مستوى الجاهزية السوري... للكوارث الصحية! الازدحام- الإنفاق الصحي- الأسرّة- والكوادر

مستوى الجاهزية السوري... للكوارث الصحية! الازدحام- الإنفاق الصحي- الأسرّة- والكوادر

تعيش سورية كارثتها الإنسانية منذ عام 2011، وتعيشها في لحظة عالمية معقدة تتفاقم فيها الأزمة الاقتصادية العالمية التي لا يمكن فصل وباء كورونا عنها... فالوباء كآخر المعطيات التي تكشف عورة أزمة المنظومة الرأسمالية وتخلفها، يكشف أيضاً هول المصيبة السورية إنسانياً! والتي تجعل انتشاره خطراً قد لا يكون لدينا قدرة على إدارته، وتحديداً بالبنية السياسية والاقتصادية الحالية التي وصلت لصعوبة إدارة توزيع الخبز، وفضائح في إدارة عملية حجر أقل من 100 مسافر!

تجري قاسيون مقارنات لبعض المؤشرات الصحية الأساسية دولياً، والمعتمدة من منظمة الصحة العالمية، مع بعض المؤشرات الأخرى المرتبطة بطبيعة انتشار الوباء... لقراءة حجم (الجاهزية السورية) لمواجهة انتشار وباء من هذا النوع، بالمقارنة مع الدول الأكثر تضرراً عالمياً. 

 

أولاً: الكثافة السكانية:

يطرح الوباء أسئلة هامة حول التشوهات التي تخلقها المنظومة، وأهمها: الكثافة في المدن والمراكز الحضرية الناجمة عن سوء توزيع الثروة والنشاط الاقتصادي وفرص العمل. فالفيروس الذي يستطيع شخص أن ينقله لـ 700 شخص في نطاق محصور ومختلط (كما في حالة السفينة السياحية في اليابان) يجعل المدن المكتظة أكثر عرضة للوباء. وهو ما دفع الصين إلى إغلاق كامل لمدينة محورية مثل ووهان تضم أكثر من 11 مليون نسمة، والوصول إلى منع الخروج تماماً مع القدرة على إيصال الطعام للسكان إلى منازلهم، وبناء مشفى ضخم في أسبوع!
المدن السورية الأساسية مكتظة إلى حدّ بعيد، وبكثافة سكانية عالية... وتحديداً مع موجة النزوح الداخلي الواسعة من الأرياف المشتعلة وأحياء الضواحي المدمرة إلى مراكز المدن، وتحديداً في دمشق وحلب.

الشكل التالي يوضح أن دمشق المدينة ذات الكثافة السكانية المرتفعة بشكل استثنائي، هي واحدة من المراكز الخطرة للانتشار. فمركز مدينة دمشق في عام 2013 كان في المرتبة 24 عالمياً للكثافة السكانية في وحدة المساحة، ففي كل كم مربع من دمشق يتواجد وسطياً 22 ألف شخص! ما يجعلها أعلى كثافة من القاهرة التي تضم أكثر من 20 مليون نسمة. وهذا المعدل قد ارتفع لاحقاً مع توسع النزوح الداخلي، وزيادة الدمار في المناطق الريفية المحيطة، والنسب القليلة لعودة السكان إلى مناطقهم في أرياف وضواحي دمشق.
حلب أيضاً كمركز مدينة ذات كثافة سكانية عالية، ففي مساحة تقارب 190 كم2 يتواجد قرابة 2 مليون شخص، مما يجعل الكثافة فيها تفوق 10 آلاف نسمة في الكم2.
إن هذه الأرقام تعني انتشاراً سريعاً للوباء في حالة عدم تطبيق الحجر بشكل واسع، وربما حتى في حالة تطبيقه مع كثافة عدد الأشخاص في المنزل الواحد! ولكن الحجر هو الحدّ الأدنى الضروري والحاسم.
إن الكثافة في حلب ودمشق، أعلى من الكثافة في المدن والمراكز الثلاثة التي شهدت أعلى انتشار للوباء عالمياً حتى الآن، حيث الكثافة في مركز مدينة ووهان 6000 نسمة في الكم2، وفي طهران 9000 نسمة، وفي بيرغامو في الشمال الأوسط الإيطالي 3000 نسمة في الكم2.
إنّ رسم خارطة للكثافة السكانية في المناطق والبلدات، والتشديد في تطبيق الحجر فيها هو خطوة أولى أساسية لمنع الانتشار. فمناطق عالية الكثافة في مختلف المحافظات السورية ينبغي أن تتحول إلى نقطة تركيز في تطبيق الحجر والدعم. ولكن المفارقة أن هذه المناطق تضم أعلى عدد من العاطلين عن العمل، ومن العمال المياومين، ومن كثافة السكان في وحدة المساحة المنزلية... وتعاني أيضاً من سوء خدمات النظافة والصحة وغيرها، والتحدي كبير في هذا المجال.

