الكبتاغون... سوق المخدرات الصناعية في الإقليم وسورية رقم هام!
من حروب الأفيون الصينية في 1840 وصولاً إلى الصراع في كولومبيا إلى أفغانستان والغرب الإفريقي ومن ثمّ لبنان... صراعات عدّة نشأت وخلقت بدورها فرصة ووزناً هاماً للتجارة السوداء العالمية، استقرت في مناطق الصراع الطويل، وحافظت على إدامة الاشتباك والفوضى. على هذه الخارطة تشير التقارير الدولية: أن سورية التي تعتبر أزمتها الكارثة الإنسانية الأكبر بعد الحرب العالمية الثانية، قد تكون سائرة على هذا الطريق!
صدر خلال الأسبوع الماضي إعلان لخفر السواحل اليوناني عن مصادرة أكبر شحنة من حبوب الكبتاغون معبأة في ثلاث حاويات، قادمة من سورية... وبلغ حجمها 33 مليون قرص أي حوالي 6,6 طن، حيث كل 5000 حبة من الأقراص المخدرة تزن 1 كغ. أما قيمتها فحوالي 660 مليون دولار وفق التقدير الدولي لسعر القرص 20 دولاراً.
إنّ هذه الشحنة الكبيرة تفتح الحديث حول استمرار واستقرار صناعة المخدرات الاصطناعية، وتحديداً الكبتاغون في سورية... قاسيون تنشر خلاصات مما نشرته تقارير دولية أساسية حول مؤشرات هذا النشاط في سورية وفي المنطقة، الأمر الذي بدأ الحديث به ورصده منذ عام 2014، ولكن يبدو أنه مستمر إلى اليوم.
المخدرات الاصطناعية والكبتاغون تحديداً
ينتمي الكبتاغون إلى عائلة المخدرات الاصطناعية، (المؤثرات النفسانية الجديدة)، ومن الميثافيتامين تحديداً، وهي حبوب مخدرة نفسية. بدأ إنتاج الكبتاغون في الستينيات من القرن الماضي كعقار طبي منشّط ومضاد للاكتئاب، وتم حظره تدريجياً في الثمانينيات لثبات آثاره الإدمانية العالية، كما أن المواد الميثافيتامينة تصنف الثانية من حيث الخطر على الحياة بعد الأفيون في عائلة المخدرات.
إنّ سوق المخدرات الاصطناعية، والميثافيتامين تحديداً هي واحدة من أكثر أسواق المخدرات الدولية دينامية ونمواً، إذ نمت بنسبة سنوية 21% في عام 2017، وفق تقرير UNODC- 2017، وهو التقرير السنوي لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.
يقدّر التقرير: أن قيمة سوق المخدرات العالمية تتراوح بين 526- 625 مليار دولار، هي السوق غير الشرعية الثانية عالمياً من حيث حجم الربح، وتأتي بعد السوق السوداء العالمية للسلع المقلّدة والمزورة التي تقدر قيمتها بحوالي 1,13 تريليون دولار سنوياً. وترصد الأمم المتحدة والمنظمات المعنية حجم هذه الأسواق، من خلال المصادرات السنوية للسلطات للشحنات، وفيما يخص المخدرات الاصطناعية فقد تضاعفت الكميات العالمية الإجمالية المضبوطة من قبل السلطات من 100 طن في عام 2010 إلى 191 طن في عام 2015، التي يتعاطاها ما يقارب 60 مليون شخص عالمياً، ونسبة 60-80% من هذه المضبوطات هي من منتجات الميثافيتامين التي يشكل الكبتاغون مادة أساسية ضمنها. (تقرير المخدرات العالمي 2017- 4- تحليل أسواق المخدرات الاصطناعية المنشطات الأمفيتامينية والمؤثرات النفسانية الجديدة- 2017).
