بين قوسين الإعلام الرسمي..
لعله من المفيد التذكير أن لكل وسيلة إعلامية، خاصة أو حزبية أو رسمية، خطة استراتيجية ذات وجهة وطبيعة محددة لا تعرف أي نوع من الحياد في كل الموضوعات، وهي متغيرة وديناميكية، لكنها ترتبط دائماً وأساساً بإيديولوجية صاحبها أو راعيها وبأشكال تطورها، وبنوع الرسائل المراد إيصالها في كل مرحلة، والشرائح المستهدفة ومستوى وعيها... ومن هذا المنطلق فإن جملة العناصر الداخلة في تصنيع المنتَج الإعلامي تكون مدروسة بعناية فائقة، بدءاً من البنى التحتية اللازمة، مروراً بالكوادر المطلوبة ومستوى ونوع ثقافتها وتأهيلها، وصولاً إلى أشكال ووسائل الخطاب والتأثير المتناغمة عضوياً، والتي قد تؤمن حداً مرتفعاً من احتمالات تحقيق الأهداف الموضوعة آنياً واستراتيجياً.. فهل ينطبق ذلك على الإعلام الرسمي السوري؟
لا شك أن الإعلام الرسمي في بلادنا ما زال يعد من أكثر وسائل الإعلام إثارة للجدل على جميع المستويات، حتى برأي معظم العاملين فيه، وإذا اتفق الجميع على تخلف لغته وهشاشة كادره، فإنهم يختلفون حول غايات القائمين عليه ومستوى إدراكهم لما يخططون له مرحلياً واستراتيجياً ويسعون لتحقيقه. فالرأي الشائع بشدة، يرى الإعلام الرسمي ساذجاً، وأن ضحالة الطرح، وضعف الكفاءات البارز في معظم أقسام المنابر الإعلامية الحكومية، سببه آليات التعيين والانتقاء التي تعتمد غالباً على اعتبارات (خاصة) كالوساطات والمحسوبيات والحسابات (الديمغرافية المحلية)، وليس على مدى أهلية الشخص لسد احتياجات الموقع الذي يتبوؤه.. ومن يتبنى هذا الرأي يدعمه بإضافة ضعف عامل التأهيل والإعداد، أو تواضع الإمكانات المتاحة، أو التخلف الإداري...إلخ.. وهناك رأي آخر يناقض في المحصلة الرأي الأول، ويرى أن هذا الإعلام ذكي، بل و(خبيث)، وأن تصور سذاجته بجذره وإضافاته المختلفة، على صحته النسبية شكلاً، فيه من البراءة ومن قلة الانتباه ما يجعل أصحابه يختصرون المسألة برمتها فيه، فيقعون في فخ الخلط بين السبب والنتيجة، بين الأهداف المنهجية المقرة، والأدوات والوسائل والعناصر والكوادر اللازمة لتحقيقها، وهذا يجر بدوره إلى السهو عن أمر شديد الأهمية، وهو صورة المتلقي في ذهن واضع الخطة الإعلامية.
وثمة رأي ثالث يرى أن إعلامنا الرسمي، شأنه شأن كل شيء في بلادنا، تائه ومتخبط وعشوائي، لديه بعض الخطوط الحمراء التي يعرفها أصغر عامل فيه، وهي التي يقف عندها الرقيب ويوقف عندها الآخرين جميعاً، وعدا ذلك كل شيء يخضع للأمزجة والأهواء واختلاف الرؤى والمواهب والاجتهادات المرتجلة، حيث ينسف المعلق الرياضي فيه ما يقوله المحلل السياسي، ويلغي داعيته ما يقوله عالمه، وتمجّد مذيعته الصباحية ما سيسخر منه حوار المساء، ويغرق إعلاميوه في صراعات شخصية أو هامشية دائمة ومتكررة، بينما قد يتعذر على معظمهم صياغة رأي ناضج في الصراعات الأساسية..
في جميع الأحوال، فإن ما لا يختلف عليه اثنان، هو أن الإعلام الرسمي السوري أضعف بكثير من التحديات القائمة، السياسية والاقتصادية – الاجتماعية والديمقراطية، وقد خسر ثقة الناس منذ زمن، وبات بحاجة إلى صحوة حقيقية في الشكل والمضمون..
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.