«إسرائيل» محاصرة ديمغرافياً مشروع الكيان مهدد بأداته البشرية
فتحت المقاومة المعركة من غزّة، وانطلقت الصواريخ كامتداد للمقاومة الشعبية في القدس والضفة، ثم لتحيا من جديد مدن الداخل الفلسطيني وتتحول اللد وحيفا ويافا من صور شاعرية إلى وقائع سياسية يسطّرها شباب غاضب. غزة المحاصرة، والضفة المسوّرة بجدار عنصري والمقسمة بحواجز التفتيش، وأخيراً الأحياء العربية المعزولة في أراضي الـ 48... جميعها اليوم تحاصر الكيان، وتعطي القضية الفلسطينية كل الدلائل للعالم أنه في صراع الإمبريالية والشعوب فإن القضية الفلسطينية مفصل وانعطافة نحو قيامة الشعوب.
التركيبة السكانية هي حامل أساسي في دولة الكيان، فعندما أرادت قوى الفاشية الدولية والحركة الصهيونية من ضمنها أن تؤسس قاعدة عسكرية متقدمة في منطقة الشرق الأوسط، اجتمعت الظروف التي تجعل استخدام العقيدة اليهودية والمظلومية حاملاً إيديولوجياً أساسياً.
وكان استخدام العنف آلية مناسبة لتجميع حشد من يهود العالم وتعبئتهم بالبواخر ليكونوا أداة معركة تشكيل الكيان مع شعوب فلسطين والمنطقة. أمر يشبه إلى حد بعيد آليات الفاشية الجديدة التي عبأت الشباب اليائس على أساس إيديولوجيا (الدولة الإسلامية) لتشكل ما يعرف بـ(القاعدة وداعش).. وهذا وذاك فاشية، ولكن في عصور مختلفة من أزمة حكم المال العالمي الإجرامي.
لقد كانت التعبئة المستمرة والتطرف أداة أساسية في معركة توسع الكيان، ولكنّها الآن بالنسبة له معركة بقاء واستمرار، وهي جبهة خاسرة. فالأسس التي تمّ الحشد على أساسها تهتز بعنف، والهجرة توقفت، وبقي أن تشتد وتيرتها العكسية.
«العدد أخطر من النووي»
في عام 2018 تم تناقل تصريح رئيس الموساد السابق أفرايم هليفي الذي عبّر عن المخاوف الديمغرافية لدولة الكيان، إذ قال: «إن التهديد الوجودي بالنسبة لدولة إسرائيل ليس تهديد النووي الإيراني، وإنما اليوم الذي يكون فيه عدد اليهود في البلاد أقل من عدد العرب بين النهر والبحر». هذا ما توقعته التقارير الديمغرافية للكيان لعام 2020، وما هو واقع اليوم.
إذ أصبح عدد الفلسطينيين بين النهر والبحر أكبر من عدد المستوطنين المهاجرين من أنحاء العالم ليصبحوا مواطنين إسرائيليين، والنسبة 58% للفلسطينيين والعرب مقابل 42,5%.
وعدد الفلسطينيين ضمن الأراضي المحتلة يقارب اليوم: 8,8 ملايين فلسطيني، 1,9 مليون منهم في الأراضي المحتلة عام 48، و6,9 مليون فلسطيني بين غزة والضفة الغربية. بينما يقارب عدد المواطنين الإسرائيليين من غير العرب: 6,4 ملايين.
آخر موجات الهجرة الواسعة غير مستقرة
لم يعد الكيان قادراً على جمع موجات مهاجرين جديدة من العالم، موجات الهجرة الكبرى الأخيرة لم تكن نتائجها كسابقاتها. فالموجة الكبرى كانت بعد عام 1991 عندما هاجر مئات آلاف اليهود من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة وهؤلاء يقارب عددهم اليوم 700 ألف، وهذه الموجة الأخيرة من المستوطنين هي الأقل استقرارا،ً وهم الأكثر عودة إلى بلادهم الأصلية، كما ترتفع معدلات الهجرة للخارج بين أبنائهم، وهم أيضاً الأقل تديناً وارتباطاً إيديولوجياً بمشروع الكيان. تلتهم هجرة اليهود من أصول إفريقية، ومن إثيوبيا تحديداً الذين صنفهم المجتمع العنصري عرقياً، ووضعهم في أسفل السلم الاجتماعي، حيث دخولهم هي الأقل ومعدلات الفقر بينهم هي الأوسع.
