خسائر زلزال 6 شباط.. حصيلة أولية غير نهائية لحجم الكارثة

خسائر زلزال 6 شباط.. حصيلة أولية غير نهائية لحجم الكارثة

حتى اللحظة، لم تنكشف تماماً جميع جوانب الكارثة التي ضربت البلاد في السادس من شباط الجاري. ولا سيما في ظل التخبط وغياب أي تقدير رسمي لحجم الأضرار على مستوى البلاد كلها وبقاء التقديرات مشتتة بين ما يسمى بـ«مناطق النفوذ والسيطرة»، لكن ما ظهر حتى الآن من تقديرات وبيانات عن الأضرار من شأنه أن يكشف عن بعض وجوه الاستجابة السورية للزلزال وعن حجم الاستحقاقات المستجدة التي تنتظر السوريين خلال الفترة المقبلة.

طال الضرر المباشر للزلزال أكثر من 8.8 مليون مواطن سوري بأشكالٍ متفاوتة، ووفق تقديرات منظمات الأمم المتحدة، من المتوقع أن يحتاج معظمهم إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية.


أكثر مناطق البلاد
تعرضاً للخطر

حتى ساعة كتابة هذه السطور، تم تأكيد تأثر البلاد بما لا يقل عن 2,900 هزة ارتدادية. وفي حين أثّرت شدة الزلزال على الأجزاء الشمالية والوسطى والجنوبية والساحلية من سورية، فقد طالت الأضرار البشرية والمادية الجسيمة محافظات حلب وحماة وإدلب واللاذقية، وأثرت بشكل مباشر على كل شخص يعيش في الشمال السوري تقريباً.

خلق الزلزال والهزات الارتدادية كارثة ذات أبعاد كبيرة، حيث دمرت العديد من المنازل والبنى التحتية للخدمات الأساسية والمنشآت، تاركة العديد من الناس دون طعام وماء ومأوى، وفي حاجة ماسة إلى المساعدة الطبية والنفسية والاجتماعية الطارئة.

وحتى اللحظة، بلغ العدد المعلن للوفيات في عموم سورية قرابة 4914 (حوالي 1414 متوزعين في محافظات حلب واللاذقية وحماه، وحوالي 3500 في محافظة إدلب وحدها)، والمصابون بحدود 14,814. والأكيد أن هذه الأرقام لا تمثل الحجم الحقيقي للاحتياجات، الذي سيزداد وسيغدو أكثر وضوحاً مع مرور الأيام.

وبشكل عام، تأثرت 170 ناحية في 43 منطقة في 10 محافظات بالزلزال. وتشمل المناطق الأكثر تضرراً محافظة حلب حيث تضرر 4.2 مليون شخص بدرجات متفاوتة. كما تأثر ما يقارب من 3 ملايين شخص في محافظة إدلب، وكذلك الحال بالنسبة لمحافظتي اللاذقية وحماه. وتعرضت جميع المحافظات العشر لمستويات الاهتزاز بدرجات من 5 إلى 7، ما يؤكد حدوث أضرار غير مباشرة على المدى الطويل، ولا سيما في مناطق العشوائيات المنتشرة في عموم سورية.

والعديد من هذه المناطق كانت بالأصل ترزح تحت وطأة الاحتياج الشديد الناجم عن سنوات الحرب والتراجع الاقتصادي. وفق التقديرات في إدلب، طال الدمار أكثر من 1,700 مبنى تدميراً كاملاً، ودمر أكثر من 5,700 مبنى جزئياً. وفي حلب، أفادت التقديرات بانهيار 56 مبنى، في حين لا يعرف حتى الآن العدد النهائي للمباني التي تعرضت للضرر في المحافظات الأخرى.

الكارثة موجودة
قبل حدوث الزلزال

هنالك عدة عوامل أثرت على شدة الاحتياجات الإنسانية في سورية ولا تزال تؤدي إلى تفاقمها، بما في ذلك الاحتياجات الإنسانية الموجودة مسبقاً على نطاق واسع، والقيود اللوجستية وظروف الشتاء وتفشي الكوليرا المستمر (دون شفافية حكومية في التعاطي مع المسألة). وقبل وقوع الزلزال في 6 شباط، كانت تقديرات الأمم المتحدة تؤكد أن حوالي 15.3 مليون شخص في سورية سيحتاجون إلى مساعدات إنسانية في عام 2023، وهو أعلى مستوى على الإطلاق في التاريخ السوري، منهم 4.1 مليون سيعيشون في ظل ظروف قاسية أو كارثية،.

وتتعرض الخدمات العامة - بشكل خاص المياه والكهرباء والتدفئة - التي كانت بالفعل متضررة قبل الزلزال، لضغوط شديدة، ومع اكتظاظ المستشفيات، اتضحت صعوبة حصول الناس على الرعاية الصحية في أوقات الطوارئ. كما أن نقص الوقود والآلات والمعدات الثقيلة هي من القضايا الرئيسية التي ينبغي التفكير فيها جدياً، ولا سيما أن غيابها عاق الوصول السريع إلى من بقي عالقاً تحت الركام.

slide1111

خسائر القطاعات تفاقم معاناة المتضررين الجدد

في عام 2022، وعلى أقل تقدير، لم تتمكن 85% من الأسر السورية من تلبية احتياجاتها الأساسية. وحتى ما قبل الزلزال لم يكن يعمل في البلاد سوى 59% من المستشفيات، و57% من مرافق الرعاية الصحية الأولية، و63% من المستوصفات المتخصصة تعمل بكامل طاقتها، وسيؤدي هذا الزلزال إلى مزيد من الانهيار في الخدمات الأساسية، ويؤخر إلى حد كبير قدرات إعادة تشغيل هذه المرافق.

