الرأسمالية المأزومة التعليم والتربية والمواطنة
كيفما نلتفت نرى بالملموس تناقضات الرأسمالية تضيق بها بنيتها، تخنقها وتشظيها. والعلوم والثقافة ميدان آخر للأزمة، في التكنولوجيا وتوظيفها، في البحث العلمي ومنهجياته، وفي العلوم الانسانية وعلوم الطبيعة.
كيفما نلتفت نرى بالملموس تناقضات الرأسمالية تضيق بها بنيتها، تخنقها وتشظيها. والعلوم والثقافة ميدان آخر للأزمة، في التكنولوجيا وتوظيفها، في البحث العلمي ومنهجياته، وفي العلوم الانسانية وعلوم الطبيعة.
كان من دواعي سرورنا أن نعلم أن دانيال تانورو(1) كتب مقالة عن مخططات تسعير الكربون، حيث يعتبر كتابه «الرأسمالية الخضراء: لماذا لا يمكن أن تنجح»، مساهمة هامة في الفكر الإيكولوجي(2) الاشتراكي، ولديه سجل مثير للإعجاب من المشاركات الشخصية، في العديد من الحملات البيئية الراديكالية في أوروبا. وكنا نتطلع إلى تفسير واضح، ونقد قوي، للنهج القائم على السوق إزاء تغير المناخ.
نشرت مجلة فوربس الأمريكية في وقت سابق مقالاً بعنوان «ما لم تتغير الرأسمالية، فإن البشرية ستواجه مجاعة بحلول 2050». وحسب الكاتب فإن الرأسمالية التي ولدّت ثروات هائلة للبعض، تسببت بدمار الكوكب، وفشلت في تحسين رفاه الإنسان على نطاق واسع. وفيما يلي نقدم قراءة لأهم الأفكار الواردة في ذلك المقال.
قد يكون زبائن سلسلة متاجر بقالة «هول فودز» الأمريكية قد لاحظوا منذ فترة وجود زخارف جديدة تزين السجلات: صور سكانٍ مبتسمين من البلدان الفقيرة. هذا من عمل «الذراع الخيرية» لهول فودز والمسماة «هول بلانيت»، والتي تدير «حملة الرخاء» للعام الثامن من أجل تحقيق «مستقبل دون فقر». يمكن للمتسوقين أن يتبرعوا بخصم الزبون الخاص بهم، وهو حسم الخمسة سنتات الذي يتلقونه لعدم استخدامهم الأكياس البلاستيكية، إلى مؤسسة تمويل صغيرة..!
كنا في مقالات سابقة («العلم المحايد يسقط، الذكاء الاصطناعي نموذجا»، و«العلم السائد يعلن رجعيته، خوفا؟») أشرنا إلى الهستيريا التي تطبع الأوساط الاقتصادية والعلمية والاعلامية السائدة في المركز الإمبريالي محاولة منها لشيطنة التطور الكبير في التكنولوجيا وتحديداً الذكاء الاصطناعي تحت حجج مختلفة. لما يشكله هذا التطور من تهديد للنمط الرأسمالي ككل.
قدّرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «فاو» أن الإنتاج العالمي للغذاء، أكثر من كافٍ ليطعم العالم. وكمثال على ذلك، فقد تمّ تقدير كمية الحبوب التي أُنتجت في عام 2016 وحده، بـ2.577 مليون طن، وهي الكمية التي بقي منها 13 مليون طن بعد أن تمّت تلبية الطلبات..!
يوضح عالم الاجتماع، ألكس برنارد، متى يعتبر نظام الغذاء الرأسمالي الأغذية سلعةً ومتى لا يفعل: جميع الأغذية التي لا تباع هي نفايات. ليس مردّ ذلك إلى أنّها غير صالحة للاستعمال، بل لأنّه لم يتمّ تبادلها في السوق. يجعل هذا من الطعام الصالح للاستخدام المرمي في المهملات: سلعةً سابقةً.
في النهاية، لا يكمن الفارق الرئيسي في المقاربات الاستراتيجية لمعالجة الجوع، بين الاستراتيجيات الأناركية الفوضوية، وبين البرامج السيادية الأخرى. الانقسام في المبدأ هو بين فصيل الليبراليين الذي يتشبّث بالفكرة الخاطئة القائلة بأنّه يمكن إصلاح النظام الغذائي ليخدم الاحتياجات البشرية، وبين الجذريين الذين يصرون على عدم قابلية ذلك للتحقيق.
إلى القرن السادس عشر تعود بدايات تشكل علاقات الإنتاج الرأسمالية، والنهضة التي شهدتها مختلف العلوم، لتسير في ترافق مع تطور علاقات الإنتاج الرأسمالية، وحاجتها، بغاية الصناعة والتجارة والحرب، فتطورت الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا وعلم الفلك والجيولوجيا والرياضيات وغيرها، كجزء مما سمي بـ«عصر النهضة».
تصوّر طابوراً طويلاً من الأشخاص الواقفين للحصول على تذاكر حفلة ما، أو لانتظار تفقّد جوازات سفرهم في المطار. مجرّد التفكير في هذا الأمر يرهق الخيال، فكيف إن كنت مضطراً للوقوف في هذا الطابور؟ ومن هو الذي فضّل الشخص الأول في الطابور؟ هل لمجرد وصوله أولاً يجب ألّا يعاني ممّا أعاني؟