مبادلة العملات وتدويل العملة الصينية
 جين زونغ جين زونغ

مبادلة العملات وتدويل العملة الصينية

في بداية 2023 انخفضت قيمة الدولار من جديد أمام العملات الأخرى. بدأت هذه الجولة من ضعف الدولار في نهاية 2022 عندما وصل إلى 7.3 مقابل الرينمنبي «العملة الصينية» وبدأ الكثيرون بسبب الادعاء على وسائل التواصل الاجتماعي بأنّه سيرتفع إلى 8 يشترون الدولار. لم يتوقعوا أنّه سيعود اليوم لينخفض إلى أدنى من 6.7، وخسر الكثير من المضاربين أموالاً طائلة نتيجة ذلك. يشير هذا الارتفاع الكبير في قيمة اليوان خلال شهر أو شهرين فقط– آخذين بالاعتبار أنّ الولايات المتحدة لا تزال ترفع أسعار الفائدة، ولا يوجد تغيير كبير في السياسة النقدية الصينية– إلى أنّ الأسواق المالية قد زادت بشكل كبير من التوقعات فيما يخص الاقتصاد الصيني. ما الذي يعنيه هذا بالنسبة لطموح الصين بجعل اليوان عملة احتياطية أكثر قبولاً في بقيّة أنحاء العالم؟ وما هو دور اتفاقيات مبادلة العملات بذلك؟

ترجمة: قاسيون

اتفاقيات مبادلة العملات «Swap»

ما هي اتفاقية مبادلة العملات؟ وفقاً للمفهوم المقبول عموماً، فاتفاقية مبادلة العملات هي اتفاقية بين البنوك المركزية في بلدين يتفقان على مقدار العملة التي يمكن تبادلها بسعر صرف معين في وقت معين. في اتفاقية مقايضة العملات، يتفق الطرفان بشكل عام على مدة مقايضة العملة، وسعر الصرف، والكمية، ونوع العملة، وسعر الفائدة.

أحد الأغراض الرئيسية للدخول في اتفاقيات مبادلة العملات، أنّه في حالة حدوث أزمة اقتصادية أو مالية، يمكن للبنك المركزي لاقتصاد كبير نسبياً توفير دعم سيولة قصير الأجل للنظام المالي لاقتصاد آخر ضعيف نسبياً بموجب اتفاقية التبادل.

الاحتياطي الفدرالي الأمريكي هو البنك المركزي الأكثر نشاطاً في هذا الصدد. في وقت الأزمة المالية 2008 والأزمة المالية الوبائية لعام 2020، تم توقيع اتفاقيات مبادلة عملات ضخمة بين الفدرالي والعديد من الاقتصادات الكبرى في العالم، مما يوفر دعماً كبيراً للسيولة بالدولار لهذه الاقتصادات. وفقاً لصندوق النقد الدولي، قدم الاحتياطي الفدرالي 580 مليار دولار من السيولة للبنوك المركزية في بلدان أخرى، من خلال اتفاقيات مبادلة العملات خلال الأزمة المالية 2008 وسيولة قدرها 450 مليار دولار في آذار 2020.

لكن هناك نوعاً آخر من اتفاقيات مبادلة العملات، هي الاتفاقيات بين العديد من الاقتصادات ذات الحجم الصغير، وذلك في الغالب بهدف لتعزيز تنمية التجارة عبر الحدود باستخدام العملات المحلية لهذه البلدان كعملات تسوية تجارية. يشمل هذا النوع اتفاقية مبادلة العملات التي أبرمت بين 2016 و2019 بين تايلاند وماليزيا وإندونيسيا والفلبين، والتي أدّت إلى زيادة حصة التجارة المستقرة بعملاتها الوطنية في الأنشطة التجارية فيما بينها. كمثال، في أعقاب هذه الاتفاقية ارتفعت حصة تسويات التجارة بين تايلاند وماليزيا باستخدام البات التايلاندي من 14٪ إلى 18٪ خلال ثلاثة أعوام.

يقوم البنك المركزي الصيني بدوره بعقد اتفاقيات مبادلة عملات مع بنوك بلدان أخرى، مثل: الأرجنتين التي أعلنت هذا العام تفعيل اتفاقية مبادلة العملات الموقعة بالفعل مع «بنك الشعب الصيني»، علماً أنّها قد تلقت أيضاً 6 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي في نهاية العام الماضي. وفقاً للبنك المركزي الصيني، فالدور الرئيسي لاتفاقيات مبادلة العملات التي يعقدها يشمل الجانبين اللذين ذكرناهما.

أبرمت الصين اتفاقيات مبادلة عملات مع 31 دولة ومنطقة بحلول نهاية 2022. في وقت اضطراب الأسواق المالية في 2020، تلقت تركيا ومنغوليا وباكستان حوالي 56 مليار يوان صيني من دعم السيولة من الصين عبر الاتفاقيات الموقعة.

