معرض الكتاب... خطوة يائسة أخرى
على مدى عشرة أيام استمرت 389 دار نشر بالأًصالة وبالوكالة من 20 بلد عربي وأجنبي بعرض زبدة إنتاجها في أثنتي عشرة صالة مجهزة بعشرات الأجنحة، مع ميزات تفرد فيها المعرض إلى حد ما خلال هذا الدورة، في محاولة لكسر الرتابة وكسب ملاحظات الصحفيين في الجانب الإيجابي، حيث خصصت صالة كاملة لكتب الأطفال، وصالة للمؤسسات الرسمية، وأخرى مخصصة للجامعات والمعاهد، في توجه من المعرض للاعتراف بالتخصص الذي تنحو نحوه الكثير من دور النشر، وأيضاً تماشياً مع الخصخصة في التعليم الجامعي التي باتت شأناً عاماً معترفاً به على جميع المستويات.
وحاولت إدارة المعرض في هذا العام تسهيل تجول الزائر بشتى السبل، سواء من خلال الخارطة المطبوعة، أو من خلال قسم الاستعلامات أو المكتب الإعلامي أو مكتب مكتبة الأسد في المعرض، بحيث قدمت كل ما من شأنه أن يظهر المعرض بشكل لائق ويخفف من معضلة البعد الجغرافي عن المدينة، والأسعار الفلكية للكتب، وخاصة في الدور الموثوق بمنشوراتها.
وبعيداً عن كل جديد في المستوى التنظيمي يبقى الأهم هو الكتاب، ما الجديد فيه؟ وهل الجرأة التي باتت تتناول موضوعات اجتماعية كالنقاب وسواه انسحبت على الكتب بحيث نجد عنوانات جديدة الطرح؟
في الحقيقة لا يمكن الإحاطة بحوالي 50 ألف عنوان يطرحها المعرض، ولكن يمكن القول وبشكل قطعي: ليس هنالك من الجديد ما يجعل عنواناً ما مثار جدل، أو بضاعة مستهلكة بشكل كثيف يومياً في دار ما، خلافاً لكل معارض الكتب عبر خارطة العالم، فالهدوء واللاجديد واللاصخب واللاحيوية هي العنوان الأمثل للكتب التي تغمر المهرجان بكثافة، بحيث نفتقد تماماً ذلك العنوان الذي تتناوله الصحافة دون غيره، رغم أن الإدارة دأبت محاولة طرح عنوانات جديدة دون جدوى على أرض الواقع. ثم إن الخلاف الثقافي بين القارئ والمؤسسة الرسمية يظهر جلياً من خلال الخواء الذي تعاني منه صالة المؤسسات الرسمية، مقابل صالات دور النشر الخاصة، التي غالبأً ما تحتوي على أضعاف حضور الصالة I، فالعناوين التي تطرحها وزارات الثقافة العربية وهيئات الكتب استهلكت ما فيه الكفاية عبر الإعلام العربي الرسمي، وبات القارئ في خلاف معها، باستثناء تلك الكتب التوثيقية التي من الضروري وجودها في المكتبة مع العلم أنها قد تبقى حبيسة الرف عشرين عاماً دون أن يفتح دفتها قارئ. ثم إن بعد المسافة /15/ كم بين دمشق ومدينة المعارض وارتفاع الحرارة الشديد في هذه الفترة جعل الإقبال ضعيفاً مقارنةً مع سنوات ماضية، إلا أن حب الفسحة والخروج من المنزل للمواطن كان عنوانه في جميع المعارض، بحيث أن الهدف لدى الكثيرين ليس الكتاب فكم من زائر يخرج ويده خاوية، فأكثر الأماكن امتلاءً في المعرض هي الشوارع المليئة بباعة البوشار والعرانيس والصاج والمشروبات الباردة التي تعطي سهولة وحيوية في الاستهلاك أكثر من الكثير من عناوين الكتب، فهذا الخلاف الكبير بين المواطن والثقافة لن يحل من خلال استعراض آلاف العناوين أو محاولة الترويج لمعرض كتاب ما، فالقضية لم تعد مجرد معرض إنها مشكلة تعاطي مع الثقافة بشكل عام، فماذا يقدم المعرض للمواطن العادي، مادامت 15 كيلو متراً تشكل عائقاً أمام التلقي الثقافي حيث فقدان ثقافة السعي نحو الثقافة لن يجعل من معرض الكتاب في دورته السادسة والعشرين مميزاً، ولن يخلق حركة في الركود الثقافي بشكل عام، ولن يجعل المثقف الذي يسعى لشراء الكتاب نخبة مجتمعية مؤثرة.