الصَّدْع الاستقلابي.. الشيوعية أو الانقراض!
خلال السنوات القليلة الماضية، وصل علماء البيئة إلى تحديد المكونات الضرورية لما سمّوه «الفضاء الإيكولوجي الآمن للبشر»، ووجدوا أنّه يتألف من تسعة دروع حامية لكوكب الأرض، ولاحظوا بأنها اليوم صارت بأكملها تقريباً تعاني من اختراقات وعيوب خطيرة، تقرع ناقوس خطر شديد على وجود النوع البشري، إذا لم تعالج، في غضون جيل واحد تقريباً
الدروع الإيكولوجية التسعة !
حدد العلماء المخاطر المهددة لهذه الدروع بما يلي: 1- التغير المناخي،2- وزيادة حموضة المحيطات، 3- وتدمير طبقة الأوزون، 4- وتقويض سلامة البيوسفير، 5 - وتضرر الجريان الكيميائي الحيوي الأرضي، 6- وتبدل منظومة اليابسة،7- واستعمال المياه العذبة، 8 - وحِمل الحلالات الهوائية، 9- وإدخال كيانات مستحدثة (مواد كيميائية وبيولوجية جديدة). وبالمقارنة مع حالة الطوارئ الخطرة التي يعاني منها الكوكب اليوم، والمنظور إليها على هذا النحو، فإنّ ضروب القضايا الإيكولوجية التي كان ماركس مهتماً بها في القرن التاسع عشر، والمتعلقة بنضوب الغذاء من التربة، والتلوث الصناعي، وقطع الغابات، والتصحر، قد تبدو أقل أهمية نسبياً. فلماذ نشغل بالنا إذن، بالعودة إلى كتابات ماركس وإنجلس قبل أكثر من قرن؟ الجواب يكمن في أنّ أزمة كوكب الأرض ليست أزمة طبيعة، بل أزمة مجتمع. فعلاقاتنا الاجتماعية التاريخية وتقاطعها مع البيئة الطبيعية هي المسؤولة عن حالة الطوارئ الكوكبية الراهنة، فما نحتاجه وهذه الحال هو إذاً فهم للنظام الاجتماعي وكيف يتفاعل مع بيئة منظومته الأرضية، وهذا الفهم ينبغي أن يكون على درجة كافية من الديالكتيكية والثورية، من حيث منهجه كيما يتم استيعاب التغيرات غير المسبوقة التي ابتليت بها البشرية اليوم، ووسائل الاستجابة لها عبر ممارسة إنسانية جديدة.
ما هو الصدع الاستقلابي؟
إنّ كثيراً من جوانب النظرية البيئية المعاصرة، التي تمثل تفرعاً من التيار الرئيس للتقاليد الليبرالية الرأسمالية، مثلها مثل علم الاجتماع التملكي-الفرداني، تجد نفسها عاجزةً عن الوصول إلى جذر المشكلة، وهنا بالذات يثبت نقد ماركس للاقتصاد السياسي بأنه لا يمكن الاستغناء عنه، لأنّ التحليل الديالكتيكي المركب الذي طوّره ماركس في هذا المجال يزودنا بأسس مقاربة نقدية، وخاصة في نظرية ماركس عن الصدع الاستقلابي metabolic rift. الذي نجد التعريف المختصر التالي له في كتاب ديل ويستون «الاقتصاد السياسي للدفيئة العالمية: الأزمة النهائية»: «الصدع الاستقلابي... يشير إلى تمزق في الاستقلاب في كامل النظام الإيكولوجي، بما فيه دور البشر في النظام... مؤدياً إلى تدهور البيئة وتدهور الاستدامة الإيكولوجية وتمزيق العمليات الأساسية للطبيعة. إنه يتناول بالمحصلة الصافية فقدان التوازن بين «المصروف والمدخول» في استقلاب كوكب الأرض في ظل النظام الرأسمالي». إنّ مقاربة ماركس للاغتراب الإيكولوجي للمجتمع الرأسمالي يحتاج بالطبع إلى تحديثه من أجل التعامل مع التهديدات النوعية التي تفرض نفسها علينا اليوم، لأنّ الصدع الاستقلابي توسع كثيراً اليوم بأبعاده وتعقيداته، إلى النقطة التي باتت معها النشاطات الاقتصادية للمجتمع البشري تسبب تغيراً لا سابق له في المجال الحيوي لكوكب الأرض، وليابسته، وغاباته، ومائه وهوائه.
إنّ التناقضات الإيكولوجية الملازمة لأسلوب الإنتاج الخاص المميز للنظام الرأسمالي، هي الأساس لاختلال التوازن المتنامي في البيوسفير (المجال الحيوي)، ولدفيئة العالمية التي صنعها البشر بأنفسهم، تحمل إمكانية إنهاء حقبة الهولوسين Holocene، وتنذر بالاندثار الوشيك للحضارة البشرية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 824