لكن على الرغم من أنّ الصين لديها اتفاقيات مبادلة عملات مع أكثر من 30 دولة، فإنّ معظم هذه البلدان لديها وصول مباشر- أو غير مباشر- إلى دعم السيولة بالدولار من الاحتياطي الفدرالي «مثل: أوروبا واليابان والمملكة المتحدة وكوريا الجنوبية»، ولهذا ليس لديها من حيث المبدأ حاجة لتفعيل اتفاقياتها مع الصين. ينطبق هذا أيضاً على اختيار العملة لمعظم التجارة والاستثمار الدوليين، فإذا كان بإمكان الشركات الخاصة العاملة في التجارة والاستثمار استخدام العملة الدولية الحالية، الدولار أو اليورو، بسهولة لأنشطتها التجارية والمالية، فليس هناك حافز كبير بالنسبة لها للتبديل الفعال إلى عملة أخرى لاستخدامها في معاملاتها.
في الوقت الحالي فقط، بعض البلدان والمناطق غير القادرة على استخدام الدولار أو اليورو لأسباب سياسية واقتصادية، تميل لاستخدام الرنمينبي كعملة دولية مفضلة. الأرجنتين هي أحد هذه الأمثلة، فبعد سنوات من الأزمات الاقتصادية والديون، باتت احتياطيات الدولار لديها أقل بكثير، والمساعدات من البنك الدولي بطيئة، وتأتي مع شروط سياسية قاسية، لذلك هم بحاجة ماسة إلى مصدر دولي للسيولة النقدية، مستقل عن الدولار. والصين بوصفها ثاني أكبر شريك تجاري للأرجنتين، وثاني أكبر اقتصاد في العالم، تناسب هذه الحاجة.
المثال الآخر هو روسيا، التي نتيجة للعقوبات الغربية، ارتفعت حصة اليوان من احتياطاتها من أقل من 1٪ قبل الحرب إلى 48٪ اليوم. وفي بداية العام أعلن البنك المركزي الروسي أنه بهدف دعم سعر صرف الروبل، كان يبيع اليوان لشراء الروبل في سوق الصرف الأجنبي.

مخاطر يجب تحملها

إنّ تفعيل مبادلة العملات مع البنك المركزي الصيني تحمل بعض المخاطر. فالدول التي تسعى للحصول على مساعدة الصين، والتي لا تستطيع الوصول إلى الدعم بالدولار لأي سبب من الأسباب، هي دول في ضائقة اقتصادية. لا يمكن أن تكون السيولة بالرنمينبي سوى إنقاذ قصير الأجل لهم، والأمر متروك لهذه البلدان لتخطّ طريقها للخروج من الفوضى الاقتصادية. لكن إذا دخلت هذه الدول في مشاكل اقتصادية أعمق، فهناك خطر يتمثل في ضياع المساعدة الصينية التي حصلت عليها عبر الاتفاقيات. يشبه هذا الوضع إلى حدّ ما بعض استثمارات الصين في إفريقيا، حيث المخاطر عالية، لكن يجب القبول بها.

لكن ما دامت دولة ترغب في تدويل عملتها، فالمخاطر هي مسؤولية يجب عليها تحملها. كان على الولايات المتحدة أن تقدم مئات المليارات من الدولارات إلى دول أخرى، في ذروة الأزمة والذعر من أجل الحفاظ على مركزها الدولاري. من الضروري أن تقدم الصين مثل هذا الدعم لشركائها التجاريين، من أجل تعزيز قبول الرنمينبي من قبل الدول الأخرى.
لكن فيما يتعلق بالتأثيرات العملية، فاتفاقيات مبادلة العملات مجرد وسيلة واحدة لتعزيز تدويل الرنمينبي، لكنّها غير كافية. يجب تعلّم الدروس من العقوبات المفروضة ضدّ روسيا. تحتاج الصين لبذل الكثير من الجهود لتعزيز البنية التحتية اللازمة لتدويل اليوان. ببساطة، الزيادة الكبيرة في حصة اليوان في التجارة والاستثمار مهمة مكلفة، ولا ينبغي أن تكون أولوية محلية في هذا الوقت، ولكن يجب الآن طرح بعض الاستعدادات الأولى لتحسين اليوان كعملة مقاصة.
على سبيل المثال: يجب حل قضايا الوظيفة، والواجهة، والأمن، وملائمة «نظام تبادل البيانات بين البنوك CIPS» الذي تقوده الصين. يجب تسريع التقدم المحرز في تعزيز استخدام «CIPS» بين شركاء الصين التجاريين المهمين، خاصة أولئك في البلدان النامية. يجب تسريع إنشاء ونشر خدمات المقاصة بالرنمينبي في البلدان الشريكة تجارياً... الخ. الغرض من هذه الإجراءات هو إعداد بوليصة تأمين توفر حماية وأماناً للاقتصاد الصيني في حالة حدوث أزمة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1111