ربما ..! قصص الحب أولاً.. وأخيراً!
ما الذي يجعل قصص الحب التي نعايشها في العمل ومحيطنا الاجتماعي أقلّ بريقاً وسحراً في عيوننا؟ لماذا يخفت ذلك الشغف الكبير لروميو وجولييت، وسواهما من الثنائيات الغرامية الخالدة، حين يكون أبطال قصة ما قريبَين، جغرافيّاً، منا؟
هل معرفة التفاصيل والاطلاع عليها، ومعرفة الأشخاص وأحوالهم، عن كثب، تحصرهم في نطاق العادي والمألوف؟ منذ متى صار الحب أمراً عادياً، وهو الذي لا يتوقف عن اتخاذ أشكال متغيرة ومتحولة، حتى لا تكاد حالة حب تشبه أخرى في إيقاعها وجريانها؟ ومن جانب ثانٍ، لم يتضاعف اهتمامنا بقصة ما حين تصل حدود الفضيحة؟ ألأنّ الآخرين فعلوا ما عجزنا عن فعله، مما يعني أنهم أبطال في القصة، وفي المجتمع أيضاً؟
ولماذا ينظر معظمنا، بصورة سلبية على الغالب، إلى كل اثنين يجاهران بحبهما، ونحتفظ في مكان ما في ذاكرتنا بما يمكن أن نقوله ذات يوم عن أحدهما أو كليهما لحظة نميمة ما، متماهين في ذلك دون أن ننتبه، مع سائد غير متصالح مع نفسه، ومع الطبيعة، ومع الحد الأدنى من احترامه لإنسانيته؟
قد تبدو فكرة الاهتمام بقصص الحب فكرة روائية، لا همّ لصاحبها إلا جمع أكبر كمية من أغربها، لكنها، في الحقيقة، وللأمانة، أبعد من هذا بكثير، ولا تقع في بند انتهاك خصوصية الآخرين..
الاهتمام الحقيقي بقصص الحب هو اهتمام بأحوال الكائن الإنساني، في عبوره إلى ذاته والتناغم معها والإنصات إلى همسها، عبر التشارك مع آخر يعبر إلى ذاته أيضاً. وفي مستوى آخر يريد هذا الاهتمام رصد حياة لا تقبل التفريط، عبر جمال يتحدى بشاعة الوقت الراهن، وسعادة تصلح ما أفسده اليأس، وما لوثته الأشياء والشؤون الصغرى..
وحدهم العشاق من يصنعون العالم، ومن يعطون للأشياء معناها. ولكم أن تتصوروا كم كان هذا العالم سيمسي غريباً وبائساً وموحشاً لولا آدم وحواء بمعناهما الرمزي اللذان تنطحا ذات يوم لمهمة تأهيله وتعميره، وجعله صالحاً للعيش.
نعرف قصصاً من تلك التي انتهت بالقتل: امرأة تقرر مصيرها باختيار رجل لا يناسب منبتها، وتمضي معه مع أنها تعرف أن شارعاً ما، منعطفاً من المنعطفات، يخبئ لها طعنة خنجر أو رصاصة مسدس. ونعرف قصصاً من تلك التي انتهت بالجنون: رجل يعلق عمره على وهم امرأة لا تبالي به، وفي اللحظة التي يفقد فيها آخر بصيص أمل تطق (فيوزات) عقله. ونعرف قصصاً من تلك الممهورة بخاتم الفشل، لكن وهجها لا يخبو بين ضلوع أصحابها.. وبين هذه الاحتمالات تبقى لحظات الحب بدفء وصالها، وحرارة مواعيدها الرائعة، ووعود الارتباط الأبدي ينبوعاً يأبى النفاد، وذاكرة شخصية تسهل عبور برزخ الأيام اللاحقة.
لا يحتاج الحب إلى تعريف، ولا إلى تنظيرات، كل ما يريده أن يبقى هناك عشاق كي يبقى على قيد الحياة كائن صغير، بات مهدداً بالانقراض، اسمه: الأمل!
قطعاً.. لا توجد قصة سخيفة وأخرى عظيمة، فكل قصص الغرام والهيام والوله، اللاهي منها والمصيري، كلها على درجة واحدة من الأهمية، لأنها تحرك حياة اثنين، أو تصنع حياة اثنين، وهذه الأخيرة تخص صغار السن. ليست القصص التي حظيت بالشهرة هي الكبرى، وبالتالي فإن التي لم تُعرف أقل قيمة.. في ما خفي ونأى وتوارى، دائماً يكمن ما هو أعظم! وعلى الأرجح أننا لن ندرك ذلك ما لم نكن عشاقاً..
■ رائد وحش
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.