تمخّضت الوزارة فولدت فأراً سرقة الكهرباء: 0.5% من الإنتاج!

تمخّضت الوزارة فولدت فأراً سرقة الكهرباء: 0.5% من الإنتاج!

تعلن وزارة الكهرباء أنها تعمل على تقليص الاستجرار غير المشروع للكهرباء، وأن هذه العملية تتوسع سنوياً، ولكن البيانات المنشورة تقول عكس ذلك... فما مدى فعالية ضبوطات الوزارة في رصد سرقة الكهرباء، وكيف يمكن أن تكون أكثر فعالية؟
الوزارة نشرت بيانات حول الكميات والقيم الكلّية للكهرباء المسروقة خلال النصف الأول من العام الحالي، نستطلع أهم أرقامها.

48.8 مليون كيلو... لا شيء يُذكر!
48,8 مليون كيلو واط ساعي هي القيمة الكلية للمسروقات من الكهرباء، وهي فعلياً لا يمكن أن تمثل مجمل الاستجرار غير المشروع، من الإنتاج الكهربائي السوري، بل هي عملياً القيمة التي تم تسجيل ضبوطٍ بها من قبل الوزارة، والبالغة حوالي: 15 ألف ضبط. ويدل على هذا نسبتها المنخفضة من الإنتاج بشكل كبير. حيث لا تشكل سوى نسبة 0.5% من الإنتاج بالحد الأقصى! بينما كانت هذه النسبة في عام 2011 تقارب 14-15%.
وقد قدرنا النسبة بافتراض أن إنتاج النصف الأول من العام الحالي، بلغ 10 مليار كيلو واط ساعي، وساوى إنتاج الفترة ذاتها من العام الماضي (وفق التقرير الإحصائي لمركز بحوث الطاقة السوري).
بينما في عام 2011 كانت تقديرات مجمل الفاقد الكهربائي تقارب 30% من الإنتاج الكلي، أي: حوالي: 14 مليار كيلو واط ساعي، من بينها حوالي 7 مليار كيلو واط ساعي فاقد فني في خطوط الشبكة، والباقي حوالي 7 مليار كيلو تقريباً فاقد تجاري.
وبعد أن سجلت وزارة الكهرباء الضبوط، فإنها لم تستطع تحصيل المبالغ المطلوبة كافة، بل تم تحصيل 620 مليون ليرة تقريباً، بينما يفترض أن تبلغ قيمة التحصيل قرابة 1.2 مليار ليرة، وفق وسطي لسعر الكيلو واط 24 ليرة. ما يشير إلى انخفاض الضبوط من المستهلكين الكبار، وتركزها لدى صغار المستهلكين حيث التعرفة أقل.
ألا يتوفر ما يدعم
أرباح الكهرباء العامة؟
النسبة الأكبر من الفاقد التجاري غير مضبوطة، ولا يمكن ضبطها عبر الجباة الدوّارين وعملية المراقبة. بل إن الوصول الجدي إلى تعويض خسائر الكهرباء وفروقات التحصيل يجب أن تكون بطرق أكثر فعالية.
فأولاً: من الضروري معالجة الفاقد الفني الذي يقدر في عام 2011 بنسبة 16%، والذي ازداد بالتأكيد مع تراجع مستويات الصيانة، وزيادة مستويات التخريب في الشبكة خلال سنوات الأزمة.
وثانياً: من الضروري الوصول إلى آلية إلكترونية للاشتراك وتسجيل الاستهلاك والسداد.
إن كلاً من الأول والثاني، يتطلب إنفاقاً حكومياً لتطوير البنية الكهربائية وتحديداً في النقل والتوزيع، الأمر الذي تتحفظ السياسة الاقتصادية عن القيام به حتى قبل الأزمة، وتحديداً بعدها. رغم أن المخصصات الاستثمارية للوزارة مرتفعة نسبياً، والأهم: أن مخصصات الوزارة من دعم الكهرباء المسجل على الورق، لم تقل في أي عام من أعوام الأزمة 200 مليار ليرة، بل وصلت إلى ما يفوق 400 مليار ليرة! وهذه المخصصات هي موضع تساؤل حول وجود دعم فعلي للكهرباء، وتحديداً بعد أن توفر الغاز المحلي، والفيول محلياً، وبعد أن ارتفعت تعرفة الكهرباء بنسب أقلها 300% في الاستهلاك المنزلي! ما يجعل التساؤل مشروعاً: هل فعلاً دعم الكهرباء بمئات المليارات؟ ألا يتوفر منه على الأقل ما يمكن أن يحقق نقلة نوعية في نقل الكهرباء وتوزيعها وتحصيلها؟! ولماذا هذا التحفظ على التطوير الفعلي لإيرادات الكهرباء العامة، وإبقاء الخسائر المتراكمة تسجل على الورق؟!
هل يقصد الجباة
كبار المستهلكين؟
طالما أن الأسئلة السابقة لا تمتلك أجوبة في اللحظة الحالية، إلا التسويف المتعلق بظروف الأزمة، فإنه حين امتلاك الإرادة الفعلية للحد من مسألة هدر الكهرباء، يمكن التعامل بطرق أكثر عملية للوصول إلى مستوى أعلى من تسجيل الضبوط، وذلك عبر التوجه إلى ضبط مخالفات الاستهلاك الأكبر، حيث يتواجد هذا الاستهلاك.
فعملياً نسبة 83% من ضبوط الوزارة تعود للاستهلاك المنزلي، بينما قد يؤدي تركيز الضبوط على المستهلكين الكبار، المنزليين منهم أو الصناعيين والتجاريين، إلى فعالية أعلى في تحصيل المبالغ.
ففي سورية عام 2011 كان 9% من المستهلكين المنزليين الكبار يستهلكون نسبة 10% من الاستهلاك المنزلي. وكان أقل من 1% من المستهلكين التجاريين يستهلكون أكثر من 30% من الاستهلاك التجاري. وحوالي 800 مشترك صناعي يستهلكون 14.5% من الكهرباء، بينما 59 ألف حرفي يستهلكون 0.1% من استهلاك الكهرباء! (قاسيون 599).
وبالتالي، فإن ملاحقة الورش الصغيرة، والمحال التجارية الصغيرة، والمستهلكين المنزليين من سارقي الكهرباء بقيم لا يتجاوز استهلاكها 600 كيلو في الدورة، هي عملية عبثية لأن هؤلاء أعدادهم كبيرة، واستهلاكهم قليل، وقدرتهم على التملص من دفع الفواتير أقل. بينما الفاقد التجاري الفعلي، موجود منطقياً لدى كبار المستهلكين، القادرين على ترهيب الجباة بل الإدارات الكهربائية العليا، عدا عن قدرتهم على تمويلها بالرشاوى، مقابل «النوم على الضبوط المحرزة».

