(إسرائيل) محاصرة بارتباطاتها الاقتصادية وفشلها العسكري
المساعدات الدولية المنظمة لدولة الكيان متعددة الأبعاد والأشكال، ويصعب حصرها جميعاً... ولكن الارتباط عميق بين استمرارية مستويات الدخل المرتفعة وبين هذه التدفقات: من المساعدات الخيرية إلى المساعدات الحكومية والعسكرية، وصولاً إلى المرحلة الأخيرة التي أصبح فيها تدفق الاستثمار الأجنبي وتمويل الشركات عنصراً أساسياً وهاماً. والكيان مرهون باستقراره الاقتصادي بشكل عميق لمنظومة المال الأمريكية.
أمريكا شريان (إسرائيل)
يقدّر الاقتصاديون «الإسرائيليون» بأنّه عقب الأزمة الاقتصادية الدولية في عام 1973 والتي تجلّت في «إسرائيل» بحدّة فإن شريان المساعدات المتدفق من أمريكا الشمالية والولايات المتحدة تحديداً أصبح يساهم بنسبة: 10-16% من النمو السنوي لدولة الكيان. حيث انتقل وسطي دخل الفرد من 6000 دولار سنوياً في 1980 وصولاً إلى 42 ألف دولار سنوياً اليوم.
الحكومة الأمريكية التي تغذي دولة الكيان عسكرياً، هي أيضاً الوسيلة الأساسية لجمع التبرعات الدولية لها. ومنذ عام 1973 أيضاً أصبحت عملية جمع التبرعات السنوية لـ «إسرائيل» في الولايات المتحدة عملية منظمة، إذ تجمع وزارة الهجرة واللاجئين الأمريكية التبرعات وتعطيها (للوكالة اليهودية من أجل إسرائيل) باعتبارها أموالاً مخصصة لإعادة توطين اليهود في الكيان. كما أن لدى الولايات المتحدة مخصصات إقراض متاحة لدول محددة بقيمة سنوية تقارب 9 مليارات دولار، حصة «إسرائيل» منها تفوق الثلث وتقارب: 3,8 مليارات دولار لا تقترضها دولة الكيان بالضرورة، ولكنها تمويل سهل متاح.
المساعدات الحكومية الأمريكية تتركز في المساعدات الاقتصادية والعسكرية، وبالمجمل بلغت بين عامي 1946-2020 ما يقارب بالمجمل: 243 مليار دولار وفق الأسعار الثابتة لعام 2018. تتوزع بين 76% مساعدات عسكرية، 24% مساعدات اقتصادية بالتصنيفات العامة لها.
ومجمل هذا التمويل الكبير المقارب لـ 3 مليار دولار كوسطي سنوي خلال 75 عاماً... لا يشكّل إلّا نسبة 12% من التقديرات «الإسرائيلية» لحجم الأصول المالية التي تملكها الأسر اليهودية عبر العالم والبالغة 2 تريليون دولار في 2020.
التقدم التكنولوجي وليد العسكرة وتدفقات المال
القاعدة العسكرية المتقدمة في الكيان الممولة من منظومة الدولار هي انعكاس أيضاً للمنظومة العسكرية الأمريكية، مع ما يحمله هذا من تقدم تكنولوجي. فالكيان تحوّل إلى منصة متقدمة للصناعات عالية التكنولوجيا والخدمات المالية المرتبطة بها... هذا التطور الذي يسميه البعض (بالمعجزة الاقتصادية) هو وليد الصناعات العسكرية بالدرجة الأولى، وقد تمّت تغذيته لاحقاً أيضاً من الخارج، ولكن عبر التدفقات الاستثمارية الأجنبية المباشرة إلى دولة الكيان.
خلال عشر سنوات ماضية تدفق إلى دولة الكيان: 139 مليار دولار استثمار أجنبي مباشر وما يعادل: 60% تقريباً من قيمة المساعدات الحكومية الأمريكية منذ تأسيس الكيان! وهو انعطاف هام في وزن التمويل ومصادره لا بدّ أن ينعكس في سياسات وإستراتيجيات الكيان...
