ما سرقه الشمال العالمي يكفي للقضاء على الفقر 15 مرة
لطالما جادل منظرو التبعية والأنظمة العالمية بأنّ «التبادل غير المتكافئ» هو محرّك رئيسي لعدم المساواة العالمية. بما أنّ أسعار الأجور والموارد الطبيعية أدنى بكثير في الجنوب العالمي منها في الشمال، يجب على البلدان الفقيرة أن تصدّر عدداً أكبر من وحدات العمل والموارد من التي تستوردها من أجل تحقيق توازن نقدي في التجارة. يخلق هذا انتقالاً مستمراً للعمالة والبيئة من الأطراف إلى المركز، ما يؤدي إلى تنمية المركز وإفقار الأطراف.
ترجمة: قاسيون
حاولنا من خلال إجراء بحث أن نحدد القيمة التي تمّ الاستيلاء عليها من الجنوب العالمي منذ عام 1960 من خلال التبادل اللا متكافئ، باستخدام معدلات تبادل القدرة الشرائية التي أنشأها البنك الدولي من أجل تقييم صادرات الجنوب بمستوى أسعار الشمال. وعبر طرح سعر السوق الفعلي الذي حصل عليه الجنوب مقابل صادراته من هذا الرقم، يمكننا قياس السلع التي استحوذت عليها الدول الإمبريالية.
وجدنا أنّه بحلول عام 2017، خسرت الاقتصادات الصاعدة والنامية– وفقاً لتعريف البنك الدولي– ما قيمته 2.2 ترليوني دولار من البضائع لصالح «الاقتصادات المتقدمة». يمثّل هذا الرقم خسارة وفوات منفعة على الجنوب العالمي. كان من الممكن أن تستخدم هذه الموارد للقضاء على الفقر المدقع 15 مرة، ولكن بدلاً من ذلك تمّ نقلها دون مقابل إلى المركز. زادت هذه الأرباح الهائلة من المنافع التي جناها المركز الإمبريالي. كمثال: في عام 2017 كسبت الولايات المتحدة 2634 دولار للشخص من خلال التبادل اللا متكافئ، بينما تلقى المواطن الأسترالي العادي 3116 دولار من الجنوب العالمي. منذ التسعينيات، كانت مكاسب الشمال السنوية من التبادل اللا متكافئ قد بلغت 5,2٪ من ناتجه المحلي الإجمالي، أي أكثر بكثير من معدل النمو السنوي للشمال. بكلمات أخرى: لولا الاستغلال الإمبريالي، لكان الدخل الإجمالي في الشمال في حالة انخفاض لعقود. المستويات المذهلة من الاستهلاك المادي الذي تمتع به الشمال قد بُني على حساب استغلال وفقر الأطراف.
منذ 1960 يبلغ كليّ القيمة التي خسرها الجنوب لصالح الشمال 62 ترليون دولار، بما يساوي 97٪ من كامل الناتج المحلي الإجمالي لدول الجنوب العالمي. لو كانت هذه القيمة الزائدة متاحة للجنوب لتمّ إعادة استثمارها في التنمية الاقتصادية المحلية. إذا افترضنا بأنّ هذه القيمة الزائدة قد نمت بالمعدل نفسه الذي نما فيه الناتج المحلي الإجمالي للجنوب العالمي، لكانت اليوم معادلة لـ 152 ترليون دولار.
كما تشير نتائجنا إلى أنّ هذه العلاقة الاستغلالية قد ساءت على مرّ الزمن. خلال الستينات، خسر الجنوب العالمي قرابة 38 مليار دولار سنوياً، أي أكثر من 1٪ من كلي المخرجات في الجنوب. لكن في 2005 وصل الاستيلاء إلى قرابة 3 تريليونات دولار، أي 9٪ من مخرجات الجنوب.
