هل انتهت صدمتكم بأمين معلوف؟

هل انتهت صدمتكم بأمين معلوف؟

أطلقت المقابلة التلفزيونية التي أجراها الكاتب الفرنسي- اللبناني أمين معلوف مع إحدى قنوات الكيان الصهيوني يوم 2/ حزيران، جملة من ردود الأفعال الغاضبة والتخوينية والمقاطعة، المشترك بين معظمها هو الشعور بالخيبة الذي طغى على مضامين المقالات التي كتبت لهذه «المناسبة».

إنّ ما يثير الحفيظة حقاً، في «مناسبات» كهذه، ليس «الفعل الخياني المعلن» الذي تقوم به «قامات» من طراز معلوف، بل طريقة تفاعل «النخب المثقفة» مع هذه المناسبات، وهنا نميز بين حالتين: الأولى هي محاولات الدفاع، خجولة كانت أم وقحة، والتي يسعى أصحابها إلى الاتكاء على «المناسبة» لتعميق الميل نحو التطبيع عبر فتح النقاش حوله بين من معه ومن ضده كيما تسقط عنه «الحرمة» في أذهان الناس وفي وجدانهم.

هذه الحالة مفهومة، وربما يكون التصدي لها أسهل من الحالة الثانية التي تمتاز بضروب التفجع والنواح والاستغراب والذهول ولسان حالها يقول «آه كم خدعنا»! وليسمح لنا القارئ بتصنيف إضافي، فضمن الحالة الثانية المتفجعة يمكن التمييز بين نوعين:  المتفجعون المصدومون حقاً.. وهؤلاء يعلنون أنفسهم حمقى إذ انطلت عليهم اللعبة ولم يتعرفوا وجه «الخيانة» إلا وسكينها في ظهورهم، وهؤلاء لا أمل منهم، فهم سيبقون حمقى وأفضل ما يمكنهم تقديمه هو تنويع مقامات النواح بين صبا مفجوع وحجاز رزين..

النوع الثاني من المتفجعين، هم أولئك الذين لم تنطل عليهم «فرادة المناسبة»، بل وكانوا يتوقعونها، وهم إذ يتفجعون ويندبون، فإنما غرضهم الإيحاء بأن ما جرى هو خروج عن سياق سابق، لا لتبرئة المجرم، بل لتبرئة السياق! هؤلاء هم الأخطر..

إنّ السياق الذي سار عليه معلوف في كتاباته، متناً وحاشية، شكلاً ومضموناً، ليس أكثر من توليفة أدبية لـ«نظرية صراع الحضارات» لهنتغتون، فعند معلوف لا صحة لنظرية «المركز والأطراف»، والمسؤولون العرب حين يذهبون إلى أمريكا «ينتظرون سماع ما تريده منهم أمريكا»، حسب ما يقوله معلوف، ومعارفه الكبار في أمريكا يخبرونه أن المسؤولين العرب غريبون فحين «نستقبلهم، ننتظر أن نسمع منهم هم ماذا يريدون».. ويكمل في تفسيره أن الدول العظمى «تخاف التدخل في شؤون هذه البلدان لأنها لا تعرف ما الذي ينبغي فعله».. إذاً ليس هنالك مركز وأطراف، بكلام آخر ليس هنالك نظام عالمي مبني على الاستغلال وعلى سرقة الشمال الغني للجنوب الفقير، بل هنالك مجموعة من «الهويات القاتلة» المتصارعة فيما بينها، والتي يرفض كل منها الآخر وعلى رأسها الهويات الدينية والطائفية والقومية.. وأما الحل فهو «الثقة بالنفس، فالتطور التكنولوجي بات يسمح لأي فرد بالإسهام»، تماماً كما يحق لجميع الأفراد سحب أوراق اليانصيب، والاشتراك باللوتو!

معلوف لم يكن متوارياً، ولم يكن عصياً على من يريد الوصول إلى اللب.. الرجل وفي روايته «التائهون»، أفرد لوجهات النظر السياسية المتناقضة، الوطنية منها وغير الوطنية مساحات متكافئة، وغلف الطرح السياسي بالطرح الطائفي والديني، ليكون الحوار «حواراً حضارياً» بين مجموعة أصدقاء تجمعهم الصداقة وتفرقهم «هوياتهم القاتلة»، فتغدو الأولوية هي لصراع هذه الهويات نفسها، لا للمشاريع السياسية التي تقف ورائها، ويغدو الحل هو بدفع هذه الهويات نحو التوافق و«التأنسن».. وهذا الكلام منقولاً إلى الواقع ليس إلا التطبيع.. فما الذي يفاجئ «المثقفين»؟ ألم يتابعوا حملات مقاطعة «إسرائيل»، الأكاديمية الطابع، المتصاعدة بشكل مطرد في الجامعات الأمريكية خارج وداخل أمريكا نفسها؟ ألم يقرؤوا سيفر بلوتسكر يكرر تحذيرات فريدمان من أن «الأمريكان لم يعودوا يحبوننا»، أليس في هذه الوقائع تفسير لتوقيت خروج معلوف «عضو الأكاديمية الفرنسية» على قناة صهيونية؟

إنّ «مناسبة» معلوف هذه، فرصة جديدة لإعادة النظر بكل الهراء «الحضاري الليبرالي» الذي اتسع انتشاره وترويجه مع انهيار الاتحاد السوفياتي، الهراء الذي يرفع لواءه «يسار أوروبي» يقتفي آثاره «يسار ليبرالي» عربي، «حبّاب» ومسالم وأخضر وناعم، يعشق الديمقراطية ويسعى إلى إحداث «تبويس شوارب عالمي» بعيداً عن الصراعات الحادة، ولذلك يخاف من التعصب الديني والقومي ويراه سبب الأزمات والمشكلات، ويرى أن التعصب إياه ليس وليداً للجور والظلم العالمي، بل وليد «تخلفنا».. 

لا يرى أن الظلم العالمي نفسه هو المسؤول عن تهيئة أرضية التعصب، بل وعن تغذيتها بمختلف الأشكال الممكنة بغية حرف فهم الناس عن جوهر الصراع الذي عليهم الانخراط فيه دفاعاً عن حقوقهم بوجه ظلامهم المحليين والدوليين، وضد عالم ميت يمسك بتلابيب الأحياء جاراً إياهم إلى عمق جحيمه..

أيتها «النخبة المثقفة»، هل انتهت صدمتك بمعلوف؟ ليتك تتابعين نومك، فنوم الظالم عبادة..

 

آخر تعديل على الإثنين, 20 حزيران/يونيو 2016 20:20