روسيا واليابان: العلاقات الاقتصادية في مواجهة الأمريكيين
 بيتر كونوفالوف  -   ترجمة: قاسيون بيتر كونوفالوف - ترجمة: قاسيون

روسيا واليابان: العلاقات الاقتصادية في مواجهة الأمريكيين

تحاول الولايات المتحدة منع اليابان وروسيا من تعزيز العلاقات بينهما، مهما كان هذا الأمر مفيداً للبلدين ولشعبيهما، ومهما كانت الأساسات- التي تمّ بناؤها حتّى الآن- مناسبة لهذا التعزيز. يمكن تلمّس آخر هذه المحاولات في فيديو نشره السفير الأمريكي لدى اليابان رام إيمانويل، قال فيه: «الولايات المتحدة تدعم اليابان ... وقد اعترفت بسيادة اليابان على الجزر الأربع المتنازع عليها منذ الخمسينيات».

لا يهدف التصريح بالتأكيد لمساعدة اليابان في إيجاد حلّ مع روسيا لتطبيع العلاقات فيما يخصّ جزر الكوريل، لكنّه يسعى بلا شك لتغذية المشاعر المعادية لروسيا في المجتمع الياباني. لكن لا يمكن القول بأنّ المجتمع الياباني يدعم بالكامل موقف واشنطن: اقترح أحد المعلقين على الفيديو بشكل ساخر: وضع قواعد أمريكية في هوكايدو لحماية المصالح الوطنية بشكل أفضل. وتساءل آخر عمّا إن كان يجب إلقاء اللوم على الأمريكيين في قصّة عودة الجزيرتين أيام خروتشوف، وطرح ثالث سؤالاً معقولاً: «ماذا قال المشاركون في مؤتمر يالطا؟ ألم تكن الولايات المتحدة موافقة على العمل السوفييتي؟». وأشار معلّق آخر إلى أنّ أوكيناوا أعيدت إلى اليابان قبل ٥٠ عاماً في عام ١٩٧٢، لكن لا تزال هناك مشكلة أمنية يابانية- أمريكية أساسية هناك، ناهيك عن اتفاقية الوضع بينهما هناك.
هناك تصوّر منطقي في اليابان بأنّ الولايات المتحدة هي التي خلقت مشكلة «الأقاليم الشمالية» مع الاتحاد السوفييتي. تمّ أيضاً تذكير السفير بالهجمات النووية الأمريكية على هيروشيما وناغازاكي، وكذلك بالعمليات العسكرية في الشرق الأوسط.

تمهّلٌ ياباني ولكن...

على الرغم من دعوة واشنطن المكثّفة لطوكيو لفرض عقوبات على روسيا، والتي تطرّق إليها السفير الأمريكي رام إيمانويل في رسالته المسجّلة، لكن القيادة اليابانية ليست في عجلة من أمرها لصياغة قوانين محليّة من شأنها السماح بفرض عقوبات اقتصادية دولية على أساس «انتهاكات حقوق الإنسان».
بهذه المناسبة، قال السفير الروسي لدى اليابان ميخائيل غالوزين في مقابلة في ١٠ شباط/فبراير ٢٠٢٢: «... أمّا فيما يتعلّق باحتمال مشاركة هذا البلد أو ذاك في العقوبات ضدّ روسيا، التي تسوّق لها واشنطن والأنكلو- ساكسون من جديد، فهي بالطبع لن تساعد علاقات بلدنا مع الدول التي تنضمّ إلى هذه العقوبات. أنا مضطرّ لشرح ذلك لزملائي اليابانيين، وأكرر التأكيد على أنّ الانضمام إلى العقوبات لن يساعد في خلق مناخ ملائم للحوار السياسي الروسي الياباني».
إنّ عدم وجود إطار قانوني للعقوبات الاقتصادية الدولية في اليابان، يساعدها ليس فقط على الحفاظ على العلاقات مع روسيا، بل أيضاً مع جار نووي آخر وشريك تجاري رئيسي في المنطقة: الصين، حيث تسعى واشنطن جاهدة لدفع اليابان لفرض العقوبات عليها بمزاعم «خرق حقوق الإنسان» في إقليم شينغيانغ ذا الحكم الذاتي وأغلبيّة اليوغور.
بالنسبة للعلاقات التجارية التي تربط اليابان بروسيا، فاليابان على سبيل المثال هي المشتري الرئيسي للغاز الطبيعي المسال من مشروع سخالين-٢، حيث تمتلك حصّة ٢٢.٥٪ من الشركة المشغلة: سخالين إنرجي. كما أنّ المفاوضات جارية الآن لخلق فرص «للتعاون التجاري متبادل المنفعة في جزر الكوريل، بما في ذلك الجزء الجنوبي، ضمن سياق مبادرة رئيسية من القيادة الروسية لإطلاق نظام جمركي وضريبي تفضيلي في المنطقة».
لكن طالما أنّ طوكيو تصيغ السمع لواشنطن، فمن غير المحتمل حدوث تطورات إيجابية في الحوار الدبلوماسي الياباني الروسي، الذي يهدف من بين أمور أخرى إلى إيجاد طريقة لتوقيع اتفاقية سلام بين البلدين. لسوء الحظ، فالمعلومات المنشورة باللغة الروسية على الموقع الرسمي لمكتب اليابان من أجل تخطيط السياسات والتنسيق بشأن الإقليم والسيادة، لا تترك مجالاً كبيراً للتفاؤل في الوصول إلى حلّ سريع: «الأقاليم الشمالية التي تتكوّن من إيتورب وجزيرة كوناشير وجزيرة شيكوتان وجزر هابوماي، تمّ تناقلها من جيلٍ من اليابانيين إلى آخر، وهي أراضي أسلاف اليابان، ولم تكن أبداً أراضي دولة أخرى».
قال السفير الروسي ميخائيل غالوزين: «لا تملك اليابان أيّة حقوق حصرية، ولن يكون لها ذلك في تلك الأراضي. من يريد تنفيذ أيّ نشاط اقتصادي في جزر الكوريل، بما في ذلك الجزء الجنوبي منها، فعليه فعل ذلك بشكل صارم وفقاً للشروط العامة وفي إطار القانون الروسي فقط». لم يناسب الجانب الياباني هذا البيان، ما تسبب في توقّف قضيّة إنشاء منطقة اقتصادية خاصة في الكوريل الجنوبي.