ثانياً: حجم الإنفاق الصحي الحكومي

يعتبر هذا المؤشر من أهم المؤشرات الصحية والتنموية، ورغم أنه لا يتطابق كثيراً مع معدلات انتشار المرض ومعدلات الوفيات (فعلى سبيل المثال: إنفاق الحكومية الصينية على الفرد أقل بكثير من إنفاق الحكومة الإيطالية، ولكن معدلات الموت في إيطاليا أعلى، لأن العامل الحاسم فيما يتضح حتى الآن على الأقل هو وقف الانتشار وحصره، الأمر الذي تأخرت إيطاليا بتطبيقه مقارنة بالصين).
ولكن عموماً، يحمل هذا المؤشر دلالات على القدرة على المواجهة في حال الانتشار، ويعبر عن كم الإنفاق والمخصصات الاجتماعية للصحة العامة، والوضع السوري هنا هو الأخطر...
فدولة مثل إيطاليا يحصل الفرد فيها على إنفاق سنوي من الحكومة بما يقارب 2100 دولار، تعاني من انهيارات في قدرة النظام الصحي على مواجهة مستوى الانتشار، وتصل إلى حد سياسة (طب الحروب) حيث تضطر إلى اختيار من ينبغي إنقاذه ومن يمكن خسارته من بين مواطنيها!
في إيران يحصل الفرد على 226 دولار سنوياً كإنفاق صحي من الحكومة، وهو معدل أقل بكثير، ولكنه ليس بعيد عن المعدل الصيني حيث لا يتجاوز الإنفاق الصحي العام للفرد 230 دولار سنوياً.
أما في سورية فإن الفرد لا يحصل إلا على 20 دولار سنوياً من الإنفاق الحكومي العام على الصحة، أي رقم إجمالي يقارب 350-400 مليون دولار سنوياً. تعاني ما تعانيه من هدر كحصة للفساد، كما في كل الإنفاق الحكومي العام... وهذه المبالغ بعد الهدر لا تنعكس في تطوير البنى التحتية للمشافي وتوسيع عدد الأسرّة، وتطوير التجهيزات، وزيادة دخل الكوادر الطبية بحيث يمكن إبقاؤهم في البلاد وإيقاف النزيف الحاد في هذه الشريحة المحورية...

 

 

قد لا يكون حجم الإنفاق الصحي هو العامل الحاسم في الجاهزية، فالصين بإنفاق أقل من إيطاليا بعشر مرات تقريباً استطاعت التعامل مع الوباء بفعالية أعلى، لأن نسبة هامة من إنفاقها متركزة في الاستثمار في تشييد المشافي في مراكز المدن الكبرى، وفي البحث العلمي الطبي، وكلا العاملين كانا حاسمين في التعامل مع الانتشار، ولكن بعد تطبيق العزل والحجر الشامل.
ولكن هذا الرقم يعكس حجم تراكم المرافق والخدمات في القطاع الصحي، ولكن هذا الاختلاف يعطي جرس إنذار هام فحتى في إيطاليا (التي تنفق على الفرد 100 ضعف إنفاقنا على الفرد) لم تستطع البنى التحتية الخدمية أن تنتشل انتشار الوباء بكفاءة، وارتفعت معدلات الموت إلى أعلى من الصين. وهو يعكس انعدام جاهزية البنى التحتية السورية لمواجهة المرض في حالة انتشاره! وتؤكد هذه الأرقام أيضاً أن الحجر هو الحل الأضمن والمطلوب سريعاً.

أسرّة المشافي كمؤشر بنى تحتية

لدى منظمة الصحة العالمية قائمة بـ 100 أهم مؤشر صحي عبر العالم، وتتوفر المقارنات الدولية لهذه المؤشرات في أعوام متباينة، حسب مستوى التزام الدول بالتزويد بالمعلومات، ولكنها المصدر الأساسي والأشمل لمقارنة دولية.


نستخلص منها مؤشرات للمقارنة في عام 2017 لبعض تفاصيل الخدمات الصحية، وأهمها: مؤشر عدد أسرّة المشافي لكل 10 آلاف شخص، كمؤشر على القدرة الاستيعابية، وأيضاً المؤشر السوري هنا خطير... ومنخفض بمستوى قياسي.