الاستقطاب على أساس الخوف والرشوة
لم تعتمد عملية استقطاب المهاجرين إلى دولة الكيان على العقيدة الدينية إلّا شكلياً، ولكن الدور الحاسم في الاستقطاب اعتمد على ركنين أساسيين، الأول: الخوف على الحياة عبر عمليات ترهيب اليهود والاضطهاد المنظمة التي قادتها الفاشية الدولية في أوروبا تحديداً في النصف الأول من القرن العشرين: (والحركة الصهيونية هي جزء من الفاشية باعتبارها رأس المال المالي الأكثر تطرفاً). الترهيب كأداة لم يعد من الممكن استثماره، وانتقلت عملية حشد المهاجرين لتعتمد على: الحافز الاقتصادي عبر «الوعود والرشوة» العملية التي اتسعت كثيراً منذ السبعينيات. إذ تضاعف متوسط الدخل بين الثمانينيات وحالياً 7 مرات ليصبح دخل الفرد في دولة الكيان قرابة 42 ألف دولار سنوياً، وضمن أعلى المعدلات العالمية إذ يقارب المعدل في بريطانيا وكندا وألمانيا ويصل لثلثي المعدل في الولايات المتحدة.
المواطن «الإسرائيلي» المترف والممول دولياً، يمتلك الفرصة للحصول على دخول مباشر ودون فيزا إلى أكثر من 161 دولة عبر العالم، من بينها قائمة أغنى دول العالم... والكيان محاصر بترف مواطنيه ومستوى الادّخار العالي الذي يمتلكون، وسيكون من الصعب على هذا الكيان أن يجد طريقة لاستبقاء جزء هام منهم عندما تصبح الأراضي المحتلة: خطرة على حياة هؤلاء المهاجرين، أولاً. وثانياً: غير قادرة على تأمين الترف المادي السابق... أمّا عندما يجتمع الاثنان معاً: فقدان الأمان الواسع، وتراجع الترف المادي، علينا أن نتوقع أن ترتفع وتيرة الهجرة العكسية.
بالمقابل، فإن الفلسطينيين في الضفة وغزة تحديداً هم على أرضهم، ولا يملكون (ترف الهجرة) الواسعة كما في حالة مواطني الكيان... وبينما يتحكم الاحتلال بعملية إصدار الأوراق الرسمية لمواطني الضفة وغزة عبر (دولة السلطة) فإن الصعوبات والتقييدات الدولية واسعة على حملة جواز السفر الفلسطيني، أما الفلسطينيون في غزة فمحاصرون لا يملكون الخروج من مدينتهم الصغيرة، تلك التي تبدو كأنها لا حدود لقدراتها.
لا خيارات واسعة أمام 6,9 ملايين فلسطيني بين الضفة وغزة، حيث متوسط الدخل للفرد ضمن الأقل عالمياً: 1925 دولار سنوياً في الضفة، وفي غزة 876$، وأكثر من 87% تحت خط الفقر. وليس للفلسطيين منظومة رشوة دولية (باستثناء ما لسلطتهم التي تنازع اليوم)، كما ليست لديهم خيارات واسعة لترك بلادهم، وخيارهم الوحيد هو المقاومة، التي تهزّ أسس الكيان، وستؤدي في آجال غير بعيدة إلى (تطفيش) شرائح واسعة من مهاجريه المستوطنين ليعودوا من حيث أتوا، أو ليذهبوا إلى حيث تفتح لهم الأبواب.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1018