سورية قبل الزلزال كانت فعلياً الدولة صاحبة أكبر عدد من النازحين داخلياً في العالم، والذي يقدر بنحو 6.8 مليون شخص. وقبل وقوع الزلزال، كان ما يقارب 80% من الأسر النازحة داخلياً قد نزحت لمدة خمس سنوات على الأقل، وعانى العديد منها من حالات تشريد متعددة. ومن المرجح أن يشهد العديد منهم موجة أخرى من النزوح، وشهدت البلاد بالفعل حالات نزوح من مناطق في دير الزور وحلب وحماة واللاذقية وطرطوس.

ولم يؤد الزلزال إلى نزوح إضافي بسبب المأوى المتضرر وغير الآمن فحسب، بل قلّل أيضاً من احتمالات العودة الآمنة للنازحين داخلياً من المناطق المتضررة من الزلزال. وسيكون المأوى الآمن أحد أهم الاحتياجات الرئيسية الملحة في المرحلة القادمة.

inside1

انكشاف الضعف في
جميع مناطق البلاد

ضعف الاستجابة للكارثة طال جميع مناطق البلاد، وربما تكون واحدة من المفارقات المثيرة للانتباه هي الفارق بين حجم الأضرار التي أصابت البلاد، ومقدار ضآلة الاستجابة الحكومية المباشرة: وفقاً للتقديرات الأولية غير النهائية، وصلت المتطلبات المباشرة من أجل تجاوز الآثار (الأولية فقط) للزلزال إلى ما يقارب 397.6 مليون دولار أمريكي، بينما اكتفت الحكومة السورية بالإعلان عن أنها خصصت 50 مليار ليرة سورية (6,84 مليون دولار فقط) كمخصصات طارئة أولية للاستجابة والتعافي، أي أن ما خصصته الحكومة هو أقل من 2% فقط من التقديرات الأولية للاحتياجات.

ووفق تقديرات الأمم المتحدة في إدلب، فإنه لم يكن من الممكن تغطية سوى 5% من المواقع المبلغ عنها التي تحتاج إلى عمليات بحث وإنقاذ. وأدى الافتقار إلى الآلات الثقيلة اللازمة لإزالة الأنقاض وسوء الأحوال الجوية إلى تعقيد عمليات الإغاثة بشكل كبير. وحتى المدارس التي كانت تعمل في تلك المناطق فقد أعلن عن إغلاقها، وكذلك تعاني المستشفيات من ضغط شديد.

وكذلك الحال، أعلن عن انهيار عدد من المباني في منبج وعين العرب والرقة، وأيضاً عن وقوع أضرار في البنية التحتية للمياه في منطقة غرب عين العرب، ما أدى إلى انقطاع المياه عن أكثر من 18 قرية. وتمت إقامة عشرات الملاجئ المؤقتة في مدن منبج وعين العرب والرقة والقامشلي للعائلات التي خرجت من منازلها خوفاً من الهزات الارتدادية والضرر الذي أصاب المباني التي يقطنونها، حيث لجأت مئات العائلات إلى هذه الملاجئ القريبة.

slide222

بورصة حسابات
الخسارة انطلقت

كما هو متوقع، بدأت سريعاً تقديرات الخسائر تخرج من هنا وهناك، وفي كثير من الحالات دون شرح لآلية حساب الخسائر. هنالك من يقدّر الخسائر بـ1.3 مليار دولار أو أقل، وثمة من يقدرها بـ5 مليارات دولار أو أكثر. وهذا في ظل غياب أي تقدير رسمي (ولو كان أولياً) لحجم الخسائر التي أصابت البلاد.

وفي خضم فوضى التقديرات هذه، هنالك من يعتمد تكلفة بناء المنزل كأساس لتقدير حجم ما يجب إنفاقه لاحقاً للتعافي من الكارثة. وعلى هذا الأساس يسود افتراض بأن وسطي ترميم المنزل الواحد هو 150 مليون ليرة سورية، وهذا الرقم يحتاج إلى نقاش: في عام 2015، أشارت بيانات المكتب المركزي للإحصاء في سورية إلى أن تكلفة بناء مسكن (مساحته 100 متر) وبإكساءٍ جيد (دون الأرباح ودون سعر الأرض) هي بحدود ثلاثة ملايين ليرة سورية، وهذا ما كان يعادل في حينه حوالي 15,555 دولار أمريكي، ما يعني بأرقام اليوم أن تكلفة بناء المنزل بالمواصفات المذكورة آنفاً يجب أن تكون عند حدود 108 ملايين، هذا إذا افترضنا أن الدولة عاجزة عن تخفيض المبلغ (وبشكلٍ كبير) في حال صبت اهتمامها على تأمين الإسمنت والحديد بأسعار أقل من الأسعار الموجودة في السوق.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1111