نقص في إنتاج الرقائق العالمية...وشركة تايوان تملك نصف الإنتاج العالمي

أعلنت مجموعة جنرال موتورز الأمريكية مؤخراً أنها ستغلق ثلاث وحدات وتبطئ الإنتاج في وحدة رابعة نتيجة نقص الرقائق الإلكترونية، وأنها بالغالب لن تحقق خطتها الإنتاجية في هذا العام. العديد من شركات السيارات الأخرى جمدت أجزاء من إنتاجها في الأسابيع الأخيرة. مثلاً: وحدة إنتاج هوندا الأساسية في بريطانيا، فورد أعلنت أنها ستغلق معملاً في ألمانيا لمدة شهر، وفولكسفاغن أشارت أنها ستقلص عدد سياراتها في هذا الربع الأول من العام بمقدار 100 ألف سيارة، وهذا بانتظار توريدات الدارات الإلكترونية من سلسلة الإنتاج العالمية. وبالعموم التقديرات تقول: بأن صناعة السيارات العالمية ستتراجع بمقدار مليون إلى خمسة ملايين سيارة في 2021 ليكون عام خسارتها الثاني على التوالي.

أسباب الاختناق

العديد من الأسباب تُساق حول نقص العرض مقابل الطلب، منها مثلاً: أن تراجع إنتاج السيارات في 2020 جعل شركات أشباه الموصلات تتوجه لتلبية طلب الصناعات الإلكترونية الأخرى بمعدلات أعلى، ولم تعد قادرة على التكيف السريع مع عودة مصانع السيارات لطلب الرقائق. يضاف إلى ذلك أن التوتر الذي أنشأته إدارة ترامب بتقييد وصول شركات التكنولوجيا الصينية، مثل: هواوي وZTE إلى سوق أشباه الموصلات الأمريكية، جعل هذه الشركات ترفع من طلبها العالمي وتخزن الرقائق بمعدلات كبيرة. وعدا عن أن الصين هي أكبر مستورد للرقائق عالمياً، فإن ريادتها في تطوير صناعة الجيل الخامس تحتاج أيضاً إلى كميات أكبر من هذه الدارات الدقيقة. سبب آخر يرتبط ببعض الطوارئ، مثل: احتراق معملي دارات في اليابان، وتوقف وحدتين في تكساس حالياً خلال العاصفة الأخيرة والتدهور في البنى التحتية الذي وصل لانقطاع الكهرباء في الولاية الأمريكية.

الدارة تحتاج نصف عام!

النقص الحاد في العرض مقابل الطلب في 2021 يشير إلى حدوث طفرة صناعية ونقلة في المستوى التكنولوجي للصناعة العالمية والاستثمار بعد أزمة التوقف، في ظل سباق تكنولوجي عالمي... والمفارقة أنه في عام 2019 أشارت البيانات إلى تراجع في الإيرادات العالمية لهذه الصناعة بنسبة 12% ما يشير إلى فائض نسبي في العرض قبل عامين فقط.
مصانع إنتاج أشباه الموصلات عبر العالم تحت ضغط الطلب العالي، ولكنها في موقع جيد أيضاً... هذه الصناعة المتمركزة لحد بعيد عالمياً قد تحدد خلال الأزمة الحالية مصير العديد من الشركات.
ليس من السهل أن تتم زيادة الطاقة الإنتاجية لأشباه الموصلات، فعملياً لا يزال الإنتاج الوسطي للدارة الواحدة يحتاج إلى نصف عام تقريباً و26 أسبوعاً... بينما إطلاق معمل لا يمكن أن يتم بأقل من 5 سنوات.

TSMC نصف الإنتاج العالمي

مستوى التمركز في هذه الصناعة يدل عليه موقع شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات TSMC الشركة التي تؤمن 50% من إنتاج الموصلات العالمية تتموضع في تايوان، وهي أيضاً التي تحقق السبق في مسعى إنتاج تكنولوجيا رقائق 2 نانومتر. بينما 12% من الإنتاج العالمي يوجد في الولايات المتحدة الأمريكية، والباقي في كوريا الجنوبية، واليابان بشكل أساسي.
TSMC هي شركة عالمية مطلقها ومديرها التنفيذي موريس شانغ، وهو للمفارقة أو (ربما بشكل منطقي) يحمل الجنسيتين: الصينية والأمريكية، وكانت شركته من أوائل الشركات المنتقلة إلى آسيا في هذا المجال عام 1987. الشركة الدولية التي يمتلك الأجانب معظم رأس مالها، هي مُزود أساسي لأيفون، وأمازون، وحتى للصناعات العسكرية في لوكهيد مارتن، حيث تصنع طائرات f-35.
وهي أيضاً تزوّد قطاع صناعة السيارات العالمية بنسبة 75% من حاجته لأشباه الموصلات... ويمكن القول: إن مصير الكثير من شركات السيارات العالمية أصبح رهن ترتيب أولويات هذه الشركة، وأين تضع طلباتها على قائمة التزويد العالمي.
يضاف إلى ذلك أن TSMC هي التي تنتج لهواوي الدارات الإلكترونية التي تصممها هواوي نفسها. فالشركة الصينية في مسعاها للاستقلال عن الصناعات الأمريكية لأشباه الموصلات ضمن التوجه الحكومي الصيني، نجحت في الاستقلالية في تصميم الدارات اللازمة لتجهيزاتها، ولكنها لم تصل بعد إلى إنتاجها بدقة.

لاعب خطر في منطقة توتر

لا يمكن الوصول تماماً إلى المساهمين الأساسيين في هذه الشركة، ولكن بالتأكيد فإن قرارات هؤلاء ستساهم في 2021 بتحديد النمو في العديد من القطاعات العالمية أو تباطؤ الإنتاج فيها، كما ستساهم في تحديد مستوى أسعار جملة التجهيزات الإلكترونية والكهربائية التي تدخل الرقائق في تصنيعها... وهي ستكون لاعب خطر في موقع خطر.
البعض يشير إلى أن التوتر السياسي في تايوان، والمسعى لإعلان الاستقلال وتزويد الغرب لحكومتها بالأسلحة، رغم رفض الصين وتهديدها بالدخول العسكري واستعادة السيطرة الكاملة على تايوان... وكل هذا خطر حقيقي على الغرب، ولا يتناسب أبداً مع وجود هذه الحلقة- الشركة التي تعتبر بمثابة مفتاح أساسي في سلسلة الإنتاج العالمية، ليهزأ آخرون بالقول: إن TMSC قد تكون المكان الأكثر أمناً في تايوان في حال تصاعد التوتر وستحرص الصين على الحفاظ عليها.
إن متغيرات 2020 الكبرى تظهر في التفاصيل، فتوقف الإنتاج العالمي وتصاعد التوتر يفتح على الكثير من التغيرات في أوزان القطاعات، وفي ارتباطاتها ببعضها البعض. فالإنتاج أصبح منذ عقود شديد الترابط على مستوى العالم، فهل تكون هذه واحدة من أهم أدوات ردع الجنون والحرب!؟