«عقد ضائع» وقائع من أوضاع الشباب السوري وخسائر المستقبل
عشر سنوات مرّت على أزمتنا السورية... عقد كامل لن تنتهي آثاره بعقدٍ لاحقٍ حتى لو انتهت الحرب وتوقفت الخسائر اليوم! عداد الخسائر الاقتصادية مستمر، أما الخسائر الاجتماعية فرغم قياسها الصعب إلّا أنّ بعض مؤشراتها تقول: إن الخسارات الأكبر في الآثار الاجتماعية الواسعة التي ستسمر لتظهر في المستقبل. وبينما واقع الشباب والأطفال اليوم صعب وقاتم، فإن أعباءهم المستقبلية ستكون أكبر ليدفعوا الثمن مرتين!
قاسيون تستطلع أبرز ما جاء في تقريرين دوليين يعتمدان على جمع البيانات من السوريين مباشرة حول وقائع حياتهم اليومية، الأول: يركز على الشباب أجرته منظمة الصليب الأحمر ومركز أبحاث سويسري IPSOS بعنوان: YOUNG SYRIANS PROJECT REPORT.
بينما التقرير الثاني: لـ WORLD VISION يركز على الأطفال والآثار الاقتصادية المستقبلية لخسائر الصحة والتعليم:
TOO HIGH A PRICE TO PAY: The Cost of Conflict for Syria’s children
واقع الشباب اليوم بين سوريا ولبنان وألمانيا
يركّز تقرير الصليب الأحمر على الشباب السوري بين 18-25 سنة، والتقرير الصادر بتاريخ 24/2/2021. يعتمد على مقابلات واسعة شملت عينات من شباب داخل سورية بما يقارب 800 مستجيب، بعينة متوزعة على المحافظات وعلى الجنس، وتستبعد محافظات إدلب والرقة ودير الزور والقنيطرة. إضافة إلى 400 مقابلة مع اللاجئين في لبنان، و200 مقابلة مع لاجئين سوريين في ألمانيا. حيث جرى الاستبيان خلال الفترة بين نهاية 2020 وبداية 2021.
يمكن القول من المعالم العامة للمعلومات التي أعطاها الشباب عن واقعهم، بأن الشباب السوري أينما كان ليس بحال جيد... ولكن بطبيعة الحال يختلف مستوى حدّة الأزمات ونوعها. وعموماً اللاجئ السوري في الإقليم وفي لبنان تحديداً هو في الوضع الأسوأ، بينما في ألمانيا يعتبر وضعه من حيث الأساسيات أفضل بالتأكيد، رغم أن له مشاكله المختلفة، بينما يسجّل الوضع في سورية مستوى سيئاً في جوانب ولكن الملفت أنّه أفضل نسبياً في جوانب أخرى.
من فقد عزيزاً وداراً؟
أينما يممت وجهك فإن النسبة متقاربة، فبين الشباب السوري في سورية ولبنان وألمانيا فإن نسبة كبيرة تعرضت لآثار مباشرة جرّاء العنف في الحرب الدائرة في البلاد. 47% من السوريين في سورية فقدوا عزيزاً وقريباً مباشراً على الأقل خلال العقد الماضي، بينما 41% من الشباب السوري في لبنان وألمانيا أيضاً تعرضوا للفقد المباشر لأحبائهم جراء الحرب.
الفقد ليس بالموت فقط، فنسبة كبيرة من الشباب المستطلعين فقدوا صلتهم تماماً بقريب مباشر، أو صديق عزيز لأسباب تتعلق بالحرب، والنسبة تصل إلى ثلثي السوريين المستطلعين في سورية، و55% من المستطلعين في لبنان وألمانيا.
نصف السوريين في سورية وألمانيا أيضاً خسروا بيوتهم وسجل 51% من الشباب اضطرارهم لمغادرة ديارهم عنوة جراء الحرب، أمّا بين اللاجئين السوريين في لبنان فالنسبة أعلى... إذ سجّل 84% من الشباب المستطلعين خسارة المنازل في سورية وهروبهم منها إلى لبنان.
