حول الهستيريا وشيطنة الآلة من جديد! رأي من الصّين: الرأسمالية هي عدو الإنسان
كنا في مقالات سابقة («العلم المحايد يسقط، الذكاء الاصطناعي نموذجا»، و«العلم السائد يعلن رجعيته، خوفا؟») أشرنا إلى الهستيريا التي تطبع الأوساط الاقتصادية والعلمية والاعلامية السائدة في المركز الإمبريالي محاولة منها لشيطنة التطور الكبير في التكنولوجيا وتحديداً الذكاء الاصطناعي تحت حجج مختلفة. لما يشكله هذا التطور من تهديد للنمط الرأسمالي ككل.
وإذا كانت هذه الهستيريا تعبر عن الذعر وتنشره بدورها، من منطق الرأسمالية نفسه، فمن الضروري وجود مقاربة أخرى في العالم اليوم تطرح قضية التكنولوجيا والآلة من أرضية نقيضة، استناداً إلى النماذج الاقتصادية المختلفة اليوم وآفاق تطورها.
الماركسية والطرح الاشتراكي بمواجهة الذعر
في مقال نشر العالم الماضي في المجلة العلمية الصينية «العمل والأمن الاجتماعي- دراسات نظرية» (العدد 17)، للكاتبة «إي جونغ خوا»، بعنوان «الجذور الفلسفية والحل للذعر من الروبوتات»، تقول الكاتبة: إن مقاربةً ماركسيةً للمسألة يمكن لها ليس فقط مواجهة الذعر، بل الدفع قدماً لتطوير الذكاء الاصطناعي من أجل خدمة الإنسانية ككل. ويوجز المقال عدة «شعارات» يندرج تحتها الذعر.
الخوف من الآلة ليس جديداً تاريخياً، الآلة ستؤذي الإنسان وتلغيه
شكل دخول الآلة في الإنتاج الرأسمالي نقلة نوعية للرأسمالية لتوسيع الإنتاج وتسريعه، ولكنه شكل في المقابل ردة فعل نقيضة لدى العمال من ناحية استبدال الآلة للإنسان والخطر الذي تشكله على حياتهم مباشرة، كونها «أقوى وأقدر» مادياً، وأن الآلة في حال استمر تطورها ستدمر البشرية، وليست تؤذي الأفراد فقط. إضافةً إلى أنها تحول العمل إلى نمط أكثر روتينيةً وتجزيئأ عبر تقسيم عال للعمل ، فظهر تيار محطمي المكائن في بريطانيا، وجوهره تحطيم الآلات، باعتباره أن الآلة تشكل مصدر استغلال العمال وبؤسهم، فما كان من الرأسمالية إلّا أن أصدرت القوانين التي تعاقب على هذه الأفعال، إضافةً إلى أنها ستلغيه وتحل محله كجنس بشري، فهي أقدر جسدياً منه، وأسرع وأدق، وبذلك تضع الإنسان في موقع الضعف والعجز والدونية.
الآلة ستسيطر على الإنسان!
حسب الدعاية: إن الآلة الذكية مستقبلاً ستسيطر على الإنسان. وتنقد الكاتبة وجهات النظر «المثالية» السائدة حول الوعي، خصوصاً فكرة تطور ذكاء الآلة وتفوقه على ذكاء الإنسان (إضافةً لتفوقها «الجسدي»)، وتقول: أن الأفكار السائدة تندرج تحت الفكرة الفلسفية «الإنسان هو آلة»، ومن هنا تنبع فكرة مماثلة الروبوت بالإنسان ووهم إمكانية تفوقه الذهني المقبل عليه، وتقول الكاتبة: إن هذه المقاربات تعيد إحياء مذاهب فلسفية تاريخية بالية، لا تبرر تفوق الروبوت على الإنسان، ووصوله للسيطرة عليه.
الخطر يكمن
في الرأسمالية وسيطرتها
تعيد الكاتبة فكرة ماركس إنه: «يجب نقل الصراع ما بين العمال والآلة إلى الصراع ضد النظام الرأسمالي وعلاقاته»، فموقع التكنولوجيا بالنسبة للمجتمع والإنسان تحكمه توجهات العلاقات الاقتصادية، والرأسمالية هي المتعارض مع مصالح تقدم البشرية، ولهذا كل تقدم تكنولوجي ينعكس بؤساً واستغلالاً على الطبقات المقهورة، كما عبر ماركس أيضاً.
وحول فكرة السيطرة تشير الكاتبة إلى أنّ الروبوت لن يكون إنساناً لسبب أساس أن الإنسان هو «مجموع العلاقات الاجتماعية التاريخية» حسب ماركس، وهذا ما يجعله يملك وعيه وقدراته، ولن يكون الروبوت قادراً على امتلاك هذا الوعي(الذكاء) دون أرضيته الاجتماعية التاريخية، وما تعنيه من دوافع ورغبات وظروف اجتماعية وثقافية تولد بنية وعيه وأفكاره.
فالنظام الرأسمالي نفسه، هو مولد مجمل المآسي الاجتماعية والأخطار وأرضية الأفكار «الشريرة» والتدميرية للإنسان والطبيعة، وليس كل وعي ينزع بالضرورة إلى السيطرة والتدمير. وتعطي الكاتبة مثالاً عن أعداد ضحايا الولايات المتحدة في أفغانستان كمؤشر سريع على أنّ الخطر أساساً ليس في مستقبل الآلة بل في حاضر النظام الرأسمالي نفسه.
المطلوب تطوير التكنولوجيا لخدمة البشرية
تعتبر الكاتبة أن تطوير التكنولوجيا والعلوم لا إثارة الذعر حولهما، هو ما يجب العمل عليه، وهذا يكون بتحرير التكنولوجيا من علاقات الإنتاج الرأسمالية، من أجل التطور الحر للبشرية، وتجاوز العمل «الضروري» الجسدي والممكن استبدال الإنسان فيه، وتشكيل أرضية تطور القدرات الذهنية للبشر.
بين تيار تقدمي وآخر رجعي
باستعراض المقال يظهر التمايز في الاتجاهات العلمية اليوم، تجاه قضايا العلوم والتكنلوجيا، وينسحب ذلك على الموقف من المجتمع والإنسان، ومستقبل البشرية. وذلك هو تمايز في النماذج الاقتصادية، وآفاقها في العالم اليوم، بين نماذج أصبحت عبئاً على البشرية والطبيعة، وأخرى مغايرة في آفاقها واحتمالات تطورها، وليس غريباً أن يكون هذا الموقف في مجلة صينية، كاتبتها محاضرة في المعهد الوطني للمعلومات الدفاعية (مقاطعة «خوبي»)، قسم الشؤون العسكرية، مستندةً إلى الماركسية. بينما تقوم الولايات المتحدة وإعلامها وجامعاتها بضخ الآلاف من الأبحاث والمقالات والتقارير حول الخطر العلمي التكنولوجي المحدق بالبشرية، وهي براء من الموت والدمار كليهما في العالم.
قضية التكنولوجيا والعلوم، تؤكد مستوى التناقضات والأزمة التي وصلت إليها الرأسمالية عالمياً، وتؤشر كذلك إلى عودة ضرورية إلى البديل التاريخي «الاشتراكية»، في عقول الملايين من المنتجين في العالم، بأيديهم وأدمغتهم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 806