لم يتبق من الإنفاق الحكومي على التعليم سوى الربع فقط!
كغيره من ميدان النشاط السوري، شهد قطاع التعليم بجانبيه - التربية والتعليم العالي- تدهوراً متسارعاً على امتداد سنوات الأزمة. وبعيداً عن الشعارات المناسباتية حول أهمية القطاع التربوي في البلاد، تفصح الأرقام عن تراجع كارثي على جميع مستويات قطاع التعليم، بما في ذلك الإنفاق الحكومي على هذا القطاع الذي أخذ يتضيّق ويتقلص على نحو سريع حتى وصلنا إلى مرحلة لم يصل فيها الإنفاق الحكومي (التقديري) على قطاع التعليم في عام 2021 إلى ربع ما كان كان عليه في عام 2010.
خلال العام الماضي، واصل وضع قطاع التعليم تراجعه بشكلٍ استثنائي، وذلك نتيجة عوامل عديدة، أهمها الوضع الاقتصادي، الذي دفع أعداداً كبيرة من الأطفال قسراً إلى عدم الالتحاق بالمدارس والنزول إلى سوق العمل لتغطية الفارق الهائل بين الأجور والحد الأدنى لتكاليف معيشة الأسرة في البلاد.
المحافظات الأكثر تضرراً
في هذا الصدد، تكشف بيانات الأمم المتحدة أن 18% من الأطفال السوريين غير ملتحقين بالمدارس، وأن نصف الأطفال غير الملتحقين بالمدارس لم يسبق لهم أن دخلوا إليها في حياتهم أبداً.
وبالأرقام، بلغت معدلات الأطفال غير الملتحقين بالمدارس نسبة كبيرة في الرقة (35%)، والحسكة (30%)، وإدلب (28%)، وحلب (26%)، ودير الزور (25%). وأشار أكثر من ربع الأسر التي لديها أطفال في سن الدراسة إلى أن أطفالهم غير ملتحقين بالمدارس لأنه لا توجد مدرسة يمكن أن يرسلوا أطفالهم إليها.
مفارقات التعليم الرسمي
وفقاً لتقديرات منظمات الأمم المتحدة، فإن نظام التعليم الرسمي في البلاد غير قادر على استيعاب جميع الأطفال ممن هم في سن الدراسة والاحتفاظ بهم. حيث يستمر العديد من الطلاب في التعلم في بيئات تعليمية غير مواتية أو غير آمنة. حيث يوجد وسطياً صف دراسي واحد لكل 54 طفلاً في سن الدراسة، غير أن النسب مثيرة للدهشة في بعض المحافظات، مثل إدلب (صف دراسي لكل 178 طالب) ودمشق (صف دراسي لكل 101 طالب) وريف دمشق (صف دراسي لكل 94 طالب).
ومن أجل «حل» هذه المشكلة، تعمل بعض المحافظات من خلال نظام مناوبات تدريسية، صباحية ومسائية، وفي بعض مناطق إدلب على سبيل المثال يجري ثلاث أو أربع نظام مناوبات في اليوم، للتغلب على الاكتظاظ.
ولا يزال العديد من الأطفال الملتحقين بالمدارس يعانون من تقليل وقت التعلم الضروري واللازم لهم وذلك بسبب نظام المناوبات المتعددة السائد، بالإضافة إلى فترات تعليق الدراسة بسبب استمرار انتشار فيروس كوفيد-19 في بعض المناطق.
فضلاً عن ذلك، يعاني الأطفال من المسافات البعيدة بين منازلهم ومدارسهم، والمحافظات التي لديها أعلى معدلات تنقل للطلاب (أكثر من 20 دقيقة بين المنزل والمدرسة) هي: دمشق وريف دمشق (49%)، ودير الزور (38%)، وإدلب (27%).
