قروض الصين التنموية... مسار بدأ فهل يتباطأ؟!
في عام 2017 أعلنت الصين عن مشروع الحزام والطريق، وأسمته في حينها «مشروع القرن»، حتى 2019 أصبحت بنوك الصين بمفردها توازي مجموعة المؤسسات الدولية المعنية بتمويل مشاريع التنمية، والممولة من مجموعة دول غربية بالدرجة الأولى... والأنظار ترقب هذا الاتجاه الصيني في هذه اللحظات الاقتصادية والسياسية الصعبة.
ترصد قاسيون بعض البيانات حول حجم وتوزع قروض التنمية الصينية، مع بعض المؤشرات والنقاشات حول تراجع هذا التمويل في العامين الماضيين...
خلال قرابة عقد من الزمن، وعقب الأزمة المالية العالمية، انطلق توسّع قروض التنمية الصينية، وبين عامي 2008-2019 موّلت الصين دول العالم النامي بما يقارب 462 مليار دولار، موزعة على 615 مشروعاً عبر العالم، أقل من تمويل البنك الدولي خلال الفترة ذاتها بمقدار 5 مليارات دولار فقط (وهو المؤسسة التي أنشأت عقب الحرب العالمية الثانية لأغراض تمويل التنمية وفق المعلن، والممولة من مجموع دول العالم المساهمة، وبالدرجة الأولى من الدول الغربية)... وذلك للقروض التنموية المقدمة إلى الدول للمشاريع الكبرى. وذلك وفق بيانات جامعة بوسطن- مركز سياسات التنمية الدولية.
تموّل الصين قطاع البنى التحتية بالدرجة الأولى، والذي تندرج تحته مجموعة من القطاعات الهامة: يأتي قطاع النقل في مقدمتها (النقل السككي، والطرق والجسور، والمطارات والمرافئ) التي حصلت على ربع التمويل الصيني، ثم بمستوى متقارب يتركز التمويل في مشاريع القطاع الاستخراجي وأنابيب نقل النفط والغاز، يعقبه الاستثمار في إنتاج الطاقة الكهربائية، وهذه المجالات الثلاثة تشكل نسبة تفوق 70% من التمويل الصيني للتنمية.
تفرض طبيعة التمويل مستوى الأثر، فرغم الدعاية السلبية الغربية ضد قروض التنمية الصينية، إلا أن تقديرات البنك الدولي ذاتها تشير إلى أن هذا التمويل سيساهم في زيادة الدخل الحقيقي للعالم بمجمله بمقدار 2,9% مع عام 2030، بينما سيزيد دخل الدول المعنية بما يقارب 3,4%. وللمقارنة فإن اتفاقيات تجارية واستثمارية غربية، مثل: «الشراكة عبر المحيط الهادئ» TPP كانت ستحقق زيادة 1,1% للدول المشاركة في 2030، وزيادة 0,4% للعالم. (Project Syndicate)
615 مشروعاً في دول الأطراف
تنتشر القروض التنموية الصينية التي تموّل الحكومات في كل مناطق جنوب العالم، باستثناء منطقتنا «الشرق الأوسط وشمال إفريقيا» مع استثناء إيران، ومصر (مشروع واحد). تتركز هذه القروض في آسيا، وفي المحيط الإقليمي الصيني على وجه التحديد: في الجنوب والجنوب الشرقي الآسيوي بحوالي 114 مليار دولار، وفي آسيا الوسطى والشرق الأوسط من باكستان إلى تركمانستان أوزباكستان وطاجيكستان وصولاً إلى إيران. وفي إفريقيا ينتشر العدد الأكبر من المشاريع، لا توجد منها في الدول العربية إلا ثلاثة، أحدها في مصر، واثنان في المغرب. في أميركا اللاتينية والوسطى ينتشر التمويل الصيني واسعاً، حيث توجد أربع دول هي ضمن أكبر عشرة مقترضين من الصين.
رغم الانتشار الواسع للقروض التنموية الصينية، إلا أن هنالك تركزاَ نسبياً في اتفاقيات التمويل، وتحديداً مع الدول التي لديها علاقات وطيدة مع الصين، ولديها تحديات نسبياً مع الغرب. 60% من التمويل تركّز في عشر دول هي على الترتيب: فنزويلا، باكستان، روسيا، البرازيل، أنغولا، الإكوادور، الأرجنتين، أندونيسيا، إيران، وتركمانستان. حصلت على 277 مليار دولار تقريباً من التمويل الصيني خلال عقد مضى.