كيف يعيشون ويتكيفون مع الحرمان؟
معظم أسر الشباب السوري هي أسر عمال بأجر، إذ إن نسبة 71% من هؤلاء الشباب حصلوا على دخولهم خلال الـ 12 شهر الماضية من الأجور بالأعمال الثابتة أو المتقطعة، بينما 16% سجلوا عدم وجود مصدر دخل.
نسبة عالية أيضاً من الشباب سجلت نقصاً لدى أسرها في تأمين الحاجات الأساسية... 88% من السوريين في لبنان يعيشون بدخل أقل من الضرورات، و75% من أسر المستطلعين في سورية، والملفت أن النسبة في ألمانيا ليست أفضل بكثير إذ إن حوالي 54% من الشباب السوري هناك أشاروا أنهم يعيشون مع أسرهم بمستوى دخل أقل من الحاجات الأساسية.
أما في الإستراتيجيات المعتمدة في تكييف الحاجات الأساسية مع الدخل القليل، فإن معظم المستطلعين قد سجلوا اعتمادهم تغييراً في نوعية الغذاء نحو المكونات الأقل تكلفة، وهي نسبة لا تقل عن 85% من الشباب السوري سواء في سورية أو لبنان أو ألمانيا.
وهي إستراتيجية التكيّف مع الفقر الأعم، ولكن الإستراتيجيات الأخرى كانت منتشرة أيضاً بين أسر الشباب المستطلعين: سواء عمالة الأطفال أو إخراجهم من المدارس، أو تزويج الفتيات...
نسبة الأسر التي اعتمدت على عمل الأطفال ممن هم أقل من 18 سنة للمساهمة في دخل الأسرة هي أيضاً نسبة عالية نسبياً.
الأعلى في لبنان إذ 43% من أسر الشباب المستطلعين تعتمد على دخل الأطفال، مقابل 17% من المستطلعين في سورية... بينما اللافت هو أن نسبة 24% من الشباب المستطلعين في ألمانيا أشاروا إلى أن أسرهم أيضاً اعتمدت هذه الآلية.
الإستراتيجية الثالثة التي تثير الانتباه هي: إخراج الأطفال من المدارس، حيث إن المستطلعين في لبنان سجلوا أعلى نسبة: 60% من الأسر أخرجت أطفالاً من المدارس، النسبة الملفتة أيضاً في ألمانيا إذ إن 25% من الأسر أخرجت الأولاد من المدارس لمواجهة الفقر. بينما النسبة في سورية 9%.
الإستراتيجية الأخيرة هي: تزويج الفتيات تحت الـ 18 سنة، حيث سجّلت 14% من الأسر في لبنان اعتماد هذه الآلية لمواجهة عدم القدرة على تأمين الحاجات الأساسية، مقابل نسبة 7% في ألمانيا... بينما النسبة في سورية 3%!
بين التعليم والعمل
يسجّل الاستطلاع المستوى التعليمي للشباب... ليتبين أن وضع السوريين في لبنان هو الأسوأ أيضاً. فعملياً 84% من الشباب السوري لم يكملوا تعليمهم الثانوي، والملفت أن 5% منهم أميين!
بالمقابل 56% من الشباب السوري في سورية قد أكملوا تعليمهم الثانوي، و20% منهم يواصلون تعليمهم الجامعي. لترتفع نسبة من أكملوا تعليمهم الثانوي في ألمانيا إلى 70%، بينما نسبة الجامعيين تتطابق مع النسبة في دمشق بحوالي 20%.
الشباب الساعون إلى العمل ترتفع نسبة البطالة بينهم بمقادير متفاوتة، فمثلاً: في سورية يصعب على الشابات إيجاد عمل مستقر ونسبة البطالة بين المستطلعات 53%، مقابل 13% بين الذكور. أما في لبنان فإن معظم الإناث الشابات هنّ ربّات منازل بنسبة 59%... أما الشابات السوريات في ألمانيا فمعظمهن طالبات بنسبة 60%، مقابل 29% من الذكور الطلاب. بينما معظم الشباب الذكور في ألمانيا هم عمال بالدرجة الأولى، ونسبة 64% منهم يعملون بأعمال مؤقتة أو دائمة، بالمقابل فإن الشابات العاملات في ألمانيا لا تتجاوز نسبتهن 25%.
