وجهة نظر حول الماركسية والدين..!
أحمد علي أحمد علي

وجهة نظر حول الماركسية والدين..!

للماركسية صبغتها الطبقية التي اكتسبتها من علم التاريخ الذي صاغته المادية التاريخية، العلم الذي أكّد أن الصراع الطبقي هو الصراع الذي حرّك عجلة التاريخ، وليس الصراع الديني أو غيره من الصراعات الثانوية الأخرى، ولم تجبر الماركسية المناضل على القناعة بغير هذه الحقيقة عن التاريخ عبر التاريخ كله.

الرائج في فهم الماركسية

الماركسية علم، وكما أن لكل علم موضوع، فللماركسية موضوع أيضاً، وهو الرأسمالية بوصفها تشكيلة اقتصادية-اجتماعية قائمة على استغلال الإنسان للإنسان، وقد عمل الإعلام الغربي المرتبط أشد الارتباط بمراكز رأس المال العالمي، وخصوصاً بعد ثورة اكتوبر عام 1917، على تشويه صورة الماركسية، وبث الشائعات ضد مشروع الماركسية في بناء مجتمع جديد، خالٍ من الاستغلال، وخالٍ من الطبقات، ومبني على العدالة الاجتماعية، التي أساسها التوزيع العادل للثروة بين الناس.
إحدى أهم الشائعات التي تم العمل عليها، والتي استخدم لأجلها أقلام من كل حدب وصوب، ومنها أقلام محلية وتدّعي الماركسية، والفهم الماركسي للواقع، وهي تصوير الماركسية بأنها سلاح ضد الدين، وتصوّب نحوه رصاصها، لإبعاد الناس عن حقهم في ممارسة معتقداتهم، المبنية على إيمانهم بوجود خالق لهذا العالم، يسيّره ويديره كما يريد.

الماركسية كعلم
في الحقيقة، إن فهم علمي للماركسية وموضوعها، يبيّن لكل من يبحث عن معرفة، أن الماركسية لم تطلب يوماً التمرد على السماء، وأن هدفها ليس الهجوم على الدين، فهي ابنة الواقع، وعالمها لا يكمن في السماء، بل على الأرض، في هذا العالم الذي حكمه صراع بين المستغَلين والمستغِلين، صراع بين الشعوب وناهبيها. الماركسية ابنة المجتمع والتاريخ، وهدفها الدخول على خط تحكم المجتمع والتاريخ، لتصنع مجتمعاً جديداً، ولترسم بداية التاريخ الحقيقي، فالعالم وفق ماركس، يعيش الآن مرحلة ما قبل التاريخ الحقيقي.
إن الماركسية هي معركة طبقية بين من يملك الثروة، وبين من لا يملك قوت يومه، معركة بين الطبقة العاملة والرأسماليون اللذين حصدوا الأخضر واليابس من ثروات هذا العالم. ليست معركة دينية بين المؤمنون والملحدون، ولذلك فهي لا تشترط في معركتها نسف الدين كمفهوم ومعتقد، بل كأداة بيد الطبقة المستغِلة تستخدمه ضد الشعوب لتبرير قمعها واستغلالها.
الماركسية لا تدعو الشعوب في معركتها إلى حذف الدين من الوعي وتحرير الوعي منه بشكل كامل، إنما تدفع المناضل لبدء معركته الطبقية، وتدعمه  بالأدوات النظرية والسياسية والتنظيمية اللازمة لهذه المعركة.  

الحاجات المادية والروحية
لما هجوم الماركسية على الدين؟! إن كان هذا الأخير يعبر بأحد وجوهه احتجاجاً ضد البؤس الذي أنتجه الواقع التي تسعى الماركسية لتغييره، احتجاجاً يبحث من خلاله المؤمن عن متنفسٍ لهُ في السماء غيرُ متوفرٍ له على الأرض. ألم يعبر ماركس عن ذلك بقوله: «الدين هو زفرة المخلوق المعذب» ؟
إن النفس الإنسانية خليط مركب من الحاجات المادية والروحية، وبذلك فإن الدين يغطي حاجة روحية لا غنى عنها، وخصوصاً في عالم ضاقت فيه الإمكانية لتلبية الحاجات المادية، و جملة ماركس الشهيرة «الدين أفيون الشعوب»، لا تحمل معنى الهجوم على الدين كما يسوّق لها، بل الهجوم على الشروط البائسة التي تنتج الدين على يد من يزعمون أنهم حماة ديار الله، وأن الطريق إليه يمر من بين أيديهم، فيوزعون صكوك النجاة والبراءة يميناً ويساراً، جاعلين من الإنسان سلعة بين أيديهم وأيدي السلطة الناهبة.
وبناءً على السابق، إن طبقية الماركسية، هي التي تحدد ممارسات الحزب الشيوعي (حزب الطبقة العاملة)، لذلك فإن هذا الأخير لا يتجه إلى البشر تبعاً لموقفهم من الإله أو الدين، بل تبعاً لموقفهم الطبقي، فهو يدافع عن كل المضطهَدين في المجتمع، سيّان عنده إن كانوا مؤمنين أو ملحدين، أو من هذه الطائفة أو تلك، أو من هذه القومية أو تلك الأخرى. فالمعركة الطبقية لا تدور بين المؤمنين والملحدين، بل بين الأغنياء والفقراء. والماركسية إذاً هي فلسفة الطبقة العاملة لا «الطبقة» الملحدة. وهي إذاً سلاحاً بيد الفقير حتى لو كان غارقاً حتى أذنيه بالدين والإيمان والأيديولوجيا الدينية، سلاح يدفع الفقير لمعركته الاقتصادية والطبقية، لكي يعرف ويلمس بيده أسباب بؤسه وفقره.  

معلومات إضافية

العدد رقم:
824