جانب مشرق شديد الواقعية

لكن هناك جانبٌ مشرق للعلاقات اليابانية الروسية: في ظلّ وجود شينزو آبي في منصب رئاسة الوزراء، تمّ إعطاء دفعة جديدة للتبادلات الإنسانية الثنائية في مجالات التعليم وتوظيف الخريجين، بما في ذلك من خلال تنفيذ خطّة من ثماني نقاط للتعاون الاقتصادي بين روسيا واليابان، والتي اقترحها آبي على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع القمّة. تمّ كجزء من هذه الخطّة في عام ٢٠١٧ إنشاء منصّة «تنمية الموارد البشرية HaRP»، وهي منصّة للتعاون الاقتصادي في تنمية الموارد البشرية وتبادل الموظفين بين اليابان وروسيا.
تمّ كذلك تكثيف العلاقات الجامعية: جامعات هوكايدو ونيغاتا وتوكاي عن الجانب الياباني، لتعمل بشكل نشط على توقيع شراكات واتفاقات مع خمس جامعات روسيّة رئيسية. في الوقت ذاته، حصل مشروع «تبادل الشباب الياباني الروسي» الذي تديره وزارة التعليم والعلوم الروسية منذ ١٩٩٩، على زخم جديد. في ٢٠١٨ بدأت «رابطة مؤسسات التعليم العالي الروسية اليابانية» التي تمّ إنشائها في ٢٠١٦، بالعمل مع مؤسسات تعليم عالٍ روسية ويابانية، وصل عددها في ٢٠٢١ إلى ما مجموعه ٦٣ مؤسسة.
في السنوات الأخيرة اهتمّت الشركات اليابانية بتوظيف الخريجين الروس، وخاصة في مجال تكنولوجيا المعلومات. وبفضل رقمنة الاقتصاد، بإمكان هؤلاء العمل من المنزل دون الحاجة لمغادرة الاتحاد الروسي. يزداد الطلب على خريجي مؤسسات التعليم العالي الروسية من قبل أرباب العمل اليابانيين، وذلك بعد تلقي دورات اللغة اليابانية التي يقدمها الجانب الياباني عبر اتفاقيات مع مؤسسات التعليم العالي الروسية. كانت جامعتا قازان الفيدرالية وجامعة أستراخان العامة هي الأكثر مشاركة في هذه العملية. تعود فرص العمل التي تقدّمها الشركات اليابانية عن بعد للمتخصصين الروس- من وجهة نظر اقتصادية- على كلّ من روسيا واليابان بالنفع.
كما أنّ هذا الأمر يسهم في تغيير الصورة النمطية عن الروس «أشرار عدائيون وكسولون» في أعين اليابانيين، الصورة التي تستمرّ الأفلام الغربية بتقديمها بشكل مكثّف. يفسح هذا المجال بشكل تدريجي كي يدرك اليابانيون بأنّ الروس يشبهونهم إلى حدّ كبير في مسائل مثل: «الجديّة في العمل، والتواضع، والقدرة العالية على التعلّم»، وذلك وفقاً لدراسة مستفيضة أجرتها منظمة التجارة الخارجية اليابانية JETRO في عام ٢٠٢١.
يمكن لهذه الأمور والمصالح المتنامية أن تقرّب البلدين ثقافياً، ما يعود بالنفع اقتصادياً عليهما. لهذا من المؤمّل أن يجد التعقيد في العلاقات بين البلدين- الذي يحاول الأمريكيون تغذيته– حلولاً إيجابية في المستقبل، الأمر المرجح تبعاً للواقعية اليابانية، وتغيّر المشهد العالمي ليلائم قدرتهم على التخلّص من سيطرة الأمريكيين المستمرة منذ الحرب العالمية الثانية.

بتصرّف عن:
Russia and Japan: a Difficult Balance in a Challenging Environment

معلومات إضافية

العدد رقم:
1062
آخر تعديل على الأربعاء, 23 آذار/مارس 2022 12:22