر بالطريقة التي يشتهيها الآخر وإلا ماسر اهتمام الآخر بقوته ومحاولة استلابها وتجييرها لمصالحه.
كثيرون الذين يمرون أمام شاشة حياتي، فلا أقوى على فهم خطابهم العالي، أو التلويح لهم بأيد متعبة عندما يبتعدون كما يفعل المرحوم ممدوح عدوان، ولا استطيع أن أتجاهلهم، لكني أقترب من جحا المتظاهر بالموت، وقد سرق اللصوص حماره فالعزاء الموت «هادم اللذات ومفرق الجماعات» وإن لم يكن من فعل يشي بالقوة أو الثأر، لكن ماذا لو كان السيد الموت يعزًّ عليك، ولا يعطيك فرصة التظاهر به أو تلبسه وماذا لو كنت بلا فضيلة تريحك من خوف الموت في وقت يسحب البساط من تحتك، وتعامل كرقم في زحمة الأرقام الوهمية، و(الكارد) المزيف والرصيد الوهمي، وأنت والآخر في مستوى واحد، وكأن كل واحد منكم في كوكب، أحدكم يعرف مايريد ويقوى على فعل مايريد، وأحدكم ذاهل يقود كوكبه بعماء إلى العماء، واللاجدوى، فأية فضيلة هي النتيجة المرتجاة، المستقر والطمأنينة، والمنقذة من خِطأ (بكسر الخاء) وتعني الإثم لابرء منه، وبالتالي البقاء في قهره، وقد قيل التفكير المقهور لاينتج إلا تفكيراً مقهوراً.
أنا مثلاً أتواشج كمنهوب مع القهر، وأتسلق الجدار العالي لسجني لأطل على جنة تبدعها مخيلتي فأشفى قليلاً وأرقص كزوربا اليوناني، في رائعة نيكوس كازنتزاكي سرعان ماتخونني المخيلة لأسقط جثة هامدة داخل جثة متيقظة، تعرف هول ما فعل، لا تلومني أنا سيدها، والسيادة هنا تعبير مجاز ومخاتلة، ومخالفة واقع، أنا السيد بالمعنى الفائض عن الحاجة، سيد في الزمن الغرائبي، الجثة لاتهم أحداً، ومامن غنيمة محرزة في امتلاكها، والجنة الذي رأيت من السرعة بحيث تشبه الحلم وحديثي عنها سيكون كالحديث عن حلم أتذكر بعضه وأنسى بعضه والسقوط المدوي لي بعد رقصة متسرعة والشعور بالنصر آلمني وأنساني ما رأيت من جمال صادم، أردته أن يطول أكثر ويتوسع فيدخل كالطيف مخترقاً سجني المتجددة جدرانه بشكل دوري ومنتظم.
هذه الحركة الموارة داخلي جعلت وسطاً أطمح لإرضائه، أن يشيح بوجهه، فما الفائدة من رجل بهذه المواصفات؟ ماذا يحقق لهم، وهل تكفي وسامته لتتشبب النساء به وتعشقه وتطمح لمولود من صلبه وهل تكفي أخطاؤه الكثيرة ليتقرب منه الزعران، والحشاشون، وأصحاب السوابق، واللوطيون، وأولاد الحرام، ترى هل هو ابن حرام حتى يكون غامضاً، ويمتلك قدرة عجيبة في تحيير الآخرين وتعجيزهم فلا يستطيعون حزر من هو وماهو؟!!
إحدى الفضائل أني عرفت من أنا، لست ابن حرام، جميع من يراني للمرة الأولى وتربطهم علاقة بأبي يقرون بالشبه الكبير بيني وبينه، كدليل قاطع أن الجينات المورثة فعلت فعلها الجيد لمصلحتي، مع أن أبي في لحظات غضبه الشديد يصرخ بوجهي: «يا زنوة»، وقلت لحظات غضبه وإلا من الطبيعي أن نقول أن الرجل أعرف بزوجه التي هي أمي، ثم أن يكون الأمر كذلك يعني استلاباً لرجولة الرجل الذي هو أبي، ومع هذا فأن مكمن الفضيلة عندي يتلخص في إيماني العميق بما تذهب الفلسفة إليه في قولها بأن أكثر الناس راحة يتوزعون على صنفين، الأول أصحاب الإيمان المطلق ولا يهبون أحداً متعة مناقشتهم، والدخول بينهم وبين إيمانهم والصنف الثاني الملحدون والذين قطعوا علاقتهم مع شيء اسمه قضية خلق، أنا صحيح منهوب ومتناهب وعلي أن أتبع ملة الناهب، لكني أدركت مكاناً أقف فيه لاهو الشك ولاهو اليقين، وعدم الراحة كفيل بتخليصي من البلادة، فأحارب، وأنام، وأسالم، وأظفر، وأهزم، وأضحك، وأبكي، وأنام متى شئت، ومستيقظاً بعينين مفتوحتين كعيني ذئب جائع في فلاة موحشة، وإذا سنحت لي الظروف سأتحدث عن فضيلة النوم لاحقاً، باعتبار النوم سلطاناً، وله من السطوة على أرواحنا مايجعله سيداً بالمعنى الحقيقي.
■ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.