الوباء في سورية... طبقي أيضاً والخلاص طبقي

الوباء في سورية... طبقي أيضاً والخلاص طبقي

في سورية مدن مكتظة وملايين يتجمعون في مئات الكلوميترات المربعة حيث تتمركز فرص العمل وكسب الرزق، ولهؤلاء الملايين لا يوجد ما يكفي من إنفاق حكومي صحي يؤمن بنية تحتية صحية قادرة على استيعاب الحالات الصحية العادية وليس الطارئة، عدد أسرّة مشافي وكوادر طبية منخفض قياساً بالسكان، وانتشار وباء بسرعة مثل كورونا سيؤدي إلى فقدان المزيد والمزيد من السوريين بعد كل ما مرّ على هذه البلاد.

جميع المؤشرات تقول: إن قدرتنا على مواجهة الانتشار قد تكون ضمن الأسوأ عالمياً، والمهمة الأساسية هي منع الانتشار... والطريقة الأمثل هي: الحجر، ولكن هل نستطيع إدراك ما الذي قد يعنيه الحجر، الحجر أيضاً طبقي... فالقادر على إعالة نفسه يتسطيع البقاء في المنزل، من يملك عملاً مستقراً نسبياً ومنتظماً أيضاً قد يمتلك الفرصة لتخفيف ساعات الدوام والأبقاء على دخل مستقر حتى الآن! ولكن ماذا عن النسبة العظمى من القوى العاملة السورية العاطلة عن العمل، أو التي لا تعدّها الإحصاءات السورية في عداد العاملين؟ ماذا عن الأسر التي ترسل أفرادها جميعاً يومياً لكسب الرزق بكل الطرق الممكنة؟
قد يكون الحجر استحالة في الظرف السوري، وتحديداً إذا ما طال، وأكثر ما نحتاجه هو وجود دولة، والمفارقة أن كل معالم جهاز دولة الخدمية قد تهتكت، ومرّ جهاز الدولة باختبارات عديدة سابقة خلال سنوات الأزمة أثبت أن أداءه لا يستطيع أن يرتقي أو يقترب إلى مستوى الأزمات، لأن أداء قوى المال مرتفع ومهيمن على القرار.
البعض يصرخ منادياً المجتمع المدني، ولكن مجمل المساعدات الصحية الدولية من منظمات الإغاثة العالمية التي تسرح على ضفاف الأزمة السورية لم تؤمن إلا نسبة قليلة من إنفاق الفرد على الصحة في سورية، فـ 44 دولار سنوياً يدفع أكثر من نصفها المواطن السوري، وتدفع الدولة عشرين دولار، والباقي القليل تدفعه المنظمات.
هذه الأزمة ككل الأزمات تضع النقاط على الحروف، فإما المال العام يستطيع انتشال السوريين أو إن تدهورهم بل (الاصطفاء الطبيعي الطبقي الوحشي) سيستمر.
أما المال العام فليس في خزائن الدولة، بل في خزائن أمراء المال والبيروقراطية والفساد، هؤلاء الذين يجب أن تُدرج أموالهم واحداً واحداً، وتُستعاد لتوضع في خدمة المنهوبة منهم في سبيل استمرار حياة الأغلبية، ومنع الدخول في تدهور استثنائي جديد.
كورونا واحد فقط من أزمات المنظومة العالمية وفاتحة مهمة لعام 2020، عام اتّقاد الأزمة الاقتصادية العالمية الذي سيحمل العديد والعديد من التأثيرات على سورية ولن يقف عند وباء صحي، بل سيستمر إلى ارتفاع متوقع في أسعار السلع العالمية وتوقف الأوهام بتدفق المال من الخارج وصعوبة تأمين تدفقات في السلع... ما نعيشه يفتح وسيفتح كل الاحتمالات، وطريق البقاء الوحيد إنهاء منظومة النهب واستعادة ما سرقوه لمواجهة الأزمات، وانتشال البلاد وعموم أهلها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
958