هل سيجوع العالم الغربي؟ وما أثر نقص الطاقة على الغذاء؟

هل سيجوع العالم الغربي؟ وما أثر نقص الطاقة على الغذاء؟

ترتفع في كل مكان في أوروبا والولايات المتحدة تقريباً التحذيرات من خطر الجوع المحدق الذي قد يضرب العالم الغربي. فمؤخراً، لفتت صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية الأنظار صراحة إلى «خطر المجاعة في أوروبا» بسبب ارتفاع أسعار الكهرباء، بينما بدأ أعضاء الاتحاد العام للتعاونيات الزراعية الأوروبية «كوبا-كوجيكا Copa-Cogeca»، فضلاً عن منظمتين غذائيتين رئيسيتين، هما FoodDrink Europe وPrimary Food Processors، في تقليص أعمالهما في أوروبا وتقليل حجم الإنتاج.

أكد بيان مشترك صادر عن ممثلي الصناعة الزراعية الأوروبية، عشية اجتماع وزراء الطاقة في الاتحاد الأوروبي الذي عقد في 9 أيلول الجاري في العاصمة التشيكية براغ، أن «الزيادة الحاصلة في أسعار الطاقة، وخاصة الغاز الطبيعي والكهرباء، تهدِّد استمرارية دورات إنتاج الأغذية الزراعية، وبالتالي القدرة على الاستمرار في توفير السلع الزراعية الأساسية والمواد الغذائية والأعلاف».
وأكد الأمين العام للاتحاد العام للتعاونيات الزراعية الأوروبية، بيكا بيسونين، أن المستهلكين الأوروبيين سيواجهون في الشتاء المقبل أسعاراً أعلى ونقصاً في العديد من الفواكه والخضروات. وقال: «لم نر شيئاً كهذا من قبل... بعض المنتجات لن تكون متاحة أو ستكون مكلفة للغاية». حيث يتم استخدام الكهرباء في جميع مراحل إنتاج الغذاء، من التسميد إلى الحصاد وثم التبريد والتخزين. وشدد بيسونين على أن صناعات الألبان والمخابز تضرّرت بشدة من ارتفاع تكاليف البسترة، في حين أصبح إنتاج مسحوق الحليب عالي التكلفة كثيراً بسبب ارتفاع كثافة الطاقة.

108822

الانخفاضات ومؤشرات «الشتاء القادم»

منذ بداية العام وحتى تموز الماضي، ارتفعت أسعار الزبدة في الاتحاد الأوروبي بنسبة 80%، في حين ارتفع سعر مسحوق الحليب بأكثر من 50%، ولحم البقر بنسبة 28%. وفي الوقت ذاته، يقول المزارعون إن تكاليف إنتاجهم الحالية ترتفع بشكل أسرع.
على هذا الأساس، يقوم مزارعو الفواكه والخضروات بتقليص مزروعاتهم للموسم الزراعي المقبل، حيث أفاد البعض أن ارتفاع تكلفة تشغيل البيوت البلاستيكية الزراعية يفوق بالفعل الأرباح التي يمكنهم تحقيقها. وقالت شركة نورديك غرينز Nordic Greens، أكبر شركة زراعية للطماطم في السويد، إنها لن تزرع محاصيل شتوية. كما يجري التخلص التدريجي من البيوت البلاستيكية في هولندا رغم أنها تعدُّ ثاني أكبر مصدّر زراعي في العالم.
فوق ذلك، سينخفض إنتاج الخيار والفليفلة المزروعين في البيوت البلاستيكية الساخنة في المملكة المتحدة في عام 2022 وفقاً لصحيفة فاينانشال تايمز بمقدار النصف مقارنة بحجم الزراعة التي تمّت خلال العام الماضي، وذلك بسبب تكاليف الطاقة المرتفعة للغاية. والإنتاج الضئيل لهذا العام سيكون بضعف أسعار العام الماضي.