أرقام الإنفاق الحكومي: التراجع يتلوه تراجع
خصصت الحكومة في موازنتها العامة للعام 2021 إنفاقاً تقديرياً على خدمات التربية والتعليم بلغ ما يقارب 516 مليار ليرة سورية، وكما جرت العادة، فإن أرقام الإنفاق التقديرية التي لا تنفك الحكومة تتحدث عن ارتفاعها بالليرة السورية لا تلبث أن يتبيّن مقدار تضاؤلها بمجرد حسابها بالدولار، فمن ينظر إلى أرقام الإنفاق التقديري التي «ارتفعت» من 85,6 مليار ليرة سورية في عام 2010، إلى 150,6 مليار ليرة في عام 2015، ثم إلى 516 مليار ليرة في موازنة العام 2021، يسهل أن يخرج باستنتاج أن الإنفاق التقديري قد ارتفع فعلياً، لكن الأرقام ذاتها انخفضت بشكل متسارع من 1,7 مليار دولار في 2010، إلى 669 مليون دولار في 2015، وصولاً إلى مجرد 411 مليون دولار في عام 2021 وذلك وفقاً لسعر صرف الدولار لدى مصرف سورية المركزي.
وبهذا المعنى، يمكن الاستنتاج أن حصة التربية والتعليم العالي من الإنفاق التقديري للحكومة في عام 2021 لا تتجاوز 24% من الحصة ذاتها في موازنة العام 2010. بكلام آخر، فإن أكثر من ثلاثة أرباع الإنفاق الحكومي على التربية والتعليم (75.9%) قد تم سحبه خلال 11 عاماً.
6% فقط: حصة التربية والتعليم من الموازنة
تشكل موازنة التعليم بشقيها التربية والتعليم العالي نسبة لا تتعدى 6% فقط من موازنة العام 2021. وهي نسبة استثنائية إذا ما قارناها مع السنوات السابقة، حيث مثّلت 9.6% من موازنة العام 2015، و11.3% من موازنة العام 2010.
وتعدُّ هذه النسبة استثنائية أيضاً ليس بالمقارنة مع السنوات السابقة فحسب، بل وكذلك إذا ما نظرنا إلى الوسطي العالمي الذي يشير إلى أن الحكومات حول العالم تخصَّص وسطياً نسبة تقارب 14% من موازناتها للإنفاق على قطاع تربية والتعليم.
6.6 مليون طفل سوري بحاجة مساعدة
تقدّر أرقام الأمم المتحدة أن ما يقارب 6.6 مليون طفل سوري يحتاجون إلى مساعدة على صعيد التعليم، ويبلغ عدد الإناث منهم 3.1 مليون (47%)، بينما يصل عدد الذكور إلى 3.5 مليون طفل (53%).
ومن بين الـ6.6 مليون طفل سوري الذين يحتاجون إلى مساعدة تعليمية، تؤكد الأمم المتحدة أن 54% منهم حاجتهم شديدة، و%42 منهم حاجتهم شديدة بشكلٍ حاد، بينما تعتبر حالة 4% منهم كارثية.
من 25 إلى 3 دولارات للطفل شهرياً
وفق موازنة العام 2021، سيبلغ الإنفاق التقديري على قطاع التربية قرابة 298 مليار ليرة سورية (298,857,040,000)، بينما يصل عدد الأطفال السوريين الذين تتراوح أعمارهم بين 5-18 حوالي 6.4 مليون طفل.
ما يعني أن حصة الطفل السوري من موازنة التربية تبلغ 46,696 ليرة سورية سنوياً، أي ما يقارب 3,891 ليرة شهرياً، أي 3 دولارات شهرياً، وهو ما يمثّل هبوطاً حاداً، حيث كانت حصة الطفل في موازنة عام 2019 ما يقارب 10 دولارات شهرياً، والتي شكلت في حينه هبوطاً أيضاً عن الحصة ذاتها في موازنة العام 2010 حيث بلغت 25 دولار شهرياً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1062