لبنان وسورية مراكز إنتاج وفق التقارير الدولية
في الخريطة الدولية لإنتاج ونقل واستهلاك المخدرات الاصطناعية، يتبين أن منطقة الشرق الأوسط وغرب آسيا هي من أكثر المناطق نشاطاً، والأهم في هذا المجال، هو: الاستهلاك في دول الخليج، وفي السعودية تحديداً التي يُقدّر بأنها الوجهة النهائية لـ 30% من حبوب الكبتاغون المصادرة سنوياً عبر العالم، وكذلك الإمارات العربية المتحدة تعتبر رقماً مهماً في هذا الجانب (هذا إضافة لأسواق الاستهلاك الأساسية في أوروبا الغربية والولايات المتحدة). وتنمو السوق في منطقتنا بسرعةٍ، فخلال عام واحد بين 2015-2016 تضاعفت الكميات المصادرة في الشرق الأوسط وغرب آسيا من 20 طناً وصولاً إلى 46 طن، كان حوالي 18 منها متجهاً للسعودية.
أما مصادر الإنتاج والنقل في الإقليم فقد شهدت تحولات منذ عام 2011، ولفتت المصادرات الأنظار إلى تغيّر في مواضع إنتاج الكبتاغون، لتصبح سورية ولبنان نقطة تركيز التقارير الدولية، التي خصّت لهما تقريرين متتاليين في عامي 2016-2017. حيث نشرت منظمة (GLOBAL INITIATIVE) في عام 2016 تقريراً: (الارتباط بين الصراع والإتجار غير المشروع بالمخدرات- حالة سورية والإقليم الأوسع- 11-2016). والثاني للمنظمة ذاتها المعنية برصد ومراقبة الجريمة المنظمة عالمياً بعنوان: (مصادرات الكبتاغون- لبنان يُطوّر اقتصاداً من المخدرات- 2017).
من بلغاريا إلى تركيا فسورية
في الثمانينيات كانت بلغاريا منتجاً كبيراً للمواد الكيميائية، وكانت تنتج الكبتاغون في معامل الدولة للتصدير قبل منعه دولياً، وتحولت هذه الصناعة مع المنع وخصخصة شركات الدولة في بلغاريا في التسعينيات، إلى مركز نشاط للتجارة السوداء لهذا المخدّر، ماراً في تركيا التي تعتبر واحداً من أهم بلدان عبور المخدرات العالمية بأنواعها.
اعتباراً من عام 2000 تراجعت سوق إنتاج هذه الحبوب في بلغاريا بتسارع كبيرة، وذلك بعد أن شنت السلطات عمليات واسعة على سوق إنتاج الكبتاغون فيها، وأصبح الإنتاج يظهر في مناطق أخرى في الإقليم، مقترباً من سوق الاستهلاك وتحديداً إلى تركيا وسورية. حيث انخفضت المصادرات البلغارية انخفاضاً قياسياً من ذروة 1,45 طن في عام 2004، وصولاً إلى 188 كغ في 2010، وانخفاضاً إلى 4,7 كغ في 2015.
بينما ارتفعت المصادرات في تركيا بعد عام 2000، وبلغت ذروتها في 2006 بحوالي 4 طن، ثم أخذت بالتراجع... التقارير الدولية تشير إلى أن الجهات الرسمية السورية لا تعلن عن مصادراتها سنوياً. ولكن تأخذ هذه التقارير بتصاريح السلطات التركية، التي تدّعي منذ ما قبل الأزمة، أنّ مصدر الكبتاغون العابر إلى تركيا، هو سورية، حيث ادّعت في عام 2008 أن 72% من الكبتاغون المصادر كان قادماً من سورية ومخبأً في البضائع القانونية، وذكرت سلطات إقليم هاتاي (لواء اسكندرون) في عام 2007 إلى أن معبر باب الهوى هو المكان الذي تنتقل منه حبوب الكبتاغون من سورية إلى تركيا ومن ثم بحراً إلى الخليج عبر ميناء مرسين.
