الرأسمالية تبني اقتصاد العنف والحرب فقط
كيفال بارديا كيفال بارديا

الرأسمالية تبني اقتصاد العنف والحرب فقط

يظهر التحليل النقدي للرأسمالية بأنّها غير قادرة إلّا على إنجاح اقتصاد العنف. تتنوع مصادر هذا العنف بشكل كبير، بدءاً من الإنفاق العسكري الحكومي والمراقبة والحدود، وصولاً إلى أنظمة الملكية الخاصة والقوانين الإمبريالية واستغلال العمالة. هذه المؤسسات الرأسمالية التي تتنافر وتنقسم، تدعمها هيمنة ثقافية تحاول أن تنشر عدم وجود بديل عنها.

ترجمة: أوديت الحسين

يتركز معظم الإنفاق العسكري الحكومي السنوي في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، على الرغم من كون المنطقتين مجتمعتين موطناً لـ 10٪ فقط من سكان العالم. منذ عام 2015 ووزارة الدفاع الأمريكية أكبر ربّ عمل في العالم. يتمّ الترويج لتركيز القوة العسكرية الغربية وحجمها على أنّه ضروري للسلام والأمن العالميين.
نظراً لأنّ الحكومات الأمريكية والأوروبية تنفق أكثر على الحرب من الجميع، فمن الطبيعي أن تبيع الشركات التي توجد مقارها الرئيسية المؤثرة والمحمية فيها، معظم الأسلحة. يقع مقر 64 من أصل أكبر 100 شركة للأسلحة إمّا في الولايات المتحدة أو في أوروبا، وهو ما يمثّل 394 مليار دولار «74٪ من المبيعات العالمية». تضمن هذه المبيعات توفير إمدادات مستمرة من الذخيرة للحكومات لفرض الإمبريالية في الداخل والخارج على الأشخاص المهمشين والذين يعانون من العنصرية، ومن أجل الإبقاء على اللا مساواة العالمية وإغراق مساحات شاسعة من الجنوب العالمي في الفوضى الاجتماعية والاقتصادية.
من الأدوات الهامة لإتمام هذه العمليات: شبكة معقدة من الحكومات الغربية، والسياسيين الليبراليين والمحافظين الذين هم أنفسهم مساهمون ومالكون، ومجموعات فكرية ومجموعات ضغط ممولة من صناعة الأسلحة بشكل وافٍ. والأهم من ذلك قطاع رأسمالي آخر لا يمكنه الحياة دون اقتصاد العنف والحرب: قطاع التمويل.

سوق سرّي

لفهم دور القطاع المالي في المجمع الصناعي العسكري واقتصاد العنف، من الضروري وجود بعض المعلومات الأساسية. بعد الانهيار المالي في عام 2008، قامت البنوك المركزية بطباعة ترليونات الدولارات للحكومات من خلال «التيسير الكمي» الذي يوسع رأس المال للمساعدة في تحفيز الاقتصاد. لكن وعلى عكس فترة ما بعد الحرب، لم تموّل هذه الأموال لا الإسكان ولا الرعاية الصحية ولا مؤسسات الرفاهية. عوضاً عن ذلك أدّت إلى ارتفاع أسعار الأصول وزادت من تفاوت الثروة. يُصنف هذا الإنفاق الحكومي على أنّه دين «لأنّه في الأساس اقتراض غير محدود من البنك الخاص التابع لهم»، ثمّ يستخدم السياسيون للادعاء بشكل كاذب بأنّ الاقتصاد متأخر من أجل تبرير عدم لجوء الحكومة للإنفاق على السياسات التي لا تحبّها. ثمّ تنفق على ما تحبه وتسمح للنقود بالتدفق إلى الملاذات الضريبية.
قدّر تقرير صادر عن اليوربول العام الماضي 2021 بأنّ أكثر من 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي موجود اليوم في الملاذات الضريبية حول العالم. كشفت تسريبات رفيعة المستوى مثل «أوراق بنما» عن شبكة عالمية من الشركات والسياسيين والمشاهير الذين يوزعون ثرواتهم بعيداً، من أجل إثراء أنفسهم على حساب الناس العاديين. تصنف «شبكة العدالة الضريبية» المملكة المتحدة والأقاليم التابعة لها على أنّها الأماكن الأكثر سريّة والأكبر على مستوى العالم للنشاط الخارجي فيما يخصّ اقتصادات الظل.
في الوقت نفسه، في عالم الأسواق المالية المترابطة على مدار 24 ساعة، تزداد الفجوة بين الأشخاص الأكثر ثراء في العالم– وبالتالي الأكثر قوة– بمعدلات هائلة تخلق أعمق مستويات اللا مساواة. بحلول عام 2019 كانت الأسواق المالية تحول 36 ترليون دولار يومياً من خلال الأسهم والمشتقات والعملات الأجنبية وسلع الجملة المشحونة بحرياً. تأسست هذه الأسواق في القرن السادس عشر، وكانت تستخدم في البداية لزيادة رأس المال لتعويم سفن العبيد. واليوم هي باقية لتعمل كما وصفها جيه إيه هوبسون: «حاكم المحرّك الإمبريالي».