هذه الزيادة في حجم نقل القيمة كان سببها الهجوم الإمبريالي المنسق على العالم الثالث. فمن جهة تدخلت دول الشمال العالمي لقمع الأجور والأسعار في الجنوب. خلال الستينيات والسبعينيات، أطاحت القوى الغربية بعنف بالحكومات المستقلة، وشكّلت دكتاتوريات عسكرية سحقت العمال المنظمين، كما حدث في الكونغو وإندونيسيا وتشيلي. بالمثل، خلال الثمانينيات والتسعينيات، أجبر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي- التابعان لسيطرة دول الشمال العالمي- دول الجنوب العالمي على إلغاء تنظيم أسواق العمل، وتقليص فرص العمل في القطاع العام. في الوقت نفسه سعت دول الشمال العالمي إلى الحفاظ على القوة الاحتكارية لشركاتها، وعزل أسعارها المرتفعة عن المنافسة. ضغط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية على الجنوب لإلغاء التعريفات الجمركية، ما أدّى لتدمير القطاع الصناعي الذي يسيطر عليه السكان المحليون. أعطى هذا رأس المال الاحتكاري الشمالي سيطرة ساحقة على السوق الدولية وشروط التبادل التجاري.
منذ عام 2005 انخفض حجم نقل القيمة بشكل أو بآخر. لكنّ هذا التغيّر جاء بأكمله تقريباً بسبب تغيّر موقف الصين وموقعها، وهي من الدول القليلة التي قاومت إعادة الهيكلة، والتي استمرت بحماية صناعاتها المحلية. بالنسبة لبقية دول الجنوب العالمي، استمرّ النهب الاستعماري الجديد بمستويات غير مسبوقة تاريخياً.
من النقد الشائع لنظرية التبادل غير المتكافئ أنّ فروق الأسعار العالمية تعكس الاختلافات في الإنتاجية، فوفقاً لذلك فعمال الجنوب العالمي أقلّ كفاءة من عمّال الشمال العالمي، ولهذا فأجورهم المنخفضة لا توفر تدفقاً للقيمة إلى الشمال. لكن في الواقع ليس هناك دليل بأنّ الجنوب أقلّ إنتاجية من الشمال، عندما يتعلق الأمر بالإنتاج لصالح التجارة الدولية. تمّ تجهيز قطاع التصدير في الجنوب بتكنولوجيا متطورة وحديثة للغاية يوفرها رأس المال الأجنبي. بالمثل، يخضع العمال الجنوبيون إلى القمع ووسائل السيطرة المتوحشة غير القانونية في الشمال. في الحقيقة وجدت إحدى الدراسات حول مناطق معالجة الصادرات في المكسيك– وهي من دول الجنوب العالمي– أنّ عمال المعادن والإلكترونيات والخيّاطات المكسيكيات ينتجون إنتاجاً أكبر بنسبة 10– 40٪ في ساعة واحدة بالمقارنة مع نظرائهم الأمريكيين. على الرغم من ميزة الإنتاجية هذه، نجد أنّ المكسيك خسرت 1619 دولار للفرد من خلال التقليل من قيمة صادراتها في عام 2017. لا تعكس الأجور والأسعار المنخفضة في قطاع التصدير في المكسيك انخفاض الإنتاجية، بل تعكس اختلالات السطوة الإمبريالية في النظام العالمي الرأسمالي.
تشير هذه النتائج إلى أنّ الدول الغنية مستمرة في الاعتماد على استغلال الأراضي والمؤسسات في الجنوب العالمي، في سبيل الحفاظ على مستويات نموها واستهلاكها المرتفع. إذا أردنا القضاء على الفقر وضمان حصول جميع الناس على الموارد التي يحتاجونها بشكل جيد، يجب علينا تغيير هيكل الاقتصاد العالمي. يمكن أن تكون الخطوة الأولى الهامة هي تحقيق دخل أساسي عالمي شامل لا ينقص عن 5 دولارات في اليوم. من شأن هذا أن يقضي على الفقر المدقع على الفور، وأن يقلل اعتماد الجنوب العالمي على أسواق التصدير التي يهيمن عليها الشمال العالمي. كما توضح نتائج بحثنا، فهذا النوع من التحوّل مستحق وليس عملاً خيرياً، بل كتعويض عن تريليونات الدولارات التي تمّ نهبها من الجنوب العالمي منذ 1960.
بتصرّف عن:
www.ppesydney.net
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1088