خليل صويلح خليل صويلح

بين قوسين: حدث في نيسان

يهدينا شهر نيسان ثلاث مناسبات، لكلٍ منها نكهتها المختلفة: عيد الجلاء أولاً، سنتذكّر اليوم السابع عشر 1946 (لمن لا يعرف هذا التاريخ بدقة) بشمس مختلفة، وسوف تطل روح يوسف العظمة بمأثرته الخالدة في ميسلون كأفضل مثال لمقاومة الاحتلال. المسألة هنا ليست مجرد موضوع إنشاء، بل أيقونة في أعناق السوريين عن معنى التراب الوطني وبسالة من أراق دمه لتحقيق الاستقلال بعد ليل مظلم وطويل.

أما المناسبة الثانية والتي تقع في الثالث عشر من هذا الشهر، فلها لون الجرح الدامي الذي مازال ينزف بطرق مختلفة، إنها حادثة «البوسطة» في لبنان 1975. البوسطة التي أطلقت شرارة الحرب الأهلية اللبنانية في أكبر معرض للعنف الطائفي. لم تتوقف ذاكرة البوسطة في وجدان اللبنانيين إلى اليوم. روايات في تشريح أطياف الحرب الأهلية والندوب التي تركتها في الصدور، أفلام وثائقية وأخرى روائية، ملصقات وأعمال تشكيلية، كأن المبدع اللبناني بعد ثلاثة عقود ونصف على اندلاع تلك الحرب، لم يستطع مغادرة منطقة الألم، والكدمات التي تركتها آثار الحرب في الأرواح . بوسطة معطّلة، ولكن هناك من يحاول إصلاح عجلاتها وتزييت مفاصلها لإعادة إنتاج حرب أخرى أكثر ضراوة .

والمناسبة الثالثة جرح لم يندمل إلى هذه اللحظة، ففي التاسع من نيسان سقطت أول عاصمة عربية أمام دبابات الاحتلال. سقوط بغداد يوازي في قوة صفعته سقوط غرناطة في الأندلس. ومحفور كوشم في الذاكرة العربية. لعله ربيع محروق، بصرف النظر عن أسبابه ومبرراته. فسقوط عاصمة عربية على هذا النحو المريع والمهين والمذلّ، زرع هزيمة إضافية في سجّل الخريطة العربية. الخريطة التي يتقاسمها الآخرون مثل كعكة شهية، فيما نحن «نحتل» مقاعد المتفرجين، كما لو إننا في مسرحية هزلية. لا أريد أن أقلل من شأن الربيع، لكننا، في معظم مناسباته، نعيش خريفاً بأشجار عارية، وأوراق صفراء تتكسر تحت أقدامنا، من دون أن نحسّ بالألم!      

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.