وقد تكررت هذه التصريحات التركية خلال سنوات الأزمة، في عام 2014 وأشارت السلطات التركية أن 80% من المحتجزين لتورطهم في عمليات نقل الكبتاغون كانوا سوريين، وذكرت في عام 2017 أن شحنة من أكثر من 2,5 طن من الحشيش والكبتاغون ضبطت قرب السواحل الليبية، وكانت على متن سفينة بوليفية يديرها سوريون، متجهة إلى أسواق المقصد في أوروبا الغربية، مُدّعية أن السفينة خرجت من ميناء طرطوس السوري وفق ما أشارت تقرير GLOBAL INITIATIVE ، الذي اعتبر أن هذا (دلالة على وجود طريق ثابت للإتجار، لأن المتاجرين لا يميلون إلى المخاطرة بشحنات كبيرة دون شروط مستقرة، وكانت هذه أولى الحالات التي توثق للتهريب عبر السفن وهو غير مسبوق في سورية، كما أن السفينة التي ترفع علم بلد غير ساحلي وهو بوليفيا، وتعمل في شرق المتوسط حيث النزاعات الحادة، هي شُبهة بكل الأحوال).
وفق التقرير ذاته، فإن الجهات الرسمية السورية أعلنت في عام 2015 عن حجم المصادرات السنوي من مادة الكبتاغون، مشيرة إلى أعلى رقم في الإقليم، بحوالي 24 مليون حبة خلال العام (4,8 طن)، مقابل 15 مليون حبة في لبنان، و16,7 مليون في الأردن، و13,8 مليون في تركيا. وتعتمد التقديرات على حجم المصادرات لتقدر حجم السوق، انطلاقاً من تقدير: أن المصادرات هي نسبة 10% من الإجمالي، ليكون حجم السوق الجمالية المقدّرة في 2015: 240 مليون حبة، وقيمتها تصل إلى 4,8 مليار دولار وفق التقدير الدولي لسعر الحبة 20 دولار. بينما تقديرات أخرى تشير إلى أن السعر يتراوح بين 5-20 دولار كما في السوق الأردنية، ما يعني أن حجم السوق السورية الإجمالية المقدّر في عام 2015 يتراوح بين 1,2 وصولاً إلى 4,8 مليار دولار.
إن أرقام المصادرات السورية المعلنة كبيرة، ففي عام 2015 كانت المصادرات السورية الرسمية (24 مليون حبة) تعادل ثلث المصادرات اللبنانية خلال ثلاث سنوات والتي قاربت 70 مليون حبة بين 2013-2016.
وترتبط المصادرات اللبنانية بالسورية، حيث يعتبر لبنان واحداً من الطرق الأساسية للحبوب الخارجة أو العابرة من سورية، ففي آذار 2016 تم مصادرة 2,6 مليون حبة كبتاغون في ميناء طرابلس قادمة من سورية عبر معبر المصنع في ريف دمشق.
في تقرير لمجلة التايم حول تجارة الكبتاغون في سورية، أجرت مقابلة مع غسان شمس الدين رئيس وحدة مكافحة المخدرات في لبنان في عام 2013 والذي أشار إلى أن معظم الحبوب المصادرة – وكانت حوالي 12 مليون حبة – يتم إخفاؤها في شاحنات تعبر من سورية إلى المرافئ اللبنانية، مشيراً إلى أن الحبوب القادمة من سورية تصنع في مصانع محترفة، وقد أشار شمس الدين إلى أن إدارة منشأتين أو ثلاث لصناعة الكبتاغون تستطيع أن تحقق 300 مليون دولار. وكانت إحدى التصريحات الحكومية قد أشارت إلى ضبط 180 ألف حبة في منشأة في مدينة حمص، التي تعتبر باديتها وفق GLOBAL INITIATIVE واحداً من مراكز الإنتاج، بالإضافة إلى ريف حماة الشرقي.
الطرق من سورية للإقليم
يشير التقرير إلى أن الاتجاهات الحالية للكبتاغون تنطلق من سورية عبر خمسة طرق أساسية: براً من سورية إلى لبنان، ولاحقاً عبر البحر إلى الخليج. مباشرة من سورية عبر البحر وإلى ليبيا، من سورية براً إلى تركيا ثم بحراً إلى الخليج، أو للاستهلاك في تركيا ذاتها، وبراً عبر سورية إلى الأردن كوجهة نهائية أو للعبور إلى العقبة فالبحر الأحمر والخليج، وبعضه إلى السودان الذي يعتبر أيضاً مركز إنتاج يستهدف الخليج. الوجهات الأساسية هي الخليج وليبيا وتركيا، كما أنها تمتد إلى أوروبا الغربية، ومؤخراً دخل العراق إلى هذه السوق من سورية...