 

 

 

يتبين من هذه المقارنة أن الإنفاق الإيطالي الحكومي المرتفع على الصحة لا ينعكس في البنى التحتية للمشافي وللتعامل مع حالات الطوارئ، بينما التركيز في الصين هو على الاستثمار في المشافي الحكومية الكبرى ذات الطاقة الاستيعابية الهائلة وتحديداً في مراكز المدن، الأمر الذي ينعكس بارتفاع عدد الأسرّة المتوفرة لكل 1000 شخص في الصين بمعدل أعلى من إيطاليا التي تراجع عدد الأسرّة فيها بين عامي 2008- 2017 من 44 سرير لكل ألف شخص إلى 34 سرير وزاد عدد السكان دون زيادة عدد المشافي والمرافق التي تمّ إغلاق بعضها لتراجع قدرة الإنفاق على الخدمات العامة. إذ ينبغي ذكر أن الإنفاق الصحي للفرد في إيطاليا من بعد أزمة عام 2008 تراجع بنسبة تفوق 25%، وخسر المواطن الإيطالي ربع الإنفاق الصحي العام مع سياسات التقشف المالي التي عمّت أوروبا.
المعدل في إيران وسورية متقارب ومنخفض في الوقت ذاته، 15 سرير لكل ألف شخص، وهو ثلث المعدل الصيني ويعكس البنى التحتية المنخفضة في القطاع الصحي.
الأرقام الدولية هنا تتقارب مع الأرقام السورية في المجموعة الإحصائية- الصحة لعام 2017، والتي تشير إلى أن عدد الأسرة لكل 10 آلاف شخص يقارب 14 سرير. في دمشق هنالك سرير لكل 360 شخص تقريباً حيث يتكثف وجود المشافي فيها، وأسوأ وضع هو في حماة حيث هنالك سرير لكل 1100 شخص تقريباً، وفي إدلب سرير لكل 1260 شخص. بينما في حلب وريف دمشق سرير لكل 750 شخص تقريباً، وهنا طبعاً مشافٍ عامة وخاصة. بينما استطاعت العناية المشددة في مشافي وزارة الصحة أن تستقبل 56 ألف حالة خلال عام.
إنّ عدد الأسرّة وتحديداً في غرف العناية المشددة عامل حاسم في مواجهة هذا الوباء، واستيعاب حالاته الحادة، وبهذا المعدل نحن في موقع بعيد عن الدول الأخرى...

الكوادر الطبية والصحية

مؤشر هام آخر هو عدد الكوادر الطبية لكل 1000 شخص، وهو أحد المؤشرات المعتمدة عالمياً لقياس كفاية الكفاءات البشرية. وهنا أيضاً المؤشرات السورية تدهورت. الكوادر هنا: أطباء، ممرضون، مخبريون، أطباء أسنان ومختلف العاملين في القطاع الصحي.

 

 

وفق هذا المؤشر أيضاً الوضع السوري سيئ من حيث الجاهزية، فمقابل كل 1000 شخص هنالك 2,5 كادر طبي وتمريضي وصيدلي ومخبري، ونسبة الأطباء بالتالي أقل بكثير.
ووفق هذا المؤشر تتضح خطورة الانتشار، فدول مثل إيطاليا بمعدل كوادر صحية للسكان أعلى من سورية بـ 5 مرات تقريباً، تعاني اليوم نقصاً في الكوادر وإنهاكاً للعاملين.
وهنا ينبغي الإشارة إلى أن البيانات السورية للمجوعة الإحصائية لعام 2017 تختلف عن هذه النسبة المأخوذة من بيانات الأمم المتحدة ومؤشر التنمية المستدامة الصحي. إذ وفق البيانات السورية فإنه مقابل كل ألف شخص هنالك 4,7 كادر صحي من أطباء وأطباء أسنان وممرضين وصيادلة، والمرجح أن الرقم السوري أقل دقّة لأنه وفقاً للمجموعة الإحصائية فإن الكوادر المشمولة هي المسجلّة في النقابات السورية والذين يمكن أن يكونوا خارج البلاد رغم وجود أسمائهم في السجلات النقابية التي لم تتقلص أعدادها خلال سنوات الأزمة! وهو مخالف لوقائع الهجرة الواسعة للأطباء.

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
958
آخر تعديل على الإثنين, 23 آذار/مارس 2020 16:45