وصل النقاط

هذا التراكم الهائل للثروة من قبل القطاع المالي يسمح بدوره بتغذية مبيعات الأسلحة بشكل مباشر. من أصل أكبر عشر شركات منتجة للأسلحة في العالم، هناك تسعة موجودة في الولايات المتحدة وأوروبا، وهي مدرجة في بورصات الولايات المتحدة وأوروبا. يتم شراء وبيع أسهمها من قبل صناديق التقاعد وبنوك الادخار – وكذلك أموال المجتمعات المحلية وحتى الجماعات الدينية التي تعمل وفق مبدأ تعظيم العوائد لمساهميهم دون أي تفكير في مكان صرف هذه الأموال. سواء أحببنا ذلك أم لا، فوجود المؤسسات المالية ومؤسسات الأصول الغربية يعني حتماً تمويلاً مستمراً ومتواطئاً في الآلة العسكرية التي تشعل الحروب الإمبريالية.
تستخدم شركات الأسلحة نفس البنوك والمحاسبين والمحامين وشركات التأمين التي تستخدمها الأحزاب السياسية والعديد من الناس الطبيعيين. كما هو الحال مع العديد من الشركات المدرجة، يهيمن على مساهميها بشكل متزايد عدد قليل من الشركات المالية الضخمة، حتى لو كانوا يعملون كمجرّد وسطاء بالنيابة عن الأثرياء. تدير شركتا أصول مقرهما الولايات المتحدة: بلاك روك وفانغارد، أصولاً مالية تزيد قيمتها عن 20 ترليون دولار، أي ما يفوق الناتج المحلي الإجمالي لإفريقيا وأمريكا الجنوبية مجتمعتين. تملك الشركتان حصصاً في الأراضي والمزارع ومصانع المواد الغذائية والمستشفيات ومحلات البقالة الكبرى وشركات الطاقة.
كما أنّه ليس أمراً نادراً أن تدعم التدفقات المالية غير المشروعة الأنظمة القمعية المدعومة غربياً في جميع أنحاء العالم. كشفت أوراق بنما عن شبكة واسعة من الشركات الوهمية التي تسمح للأنظمة القمعية بالاستمرار بأعمالها باستخدام شركات وهمية منتشرة في أنحاء المراكز المالية التابعة، مثل الإمارات العربية المتحدة وسويسرا وهولندا.

حلول جذرية لا ترقيعية

تفرض المملكة المتحدة اليوم ضريبة بخسة بنسبة 0,5٪ على قيمة المشتريات في أسهم الشركات البريطانية. ومع ذلك، فإنّ الإيرادات التي يتمّ جمعها من خلال هذه الضريبة لم تعالج نمو أرباح الشركات المالية وهيمنة القطاع على السياسة، أو تركز تراكم رأس المال والثروة أو تقليل اللا مساواة بأية طريقة ممكنة. سيكون لفرض ضريبة شاملة جديدة على المعاملات المالية عبر جميع فئات الأصول المتداولة أهمية عالمية، لكنّها ستخضع لضغوط كبيرة.
لكنّ المشكلة ليس في الضرائب والتهرب الضريبي فقط رغم كونها مشكلة كبرى، بل في كون النظام الاقتصادي مصمماً ليتجه نحو الأمولة بهدف تحقيق الربح الأقصى. رأس المال يستثمر في المضاربة على أسعار أسهمه من أجل تعظيم كسب أصحاب الأسهم، وهو غير قادر على تمويل أي عمل منتج في أيّ قطاع. لهذا يبقى يضخّ الأموال في الآلة العسكرية لإشعال الفوضى والقمع لإدامة هيمنته والقضاء على الأمل بالتغيير. طالما أنّ الرأسمالية قائمة، سنشهد المزيد من الحروب والقمع والإبادة، فوجودهما حتمي.

بتصرّف عن:
www.redpepper.org.uk

معلومات إضافية

العدد رقم:
1087
آخر تعديل على الإثنين, 12 أيلول/سبتمبر 2022 12:53