6,6 طن
المصادرات الأخيرة لحاويات الكبتاغون في اليونان والآتية من سورية بلغت 6,6 طن، وهي مصادرة لكميات في مرّة واحدة أعلى من المصادرات السنوية القياسية في 2015.
4,8 مليار دولار
بلغت المصادرات السورية من الكبتاغون 24 مليون حبة في عام 2015 وهو ما يعني: أن حجم السوق الإجمالية قد يكون 10 أضعاف وفق التقديرات الدولية وهذه قيمتها قد تتراوح بين 1,2- 4,8 مليار دولار في عام واحد.
إن المصادرات القياسية السورية في عام 2015 والبالغة 24 مليون حبة كبتاغون خلال عام واحد أي حوالي 4,8 طن، أشارت إلى وجود سوق قد يتراوح حجمها بين 1,2- 4,8 مليار دولار... ونبّهت إلى أن سورية تتحول إلى رقم هام في سوق الكبتاغون التي يعتبر الإقليم مركزاً أساسياً لها. ولكن المضبوطات الجديدة وفق خفر السواحل اليونانية والتي بلغت 6,6 طن في مصادرة واحدة آتية من سورية، تشير إلى أن هذه السوق مستقرة. تربط التقارير الدولية بين النشاط الإرهابي، وبين توسع إنتاج الكبتاغون في سورية، فالمخدرات هي واحدة من أدوات التمويل الأساسية للمنظمات غير الشرعية، وتحديداً أن جزءاً هاماً من دعم الميليشيات المسلحة في سورية كان يرتبط بتركيا والخليج، والأولى: هي مركز عبور أساسي للمخدرات عالمياً، أما الثانية: فهي مركز استهلاك أساسي وتحديداً للكبتاغون، كما أشار مكتب مكافحة المخدرات الروسي FSKN أن داعش حقق أكثر من 1 مليار دولار من إنتاج ونقل المخدرات. ولكن امتداد الحالة بعد زوال داعش وخروجها من المرافئ السورية كما تشير التصريحات الرسمية اليونانية، ومن النقاط الحدودية السورية اللبنانية، كما أشار مدير مكتب مكافحة المخدرات اللبناني، تدل على أن تجارة الحبوب غير الشرعية والكبتاغون تحديداً قد استقرت بمعزل عن داعش وترتبط بشبكة فساد محلية. منظمة الأمم المتحدة UNODC تقول: (بأن هناك صلات بين سائر أشكال الجريمة المنظمة والتدفقات المالية غير المشروعة والفساد والإرهاب، والفساد هو العامل التمكيني الرئيسي للجريمة المنظمة، حيث توجد فرصة وربح في كل مرحلة من مراحل سلسلة إمداد المخدرات).
إن الأطراف التي تسعى لإدامة الاشتباك في سورية، تعتمد على استقرار السوق السوداء غير المنظمة، لأنه بناء على تجربة العديد من دول الصراعات، فإن التجارة غير المشروعة تتحول إلى أداة تمويل ذاتية لمجموعات الفوضى، وتؤدي إلى استدامة الصراعات وصعوبة حلها... لبنان مثلاً شهد استقرار زراعة الحشيش والكوكايين خلال سنوات الحرب الأهلية الـ 25، وهو لم يخرج من حالة الفوضى إلى اليوم، بل تتطور هذه السوق، وتتغذى بالصراع السوري، حتى أصبح التساؤل الدولي مشروعاً حول استقرار اقتصاد الحبوب غير الشرعية في لبنان، والكبتاغون تحديداً. فهل سورية تسير على هذا الطريق؟ أم أنها سارت خطوات به...؟
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 921