108811

«الشماعة» الروسية وذريعة الوباء

كما هو متوقع، تلقي الصحافة البريطانية باللوم على روسيا في «المجاعة القادمة»، رغم أنها هي ذاتها تعترف بأن روسيا قطعت إمدادات الوقود إلى أوروبا بسبب العقوبات الجائرة المفروضة عليها من المنظومة الغربية.
في هذا الصدد، اختارت صحيفة ديلي تلغراف أن تكون مباشرة جداً في مقالٍ لها حمل عنوان: «بريطانيا ستتضور جوعاً بسبب التوجهات البيئية المضللة»، حيث أشارت إلى أن الاقتصاديين الغربيين يلقون باللوم في كل شيء على مرحلة «التكيف الاقتصادي» التي أعقبت الوباء والحرب في أوكرانيا، لكن «الحقيقة هي أننا نحن أنفسنا نسمح للبنى الزراعية المحلية لدينا أن تترهل وتتراجع... حيث ثمّة اتجاه في بريطانيا للتخلي عن الأراضي الزراعية كي يتم تركيب الألواح الشمسية وغيرها مما يسمّى باللوازم البيئية».
وهذا العام، سيتم فقدان ما يصل إلى نصف المحاصيل في المملكة المتحدة بسبب عدم القدرة على الري، وفقاً لصحيفة الغارديان. فبالإضافة إلى عوامل الجفاف، تم إعطاء الأولوية لتركيب طواحين الهواء والألواح الشمسية في الكثير من الأراضي الزراعية، لهذا من المتوقع فقدان ما يصل إلى نصف حصاد الجزر والبصل وبنجر السكر والتفاح. كما سينخفض إنتاج الحليب في المملكة المتحدة بسبب نقص علف الأبقار. وبحسب الصحيفة: «ثمة مخاوف من أن العديد من المزارعين سيرفضون زراعة محصول العام المقبل... بكل ما يعنيه ذلك من عواقب وخيمة على محصول عام 2023». كما من المتوقع أن يتم ذبح الأبقار وغيرها من الماشية في وقت مبكر وبأوزان أقل، لأنه من المرجح أن يستنفد المزارعين الأعلاف في فصل الشتاء.

1088-3

السياسات هي سبب الأزمات

في فرنسا، من المتوقع أن يتم فقدان ما يصل إلى 35% من حصاد الفواكه والخضروات، وذلك بحسب رئيس الاتحاد الوطني الفرنسي لمنتجي الخضروات، جاك روشاوس.
والوضع أسوأ من ذلك في إيطاليا، ففي بعض أجزاء البلاد، قد يتم فقدان ما يصل إلى 80% من المحاصيل الزراعية. وفوق ذلك، ليس هنالك من بارقة أمل في الاستيراد من دول أوروبية أخرى أو حتى من الولايات المتحدة، حيث أن الأزمة عامة على الجميع.
وفي الولايات المتحدة، قال الاقتصادي الأمريكي البارز، مايكل سنايدر، على موقعه عبر الإنترنت إن 74% من لحوم الأبقار، و50% من إنتاج الألبان، وأكثر من 80% من إنتاج القمح، و 70% من الخضروات والفواكه والمكسرات معرضة للخطر. حيث قال 37% من المزارعين إنهم يتخلصون من محاصيل موجودة لديهم. وهنالك عدد غير مسبوق من مربي الماشية في بعض الولايات الغربية يبيعون مواشيهم. حيث أبلغ المزارعون في ولاية تكساس عن أكبر انخفاض في أعداد الماشية بنسبة 50%، تليها نيو مكسيكو وأوريغون بنسبة 43% و41% على التوالي. ويؤكد سنايدر أن أسباب أزمة الغذاء التي تهدّد الولايات المتحدة بالمجاعة تكمن في تصرفات الحكومة الأمريكية ذاتها.

108833

هل كان الجوع مخططاً بالأصل؟

يميل عدد متزايد من الباحثين إلى اعتبار أن الجوع في العالم كان مخططاً له لفترة طويلة. حيث تم الإعلان عن أزمة الغذاء العالمية للعالم في شهر أيار 2020 من «كبير الاقتصاديين» في برنامج الأغذية التابع للأمم المتحدة، عارف حسين، عندما لم يكن هناك جفاف في عام 2022 ولا عملية روسية خاصة في أوكرانيا.
في ذلك الوقت، كانت مؤشرات المحاصيل والبذر والماشية، وكذلك أسعار المنتجات الزراعية، مستقرة، ولم تكن هنالك حتى رائحة نقص الغذاء. فمن عام 2000 إلى عام 2019، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة، انخفضت نسبة سكان العالم الذين يعانون من سوء التغذية من 15% إلى 8.9%. وبحلول عام 2030، حددت الأمم المتحدة مهمة الوصول بهذا الرقم إلى الصفر. حيث كانت المؤشرات حول المجاعات في العالم تتراجع حتى عام 2019، ولم يبدأ المنحنى بالصعود إلا بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية التي تمت تغطيتها بحجة وباء كوفيد 19، ففي نهاية عام 2020، ارتفع عدد الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية من 690 مليون إلى 811 مليون، وهو أكبر عدد منذ 15 عاماً. وفي عام 2021، ارتفعت أسعار الغذاء العالمية بمعدل 30%: حيث ارتفعت أسعار زيوت عباد الشمس وبذور اللفت بأكثر من 60%، والقمح بنسبة 31%، والسكر بنسبة 30%، ومنتجات الألبان بنسبة 17%، واللحوم بنسبة 13%.
لذا، يعتبر كثيرون أن البيان الذي أدلى به خبير الأمم المتحدة في عام 2020 حول المجاعة التي تهدد العالم لم يكن تنبؤاً، بل كان مشروعاً، ومشروعاً ناجحاً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1088