وربما الأهم، السؤال عن حجم الفاقد التجاري الممنوح من الوزارة ذاتها لأكبر المستهلكين. الأمر الذي لا نستطيع تقديره لأنه غير معلن، فالتعرفة الممنوحة لكبار المستهلكين من المستثمرين في القطاع الخاص، على التوتر 230 ك.ف تعرفة غير معلنة، كما كل الشرائح الأخرى، كما تشير قرارات التعرفة الأخيرة، والقرار 1760 الصادر بتاريخ 28-12-2016: «تحدد تعرفة مبيع الكيلو واط، حسب فترات الاستجرار، والعوامل الأخرى التي تضمنتها عقود التزويد بالطاقة الكهربائية، ومقاولات الاشتراك التي يتم إبرامها مع المشتركين على التوتر 230 ك.ف، وتبعاً لنوع الصناعة أو الاستثمار والاستطاعة التعاقدية، وحسبما توافق عليه أو توصي به الجهات الوصائية العليا». فلماذا لا يحق للسوريين أن يعرفوا ما الذي يدفعه، كبار المستهلكين الكهربائيين، وهل يعطى هؤلاء إعفاءات كهربائية، وتخفيضات؟ وما حصة هؤلاء من الفاقد الكهربائي، ومن الفارق بين الإنتاج والتحصيل؟!

آخر تعديل على الإثنين, 24 أيلول/سبتمبر 2018 12:49