نبيل محمد نبيل محمد

«باب الشمس» النكبة بأبلغ صورها السينمائية

يمسك المهجَّر بضرع بقرته التي أصابها رصاص العدو، ذلك الضرع الذي يطعم اللاجئين خلال طريقهم من الجليل إلى لبنان، يحاول أن يتحسس شيئاً من الحياة المتبقية فيها... هذه هي تفاصيل المأساة التي تمعن في تواجدها في الذاكرة الورقية أو الفيلمية أو في ذاكرة اللاجئين، كما أمعنت في تواجدها في كل تفاصيل «باب الشمس» تلك التحفة السينمائية التي وضعها يسري نصر الله كوثيقة فكرية تؤرخ لمأساة النزوح وحلم العودة.

هي المقاومة المتمثلة بشخص يونس الأسدي البسيط، الشاب الذي لا يعرف بعداً تاريخياً للمأساة، ولم يدرس معنى الاستيطان، ولم يقرأ كتاباً واحداً يشرح له مصطلح النزوح. ولد في ريف فلسطيني شديد البساطة والفقر، وتعرض كغيره من أبناء شعبه للاعتداء الإسرائيلي والترحيل، فوقف بصلابة جبال الجليل التي ينتمي إليه مقاتلاً مع مجموعة من الرجال، لم تساعدهم جيوش الإنقاذ، ولم يستطيعوا التأقلم مع حياة المخيم... ثورة كانت وجودها حتمية تاريخية، هكذا صورها يسري نصر الله، في الرحيل وهو الجزء الأول من «باب الشمس»، الرحيل الذي تركزت معظم معطيات الفيلم حوله، وتكررت صورة النزوح بين كل تفصيل وآخر، بحيث أصبحت الصورة المأساوية والجمالية في وقت واحد بالنسبة للفيلم، من خلال محاولة بث أكبر قدر من الحزن في صورة ضحايا النكبة الذين فقدوا وطناً وذهبوا وعيونهم تنظر إلى الخلف.

أما المخيم فهو صورة مأساوية جدلية. مخيم شاتيلا في لبنان في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات. إلا أن الذاكرة تحكم الموقف دائماً، وخصوصاً أن كل تفاصيل الفيلم قائمة على مجموعة «فلاش باك»، بعضها يتركز حول حياة الثائر يونس إبراهيم الأسدي، وبعضها حول حياة الممرض خليل أيوب في لبنان وهو ابن يونس الروحي الذي يلازم سريره في المشفى.

أجبر مخرج الفيلم على أن يسمي الجزء الثاني «العودة»، على أساس أن كل رحيل تتبعه عودة، أو أن مفهوم الصراع العربي الصهيوني يقودنا للقول بأن العودة هي مسألة حتمية، وربما اشتق ذلك من خلال أن عودة المناضل يونس كانت مهيأة بطريقة ما من خلال موته، وخروجه من حالة «الكوما» التي كانت تظهره في حالة شلل أمام الذكريات العظيمة التي يسردها له «خليل».

كل مشكلة في المخيم وكل خيانة وكل تفاصيل الحياة البائسة، يتم تجاوزها في الفيلم من خلال تدخل المرأة الكبيرة «أم حسن»، التي تلعب دور الإشارة إلى أن حياة النزوح مرحلة طارئة وبالتالي فإن كل ما يرتبط بها هو طارئ، وهو مرحلة ما قبل العودة.... العودة التي تصر عليها أم حسن من خلال نموذج الذكريات التي تسردها حول المقاومين، ومن خلال تذكير «خليل» بأنه قبل كل شيء مقاوم، حتى في قصة حبه الفاشلة مع «شمس» التي تقتل بفعل عشوائية حياتها وتصرفاتها في المخيم.

يسهب المخرج في توظيف التاريخ وذكر الأحداث بتواريخها على اعتبار أن التاريخ هو من مصلحة المظلومين، لأن حوادثه إما أن تشير إلى جريمة إسرائيلية أو إلى تخاذل عربي وفي الحالتين تزداد مأساة اللاجئ وتتعزز مصداقية القصة.

تأخذ رواية «الياس خوري» «باب الشمس» بعداً مفهومياً إنسانياً أوسع من خلال كاميرا نصر الله وأداء الممثلين « ريم تركي ـ عروة النيربية ـ باسل الخياط ـ حلا عمران ـ هيام عباس»، الذين قدموا نموذجاً سينمائياً لم نعتد كثيراً رؤية إنتاج عربي بهذه الصيغة التي لم تأخذ حقها في العرض أو الوصل إلى محافل عالمية لأسباب يلعب فيها ضعف الأداء الإعلامي العربي دوراً كبيراً وتغلغل الطرف الآخر من الصراع في المؤسسة الغربية دوراً أكبر.