مطبات: ..ويمشون بجنازتها!

يتهاوى الجسد التعليمي، وينفرد بضربه من استفادوا منه لسنوات، وتتفشى المخالفات علانية، وتُفضح مؤسسة عريقة كانت تخرج الأساتذة للعالم العربي، وحاضنة للطلبة الباحثين عن جامعات للعرب وبلغتهم، وبنفس ما يدفعه ابن البلد من مال ليدرس.. هنا لم يدفع العربي ثمناً باهظاً للغربة، وهنا عاشوا كما لو أنهم في حضن أمهاتهم، تزوجوا، وطلقوا، وصار عندهم أبناء، وذكريات، حفظها البعض، وخانها من خان، لكنها الجدران الدافئة التي احتضنت هذا الجيش من الطلبة من هنا، ومن كل الأمكنة.

مؤسسة بحجم التعليم العالي كان من الممكن تجنيبها هذا النوع من الفضائح، أساتذة يعترفون، يبيعون أسئلة الامتحان، والبعض تحت سيف التحقيق والتفتيش، وآخرون ينتظرون نتائج تحقيق معهم حول ابتزاز جسدي لطالبات.. مؤسسة لا تستحق ما تصير إليه.

أما آخر الانتهاكات بحقها، قيام مجهول كما تناقلت ذلك بعض وسائل الإعلام بـإضرام النار في امتحانات قسم اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة حلب، الأمر الذي ألحق أضراراً كبيرة في محتويات القسم من الدفاتر والسجلات الامتحانية، وأتى الحريق على محتويات غرفة امتحانات السنة الأولى من قسم اللغة العربية في الكلية التي تضم نحو 32 ألف طالب وطالبة، وكان حريق قد اندلع في امتحانات كلية الهندسة التقنية التهم أوراقاً ووثائق امتحانية، وأعقبه حريق آخر في كلية الحقوق.

هناك من يخطط لطمس حقائق عن جرائم نائمة في هذه الجامعات، ثمة من يريد أن تمحي النار نتائج من الممكن أن تصنع طبيباً، ومحامياً، ومهندساً، نتائج تفضي لأن يتسلم أحد الفاشلين مؤسسة تتعامل مع المواطن كمادة للتندر، أو يصيح مديراً لمشفى تفوح منه رائحة الموت، والدواء المهرب.

هناك من له مصلحة في أن تضيع على الوطن جهود أبناء يستحقون أن يكونوا حراسه وأمناءه، وباللحظة نفسها ليس لصاً، أو مجهولاً من ارتكب تلك الجريمة، وليس من خارج الملوثين بمد أيديهم إلى جيوب الطلبة، من إداريين، وأساتذة باعوا شرف مهنتهم، وعلمهم، وصولاً إلى مستخدمين امتهنوا الفساد على طول الجامعة وعرضها، من بيع الشاي والقهوة، إلى المساعدة على تزوير نتيجة امتحان.

وكلما طورت المؤسسة التعليمية وسائلها طور هؤلاء بالمقابل وسائل غشهم وتلاعبهم، فبعد أن صارت الأتمتة هي الشكل الامتحاني المعتمد، اعتمد المجرمون على بعض الفاسدين في أقسام الامتحانات، وبدؤوا يفرضون ما يشاؤون من علامات بإتباع تزوير تقني، ومتفق عليه مع من يريد الاستفادة، تطور من الجنس التقني نفسه.. لكن المأساة أن أضاع الكثير من الوقت لطلبة مجتهدين، وأهدى الصدارة لمن يدفع.

تابعت الأجهزة المختصة هؤلاء، تم إلقاء القبض على شبكات عدة، وتم وصف إحداها ( تعتبر الأوسع من نوعها في تاريخ الجامعة)، وتضم مدرس لغة إنكليزية، وعدة مراقبين، وطلاب وطالبات دفعوا عشرات الألوف ثمناً للنجاح في مادة واحدة.

الأدهى رغم حالة المتابعة الكبيرة إلا أنها لا توازي حركة الفساد في هذا الجسد التعليمي، ويسبق المشتغلون في حقل الفساد التعليمي غيرهم من الفاسدين بكثير من الأدوات، اعتمادهم على التقنية، وعلى أحدث وسائل التزوير والغش، كما وتعمل الحكومة على توسيع دعمها لهذا القطاع على اعتباره من مقومات التنمية التي تحتاجها البلد في المراحل القادمة التي ستكثر فيها التحديات الإقليمية والطبيعية.. فقبل عدة أيام يقول النائب الاقتصادي: الحكومة لن تتكلف المزيد من الخسائر على دعم المحروقات، سيكون من الأولى إنفاقها في المرحلة المقبلة على الاستثمار في قطاع التعليم، من حيث الجودة والبنية التحتية، حيث ستخصص 95 مليار ليرة لإنهاء مشكلة الدوام الصيفي للمدارس، وهو ما يتطلب بناء 55 ألف شعبة صفية.

تفكر الحكومة في هذا القطاع أكثر من دفئنا وبردنا.. ومن أضلاع أبنائنا المرتعشة يراكم فاسدو التعليم البيوت والسيارات، والأجيال المتلعثمة.