هل سورية هي البلاد؟
استطلاع المنظمة يسأل الشباب السوري عن وضعهم النفسي وأمنياتهم... ووسطياً 58% يوصّفون وضعهم بالاكتئاب، و54% يعاني من اضطرابات النوم! أما أخيراً فيسأل الاستطلاع الشباب السوري في الخارج إن كانوا لا يزالون يعتبرون سورية موطنهم... ليجيب 60% من الشباب السوري في ألمانيا بأنهم لا زالوا يعتبرون سورية موطنهم، بينما 40% يقول: إن ألمانيا هي الموطن... ونسبة 9% فقط تعتقد أنها خلال السنوات الخمس القادمة قد تكون في سورية.
أما الشباب السوري في لبنان فلا يزال 80% منهم يعتبر سورية موطنه، مقابل 20% أصبحوا يعتبرون لبنان موطنهم... بينما 30% منهم يرى نفسه خلال السنوات الخمس القادمة في سورية، و33% منهم يعتقدون أنهم سيكونون في أوروبا. أما الشباب السوري في سورية لا يزال 60% منهم يعتقد أنه سيبقى في سورية خلال السنوات الخمس القادمة... بينما 40% يعتقدون أنهم قد يكونوا في أوروبا أو دول الجوار.
الخسائر الاقتصادية للحاضر والمستقبل
1,2 تريليون دولار خسائر اقتصادية:
يشير تقرير world vision إلى أعلى رقم لخسائر الحرب السورية... إذ يبلغ وفق تقديرات التقرير 1,2 تريليون دولار حتى اليوم. وذلك بناء على افتراض أن النمو الوسطي السوري بمعدل يقارب 6% استمر خلال العقد الضائع الماضي. وخساراتنا من فقدان هذا النمو الاقتصادي فقط فاقت الـ 1000 مليار دولار.
1,4 تريليون دولار خسائر إضافية:
ولكن هذا ليس كل شيء... فالتقرير يشير إلى أنه حتى في حال توقّفت الحرب اليوم، فإن الآثار ستبقي الخسائر مسجّلة حتى عام 2035، أي: خلال 15 عاماً من فترة إعادة الإعمار، سيستهلك ترميم ما سبق النمو الاقتصادي وسيجعل الكلف الإجمالية تقارب 1,4 تريليون دولار.
1,7 تريليون دولار مع أثر التعليم والصحة:
أبعد من ذلك، فإن الوقائع الحادة لتراجع التعليم والوضع الصحي، ستحمل آثاراً مستقبلية إضافية، يحاول التقرير أن يقاربها بالأرقام... فيقول: إنها ستضيف إلى الخسائر ما بين 120-260 مليار دولار إضافية لتصل مجمل الخسائر إلى 1,7 تريليون دولار. ويبني هذا على أن التراجع الحالي في رأس المال البشري سواء بتدهور مستوى التعليم، أو الصحة، يؤدي وسطياً إلى خسارة 1,5% سنوياً من مجمل نمو الدخل الوطني مستقبلاً. وذلك لأن أطفال وشباب اليوم سيكونون أقل قدرة على العطاء غداً، بينما سيكون مطلوباً منهم الكثير.
مساعدات لا تتعدى 1,6% من الكارثة
مقابل كل هذه الخسائر الهائلة، يشير التقرير إلى المفارقة المتمثلة بحجم المساعدات الإنسانية، والتي لم تتعدّ خلال السنوات العشر الماضية 19,4 مليار دولار، وهي لا تشكّل إلا نسبة أقل من 1,6% من الخسائر الاقتصادية فقط! وهو نهج لا يمكن أن يستمر.
أطفال سورية خسروا 13 عاماً من أعمارهم:
بالمقابل، فإن الخسائر في الأعمار المتوقعة للأطفال المولودين في سورية أصبحت 13 سنة، إذ تراجع العمر الوسطي المتوقع للطفل المولود بمقدار يزيد عن عقد. والعشر سنوات من الحرب التي خضناها ذهبت فعلياً من أعمار أطفال سورية اليوم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1009