الكرة في ملعب الرواية
أدب الأقدام هو أدب الأسئلة بامتياز، أو العقول المشغولة بالأقدام، ورواية «أشرار وعاطفيون» للكاتب الأسباني خافيير مارياس إحدى أجمل الروايات عن كرة القدم، ويتحدث فيها الكاتب عن تخفيه بزي مشجع عاشق لفريق ريال مدريد ليسجل أهم المشاعر التي يعيشها أنصار الكرة. لذلك كتب على غلاف الرواية «المباريات تسمح لنا باستعادة أسبوعية لطفولتنا».
يعتقد مارياس (يشجع فريق ريال مدريد) أن لاعبي كرة القدم أشخاص يثيرون الرثاء ولا يمكنهم أبدًا أن ينجزوا المتوقع منهم وهم في ذروة مشوارهم الرياضي. ويضيف: «الأكيد أن كرة القدم ليست في حاجة إلى كتاب لأن شعبيتها تكفي، وإذا لم يكتب عنها أحد فربما ستظل تحظى بشعبيتها الضخمة».
لم يكتب الروائي الأميركي بول أوستر رواية عن كرة القدم، لكنه دوّن مقالة هي أقرب إلى مشروع رواية، اعتبر فيها أن كرة القدم أحد أبرز دروس القرن العشرين، وهي «البديل عن سفك الدماء» في الحروب. واختار أمثولة كرة القدم بصفتها (معجزة) الأمم الأوروبية في ممارسة كراهية الآخر من دون الاضطرار إلى تمزيق أوصاله في ساحة قتال: «البلدان اليوم تخوض حروبها في ملاعب كرة القدم، بجنود يرتدون السروال القصير. والمفترض أن هذه لعبة، وأن التسلية هي هدفها. غير أن الذاكرة الخفيَّة لتناحرات الماضي تخيِّم على كل مباراة، وكلما سُجّل هدف ترددت أصداء الانتصارات والهزائم القديمة».
يشير أوستر إلى أن عنف هذه الرياضة لم يكن وحده سبب انزعاج الملوك القدامى، لأنهم في الواقع كانوا أيضا يخشون من أن يؤدي كثيرا من الانغماس في هذه اللعبة إلى إلهاء الناس عن الوقت المخصص للتدرب على الرماية، وأن المملكة بذلك ستصبح أضعف في استعدادها العسكري لمواجهة الغزو الخارجي.
أما الروائي الإيطالي أمبرتو إيكو فيقول في إحدى مقالاته عن الرياضة: «على رغم أن المسألة سخيفة، فأنت ستشاهد وتقدر فوراً قوة كرة القدم كظاهرة اجتماعية وذلك بأن تنظر حولك في الملعب فحسب، بل وفي حياتك اليومية، لكن كم من مناقشة تستطيع أن تسمع في يوم واحد حول مباراة في كرة القدم؟ وكم من الملصقات والشعارات لفرق كرة القدم تستطيع أن ترى؟ وكم برنامجًا رياضيًّا تلفزيونيًّا تستطيع أن تراقب لتؤسس علاقة طبيعية مع كرة القدم؟ وكم صفحة في جريدة أو مجلة تستطيع أن تقرأ فيها ما يخص كرة القدم يوميًّا؟ وكم من هذه وتلك ستسعدك وكم منها ستزعجك؟».
كتب إيكو سلسلة من المقالات عن كرة القدم في ثمانينيات القرن العشرين وتسعينياته اللتين يُعدان الفترة الأسوأ في تاريخ كرة القدم الأوروبية، إذ شهدت آنذاك ساحات الملاعب تدهورا غير مسبوق في فنون اللعب ومستوياته. بل طرح إيكو أسئلة عدة أراد أن يدلّ عبرها إلى قوة لعبة كرة القدم وتأثيرها في الناس كما يقول النقاد. هؤلاء الذين يعشقون اللعبة قد يعبِّرون عن إعجابهم سرًّا أو بهدوء، لكن المشكلة في الذين يعبرون عن إعجابهم علنًا، بالصياح والصراخ تارة، وبالقفز أو الرقص طورًا، أو بممارسات أخرى قد تصل الى حد الضرب وإحراق السيارات وتحطيم زجاج المحال، والقتل أحيانًا.