إن هذا الوزن الاستثماري الأجنبي في (إسرائيل) ينجذب إلى المقدرات التكنولوجية العالية التي تعتبر تل أبيب مركزها. وتنبغي الإشارة إلى أن 16% من هذا الاستثمار هو فروع لشركات أمريكية كبرى: غوغل، مايكروسوفت، إنتل، وبالعموم فإن 22% من رأس المال الثابت للشركات في الكيان هو ملكية أجنبية... ما يجعل خمس القاعدة التكنولوجية غير خاضعة للاعتبارات (الإسرائيلية) بالبقاء داخل الكيان مع ازدياد المخاطر والصعوبات الأمنية، ومرهونة لتقديرات دولية حول المخاطر والأرباح. الأمر الذي انعكس بوتيرة مستمرة خلال السنوات الماضية، وما يحصل الآن...
ففي معارك 2009- 2014 تراجعت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الكيان بنسبة: 55% - 51% على التوالي. بينما تراجعت التدفقات في 2019: 15% دون أية معارك بل بفعل بوادر الأزمة الدولية، والتراجع في التدفقات الاستثمارية الدولية الذي ازداد حدّة في أزمة عام 2020 حيث تقديرات اليونكتاد لتراجع التدفقات الاستثمارية المباشرة عبر العالم بنسبة 42%، وهو ما طالت تأثيراته دولة الكيان كغيرها. ولن يستطيع كيان عدواني عسكري أن يتحول إلى مركز مالي، فهو حتى إن غيّر طابعه العدواني فإنّه قد تأخّر! لأن المراكز المالية العالمية تهتز تحت وطأة الأزمة العميقة لمنظومة الدولار بمجملها، ولن يكون لمركز جديد فرصة في ظرف كهذا تحديداً في الشرق الأوسط... الذي سيبقى يشتعل حتى ينهض على أسس مختلفة جذرياً.
لدى دولة الكيان قاعدة صناعية وتكنولوجية متقدمة، ولكن هذه القاعدة ليست عماد ترفّهٍ ومستوى الدخل المرتفع به... بل إنّه يتغذى بشريان متدفق من المساعدات الأمريكية التي أضيفت إليها التدفقات الاستثمارية الأجنبية خلال العقدين الأخيرين. وهو بهذا وذاك عميق الارتباط بمنظومة الحكم المالي الدولية.
فالمساعدات العسكرية الأمريكية هي رهن القدرة الأمريكية على استمرار التمويل، والأهم من ذلك، هي مرهونة بالفائدة الإستراتيجية من هذا التمويل. فإذا ما نجح الكيان في أداء وظيفته العسكرية والسياسية كأداة توتير فإن الدفاع عنه يبقى ذا جدوى بالنسبة للحكم الأمريكي، وحتى للصهيونية العالمية. أما إذا فشل كما يحصل الآن وتحوّلت هزائمه السياسية والعسكرية إلى فشل أمريكي فإن الإنفاق عليه سيتماوت مع الوقت. وكذلك تدفقات المال العالمي للاستثمار في الكيان هي رهن أدائه السياسي والعسكري، فدولة هشّة كهذه تقبع على بركان من الغضب، لا يمكن أن تحوّل نفسها إلى مركز مالي واستثماري لإنتاج التكنولوجيا. فها هي القبّة الحديدية قمّة الصناعة التكنولوجية العسكرية المشتركة مع الولايات المتحدة تفشل في حماية تل أبيب (واحة المال والتكنولوجيا الموعودة)، إذ لم تستطع الـ 1,6 مليار دولار الأمريكية المنفقة على منظومة الدفاع الصاروخية (الحديدية) أن تمنع وصول صواريخ المقاومة ذات الـ 300 دولار تكلفة مباشرة، والمشبعة بأثمن ما يمتلكه البشر: دماء طاهرة من أجل الكرامة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1018