R5 عملة مجموعة بريكس الجديدة.. ونهاية إمبراطورية الدولار الأمريكي
خلال الشهور الأخيرة، حظيت مسألة إنشاء عملة جديدة احتياطية لدول البريكس بأهمية خاصة، ذلك بعد أن أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن إنشاء هذه العملة هو مسألة قيد المناقشة. ليعقب ذلك سلسلة من التصريحات الرسمية الروسية حول مدى أهمية إنشاء عملة احتياطية جديدة. وفي حين أن الإعلام يركز على إظهار النقاش حول إمكانية إنشاء هذه العملة الاحتياطية كما لو أنه مبادرة روسية فحسب، ينكب المحللون الجادون على دراسة الآثار المترتبة على مثل هذه الخطوة بالنسبة للاقتصاد والنظام المالي العالمي.
إذا كان هناك تغيير كبير في الاقتصاد العالمي على مدى السنوات الماضية تجدر الإشارة إليه، فهو التراجع التدريجي للإيمان بالتفوق غير المحدود للدولار الأمريكي. حيث ينخرط المجتمع الدولي بشكل متزايد في مناقشات حول التغييرات المحتملة في تكوين النظام المالي العالمي، والبعض يفترض سيناريوهات تتراوح بين «نظام ثنائي القطب يهيمن عليه الاحتكار الثنائي للدولار الأمريكي واليوان الصيني» وسيناريوهات مختلفة متعددة الأقطاب، بما في ذلك إنشاء عملة احتياطية لمجموعة بريكس، الأمر الذي يتحول اليوم إلى مركز المناقشة العالمية.
تمت صياغة المقترحات الأولية حول إنشاء عملة احتياطية جديدة تعتمد على سلة من عملات دول بريكس منذ عام 2018. وكانت الفكرة آنذاك هي إنشاء سلة عملات تتكون من العملات الوطنية لدول البريكس، بالإضافة إلى بعض العملات الأخرى لاقتصادات الدول التي تدور في فلك «بريكس+». وكان اختيار العملات الوطنية لدول البريكس يرجع إلى حقيقة أنها كانت من بين العملات الأكثر حضوراً في الأسواق الناشئة. وظل النقاش يدور حتى الوصول إلى العملة الاحتياطية الجديدة لدول البريكس، وهي عملة حقوق السحب الخاصة (أي عملة احتياطية تستند إلى سلة من العملات الرئيسية).
وهذه العملة الجديدة ستحمل اسم (R5 أو R5+)، حيث استند اسمها إلى الأحرف الأولى من أسماء عملات الدول الأعضاء في مجموعة بريكس (ريال برازيلي، روبل روسي، روبية هندية، رنمينبي صيني، راند جنوب إفريقي).
عملة بريكس: داخل وخارج الدول الأعضاء في المجموعة
بطبيعة الحال، يعمل الإعلام الغربي - والعديد من منصات السوشال ميديا التي تدور في الفلك ذاته - ليل نهار للحديث عن «درجة المخاطر والهشاشة واستحالة تنفيذ مشروع R5». وتعامى بشكل مقصود عن تسليط الضوء على الفوائد التي ستعود ليس فقط على اقتصادات بريكس بل والأسواق الناشئة بشكل عام، وكذلك عن توضيح الطرائق الفعلية التي سيتم بموجبها إطلاق العملة الاحتياطية لمجموعة البريكس.
وتم تقديم الكثير من الحجج والادعاءات المتعلقة بعملة R5 مثل إن بريكس لا تشكل منطقة عملة مثالية وإن كثافة التجارة البينية بين دول البريكس يجب أن تكون أعلى بكثير من أجل السماح بإنشاء عملة مشتركة.
لكن هذه الحجج كلها تتلاشى أمام الأرقام الحقيقية، حيث تشير الاتجاهات التي لوحظت في السنوات الأخيرة إلى انتعاش ملحوظ في التجارة البينية بين دول البريكس، مع انتعاش التجارة الثنائية بين الصين والبرازيل (تجاوز 135 مليار دولار أمريكي في عام 2021 وأكثر من 150 مليار دولار أمريكي في عام 2022، مسجلاً خمس سنوات من الأرقام القياسية المتتالية). البرازيل والهند (وصل إلى 11.5 مليار دولار أمريكي في عام 2021 (نمو أكثر من 60%) ويقترب من الهدف المحدد لعام 2022 البالغ 15 مليار دولار أمريكي). روسيا والهند (تجاوز 31 مليار دولار أمريكي في عام 2022، بزيادة تقارب 3 أضعاف مقارنة بعام 2021). الصين وروسيا (ما يقارب 190 مليار دولار أمريكي مقارنة بـ147 مليار دولار أمريكي في عام 2021). حيث سجلت جميعها ارتفاعات قياسية في عام 2022 مع زيادات كبيرة على أساس سنوي. ومن المرجح أن تزداد حصة التجارة فيما بين بلدان الجنوب (وداخل دول بريكس+) مع استفادة الاقتصادات النامية من الإمكانات الكبيرة في التجارة المتبادلة عبر الابتعاد عن الدولار.
