كيف «حُلّت» أزمة المحروقات بنصر للخصخصة

كيف «حُلّت» أزمة المحروقات بنصر للخصخصة

أتت العقوبات الأمريكية وتشديدها، برداً وسلاماً، لا بل نصراً إستراتيجيا ً حتى الآن لوكلاء استيراد المحروقات، «عابري البحار» والقادرين على خرق صفوف العقوبات فداءً للدولارات الإضافية، التي ندفعها نحن... ويجنيها سماسرتنا المحليون والسماسرة الدوليون. العقوبات شدّت عصب خصخصة القطاع، وقطعت أشواطاً خلال أشهر...

تحرير سعر البنزين

بعد اختناقات البنزين، أتى «الفرج» على شكل بنزين أوكتان 95، استطاع أن يصل السوق بسهولة، وبسعر 600 ليرة لليتر، بينما سعره في لبنان 440 ليرة لليتر... ثم لاحقاً تبين أنه قد تم تأمين باخرة نفط خام، شغّلت مصفاة بانياس، وسدّت الاختناق في تأمين المشتقات العادية غير الممتازة... التي بدورها بدأت توزع بسعر أعلى فوق المخصصات. فالبنزين بسعر 350 ليرة و375 ليرة، المنتج من التكرير في المصافي المحلية، يكلّف بحدود 175 ليرة فقط، إذا ما كان النفط بالسعر العالمي، والمصافي تأخذ حصتها وتكاليفها. وكل ما فوق هذا السعر سواء 225 ليرة لليتر، أو 350 ليرة لليتر، أو 375 ليرة، هي تكاليف إضافية ناجمة عن العقوبات، وتشكّل عمولات مستوردي النفط المحليين جزءاً هاماً منها.
إذاً، دفعت العقوبات إلى تحوّل المستوردين المتعاقدين إلى مصدر أساسي لتأمين المحروقات، وبتكاليف إضافية وعمولات، آتية من انتهاز فرصة الظرف الصعب، من جانب كل أصحاب النفوذ والمال الذين لهم مصلحة بأن ندفع أكثر ويربحوا أكثر.

المازوت الإنتاجي حتى الآن

على صعيد آخر تمّ أيضاً تحرير جزء هام من سوق المازوت، حيث سُمح للصناعيين، ثم لاحقاً لمربي الدواجن بأن يستوردوا، وطبعاً تمت هذه العملية أيضاً، بالشكل الذي يحصر خيارات الاستيراد بمن تنطبق عليهم الشروط... وأتى المازوت المستورد للصناعيين بأسعار مرتفعة. وتم تحويل جزء هام من السوق الإنتاجية إلى خارج قطاع التوزيع الحكومي.
وحتى الآن، انتقل جزء من استيراد المازوت الإنتاجي، لخارج صلاحيات محروقات، ولكن هذا لا يعني أن (فيلم) المازوت انتهى... حيث قد ينتظره تحديد كميات استهلاك، ورفع سعر فوق الشرائح الكمية المحددة، كما في البنزين.
أما الطامة الكبرى، فهي مشاركة شركة خاصة في عمليات التوزيع، عبر التعاقد مع الشركة التي «أمنت خدمات البطاقة الذكية». العقد الذي تتحفظ الحكومة عن إعلان بنوده، فلن يكون سهلاً أن توضع على الطاولة وأمام السوريين في اللحظة الحالية، حقائق تتعلق بحصة هذه الشركة من عمليات التعبئة، أو حصتها على البطاقة، وبالتالي حجم المرابح المتوقعة...
ولكن الجميع يعلم أن «أحداً ما»، انتهز الفرصة بسرعة، فقدم خدمات بسيطة، لم يكن من الصعب على شركة محروقات أو جهة حكومية أن تقوم بها، مقابل حصول الجهة الشريكة «نهازة الفرص» على حصة من توزيع البنزين والمازوت والغاز.

مئات ملايين الدولارات السهلة

عندما كان التدفق مستمراً عبر الخط الائتماني الإيراني، وبسعر النفط الخام العالمي، كانت أزمات تأمين الوقود مستمرة... واليوم، بعد أن أصبح كل الاعتماد على «عصبة القلة» التي تتعاقد لتأمين المحروقات لبلد بأكمله، فإن الأزمة ستستمر، والوقود ستزداد تكاليفه، وأصحاب العمولات سينتعشون بالمال السهل المتسخ بالسمسرة وانتهاز فرص التأزم.
والنتيجة، تراجع في كل شيء، أسعار أعلى، إنتاج أقل، مقابل ثراء أكبر وتهريب أموال أكبر.
منذ بداية أزمة المحروقات الأخيرة، تعاقد هؤلاء مع الحكومة بقيمة 1,2 مليار دولار، فإذا ما كانت حصتهم 20% ربحاً فقط، فإننا نتحدث عن أرباح تقارب 240 مليون دولار بظرف أقل من نصف سنة، أما إذا كانت الـ 40% الإضافية التي تسعّر بها المحروقات كلها لهم، فقد أصبحنا نتحدث عن نصف مليار دولار. وكم يبلغ عدد هؤلاء؟! قد لا يتعدون أصابع اليد الواحدة، بل أكثر من ذلك قد لا يتعدون أن يكونوا واجهات لكبار المتنفذين السوريين.

فلنعد للباخرة

لو اشترت الحكومة باخرة نقل نفطية صغيرة «التي قد تكون كلفتها 20 مليون دولار وقد يصل إلى 100 مليون دولار»، وبادرت إلى إنشاء فروع بنكية مستقلة معنية بعمليات محددة فلا تطالها العقوبات، بالتنسيق مع الدول الصديقة... لو حصل هذا لكنا اليوم نستورد نفطاً خاماً بالسعر العالمي، ولا ندفع 40% إضافية، وقد يكون فعلياً من الممكن أن يتأمن بيع البنزين بسعر 200 ليرة للجميع وبكميات أكبر من «قطارة المستوردين والبطاقة الذكية»...
وهذه الآلية هي التي اتبعتها إيران في تجاوز عقود من العقوبات، وبالتعامل مع روسيا، أي: أنّ للطرفين خبرة وتجربة في هذا المجال. ولكن لسورية خبرة وتجربة أيضاً مع درجة الطفيلية والفساد لنموذجها الاقتصادي، الذي يتسلق أقسى الأزمات لينهش... وهو ما يجري اليوم في التعامل مع أزمة المحروقات.

معلومات إضافية

العدد رقم:
912
آخر تعديل على الثلاثاء, 14 أيار 2019 01:07