رواية فلسطين الوطنية الكبرى
يقوم السرد في رواية إلياس خوري «باب الشمس» على خمسمائة حكاية تقريباً، تتداخل وتتشابك، تلتقي وتفترق، لتروي لنا تراجيديا فقدان المكان الذي تجعل منه فقداناً للذات وضياعها، وذلك من خلال قصة حياة يونس إبراهيم الأسدي، ابن الجليل الأعلى، الذي وجد نفسه عام (1948) مطروداً ولاجئاً في مخيم شاتيلا في لبنان، ليكتشف فجأة أنه ترك خلفه في فلسطين زوجة وطفلاً هربا من القرية المدمرة، إلى قرية أخرى، ليستقرا، في النهاية، في قرية اسمها «دير الأسد».
يتسلل يونس، الذي يصبح فدائياً، ويعبر الحدود، متجشماً كبرى المخاطر، ليلاقي زوجته في مغارة يسميانها «باب الشمس»، وهناك يعيدان طقوس زواجهما، لأن يونس الذي تزوج من نهيلة صغيراً يكتشف أنه عاشق كبير لما خسره، وكأن الحبّ الذي يبدأ من الخسارة هو نفسه حبنا لفلسطين التي خسرناها. هكذا كان على الروائي إعادة بناء النكبة، وإعادة بناء فلسطين، حكاية حكاية، لتبنى من كل ذلك «رواية شعب بأكمله» كما يقول كمال أبو ديب.
الرواية قصة حب، قصة وطن، قصة أحلام منكسرة. ملحمة تبدأ من اللحظات الأخيرة في حياة بطلها يونس الذي يصاب بالغيبوبة (الكوما)، ويطببه الدكتور خليل الذي يحاول معالجته عن طريق قصّ القصص، قصة يونس الأسدي نفسه مع ما يحيط بها، إلى درجة أنّ خليل يجعل الحكاية نوعاً من العلاج لصديقه ومريضه، وكأن الحكاية محاولة استشفاء، ومقاومة للموت، تماماً كما فعلت شهرزاد في «ألف ليلة وليلة» حين أجلّت موتها عن طريق السرد. من ذلك كله صارت «باب الشمس»، كما يقول أحد النقاد، رواية فلسطين الوطنية الكبرى.