التكوين الداخلي لـR5.. والحماية من التقلبات
في البداية، يرى بعض خبراء الاقتصاد أنه ضمن تكوين سلة العملات الجديدة R5، قد يتم تحديد حصة الرنمينبي الصيني في البداية عند مستوى مرتفع نسبياً من أجل الاستفادة من وضع الاحتياطي المتقدم بالفعل للعملة الصينية. وقد يتم تخفيض هذه الحصة تدريجياً على مراحل في وقت لاحق بالتوازي مع إدراج عملات وطنية جديدة للأسواق الناشئة. وخارج اقتصادات مجموعة بريكس، قد يوجد بعض المرشحين المحتملين الذين يمكن تضمينهم بمرور الوقت في سلة العملات (R5+)، مثل الدولار السنغافوري أو الدرهم الإماراتي.. أو غير ذلك.
من المعروف أن إحدى المخاطر المحتملة المرتبطة باستخدام عملات الأسواق الناشئة في الاحتياطيات هو التقلب الشديد لهذه العملات. لهذا، ستسمح آلية سلة العملة الاحتياطية لمجموعة بريكس بالحد من بعض هذه التقلبات من خلال حساب وسطي حركة سعر الصرف للعملات التي تتبع اتجاهات السوق المختلفة.
نظام مالي دولي أكثر أماناً للحد من مخاطر الدولار
المسألة الأهم هي أن نطاق استخدام العملة الاحتياطية الجديدة في الاقتصاد العالمي سيكون كبيراً بالنظر إلى الإمكانات الفعلية الهائلة للتخلص من الدولار الأمريكي.
يمكن للعملة الاحتياطية الجديدة لدول بريكس أن تعمل - بالتوازي مع الدور الأقوى الذي تؤديه عملات بريكس الوطنية - لتولي حصة أكبر من إجمالي حجم التسويات في الاقتصاد العالمي. ويمكن توسيع نطاق هذا الدور تدريجياً من مجرد خدمة تسويات التجارة الخارجية إلى تدفقات الاستثمار عبر «العالم النامي».
وتماشياً مع مفهوم R5، يمكن أن يكون أحد الأماكن الممكنة لتعزيز استخدام العملات الوطنية والعملة الاحتياطية لمجموعة بريكس هو إنشاء منصة لبنوك التنمية الإقليمية التي تكون اقتصادات بريكس أعضاء فيها. ويمكن لمثل هذا المنبر أن يضع حافظة من مشاريع الربط أو مشاريع التكامل التي يمكن تمويلها بالعملات الوطنية.
وإذا نجح إطلاق العملة الاحتياطية الجديدة فمن شأنه أن يضفي تغييراً جذرياً على النظام المالي العالمي. حيث تعاني العديد من البنوك المركزية في الاقتصاد العالمي من نقص ملحوظ في العملات الاحتياطية وفي القدرة على إدارة حيازاتها الاحتياطية. في هذا الصدد، فإن ظهور عملات احتياطية إضافية من اقتصادات الأسواق الناشئة سيعمل على توسيع إمكانيات تنويع حيازات الاحتياطي والحد من نقاط الضعف المرتبطة بالاعتماد على نطاق ضيق من العملات. وبالتالي، يمكن أن يصبح مشروع R5 أحد أهم مساهمات الأسواق الناشئة في بناء نظام مالي دولي أكثر أماناً.
شارة البدء في آب المقبل 2023
عملة بريكس الجديدة الواعدة لديها فرصة كبرى لتصبح عملة عالمية بشكلٍ مباشر، فبالأصل تشكل منظومة بريكس بالحد الأدنى ما يقارب 31.5% من الاقتصاد العالمي. هذا دون أن نأخذ بالحسبان إمكانات التوسع المتاحة لتطال عدد كبير من الدول الأخرى (السعودية، تركيا، إيران، مصر، الجزائر، الأرجنتين.. إلخ)، وكذلك تسارع النمو المشترك لاقتصادات الدول المشاركة.
وفقاً للعديد من الباحثين، فإنه بحلول الفترة بين 2035-2040، من المرجح أن تسيطر مجموعة البريكس على نصف الاقتصاد العالمي. وهذا سيرفع بالطبع، من فرص استخدام عملة المجموعة في التسويات الدولية. وهذا بالتوازي مع سعي هذه الدول لرفع وزن عملاتها المحلية أيضاً. وإدراكاً لهذه الحقيقة، فإن أعضاء مجموعة البريكس الحاليين (والمستقبليين) يريدون أن تتحول العملة الجديدة إلى واقع في أقرب وقت ممكن.
ستعقد قمة بريكس المقبلة في جنوب إفريقيا في شهر آب 2023. وتم الإعلان بالفعل عن مناقشة مبادرة إنشاء عملة جديدة بالتفصيل خلال القمة. لكن النقاش لن يدور حول مقترحات جديدة، بل مقترحات جاهزة يتم العمل عليها الآن ليصار إلى إقرارها والبدء بتطبيقها في القمة المقبلة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1112