تراجع كبير منذ 2018!
ينبغي الانتباه إلى بعض المؤشرات التي يفرضها الصراع الدولي، والسلوك الأمريكي تحديداً... فالتمويل الصيني وصل إلى ذروته في عام 2016 عندما بلغ 75 مليار دولار في عام واحد، ولكنه انخفض إلى 45 ملياراً، ومن ثم إلى 10 مليارات وصولاً إلى 4 مليارات دولار خلال الأعوام: 2017-2018-2019 على التوالي. وفي تحليل هذا التراجع يُقال الكثير، فأولاً: التوتر الذي ساد العلاقات التجارية والاقتصادية الدولية مع الحرب التجارية بعد 2016، وتجليات الأزمة الاقتصادية العالمية المتعددة وذروتها في العام الحالي، وكل هذا يرتبط بالتوجه الصيني المعلن في الخطة الخمسية القادمة حول «الدورة الثنائية» التي يتم التركيز الصيني فيها على الطلب المحلي والسوق الصينية. يُضاف إلى ذلك أخيراً: أن تداعيات الأزمة الاقتصادية الدولية أدت إلى استعصاءات في سداد أقساط هذه القروض لدى العديد من الدول النامية، و28 دولة مقترضة تدخل في تفاوض مع الصين لإيجاد حل للسداد.
حيث أجلت الصين مطلع العام الحالي، وحتى منتصف 2021 الكثير من ديون الدول النامية، وذلك ضمن مشروع مجموعة العشرين لتأجيل سداد ديون الدول الأفقر، والتي تموّل الصين نصفها تقريباً. من الطبيعي أن تشهد ظروف الأزمة والاضطراب تراجعاً في موجة التمويل التنموي الصيني، لأن المشاريع الصينية المتركزة في البنى التحتية ترتبط إلى حد بعيد بالنشاط الاقتصادي التجاري والإنتاجي عبر العالم، والذي يتيح عائدات لهذه الدول، وقد تفتح عملية إعادة الهيكلة على تغيير طرق وآليات الدفع، حيث جزء هام من هذه القروض بالعملات الأجنبية...
7 أضعاف (مارشال)
التمويل الصيني وفق مشروع الحزام والطريق من المخطط أن يبلغ تريليون دولار، ولإدراك حجم هذا التمويل فإنه يقارب 7 أضعاف التمويل الأمريكي في مشروع مارشال لإعادة إعمار أوروبا عقب الحرب العالمية الثانية، وفق تقديرات فايننشال تايمز. وإذا ما كان مشروع مارشال واحداً من عناوين تغير خارطة موازين القوى الدولية عقب الحرب، فإن المشروع الصيني لا يقل عن هذا... حتى الآن التمويل ضمن المشروع لم يصل إلى نسبة 40%، ولكن تمويلاً واسعاً جرى خلال عقد مضى، ويمكن أن يحدد اتجاهات لتغيير الخارطة الجيوسياسية الدولية في مناطق مثل: آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية. بينما لا تزال منطقتنا في كنف الفوضى والنفوذ الغربي، ولم تستطع الاتجاه شرقاً، حيث تولد الفرص الجديدة. التباطؤ في التمويل الصيني خلال العامين الأخيرين مع تصاعد الأزمة عالمياً، من المرجّح ألّا يكون اتجاهاً دائماً، فالصين تستمر في توسيع آفاق تعاوناتها الدولية وآليات تمويلها، أبرزها: ما جرى مؤخراً في أكبر اتفاقية تجارية واستثمارية في العالم ضمن آسيا RCEP، إضافة إلى الأفق الذي تفتحه عملية توسيع تدويل اليوان كآلية دفع بديلة عن الدولار، والتي يندرج ضمنها إنشاء العملة الإلكترونية الصينية.. تمويل التنمية يحتاج إلى استقرار عالمي، وهو في الآن ذاته يولّد هذا الاستقرار ويرسخه، وسيتطلب- توسّع واستكمال المشروع- ردع الجنون الغربي والأمريكي على وجه الخصوص سياسياً وعسكرياً، واقتصادياً أيضاً، تحديداً تقييد آثار أزمة الدولار العالمية، التي يتوقع الكثيرون اقترابها. وفي كل ما سبق سيكون للصين ولطريقة التمويل والسداد دور بارز.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 996