EEF: لإزالة الدولار من جدول الأعمال
عقد المنتدى الاقتصادي الشرقي «EEF» لهذا العام في مدينة فلاديفوستوك الروسية في الفترة من 11 إلى 13 أيلول الجاري. وهو المنتدى الذي تأسس في عام 2015، ليصبح بشكل تدريجي منصة لتخطيط وإطلاق مشاريع لتعزيز العلاقات التجارية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
في هذا العام، جمع المنتدى وفوداً من أكثر من 60 دولة لمناقشة موضوع «الشرق الأقصى: توسيع نطاق الإمكانات»، وجرى عقد ما مجموعه 100 فعالية، شارك فيها أكثر من 6000 مشارك خلال الأيام الثلاثة. كما تم توقيع 175 اتفاقية بقيمة 2،9 تريليون روبل (حوالي 4،3 مليار دولار). وللمقارنة، وصل المبلغ إلى 2،5 تريليون روبل (ما يقرب من 3،7 مليار دولار) في عام 2017.
وكان الوفد الصيني هو الأكبر (1،096 شخص)، يليه اليابانيون (570 عضواً). وشملت قائمة الضيوف رئيس منغوليا ورؤساء وزراء اليابان وكوريا الجنوبية. كما كانت هذه هي المرة الأولى التي يحضر فيها الرئيس الصيني شي جين بينغ اللقاء لمقابلة نظيره الروسي، حيث تصدرت قضية إزالة الدولار من المعاملات التجارية جدول الأعمال، ولا سيما مع تأكيد روسيا والصين على اهتمامهما بتوسيع استخدام العملات الوطنية في صفقات ثنائية.
خلال المنتدى، أكد رئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي، كيريل ديميترييف، على أن الصندوق ينوي استخدام العملات الوطنية (فقط) في معاملاته مع الصين، ابتداءً من عام 2019، وأن روسيا سوف تتعاون مع بنك التنمية الصيني. وتحققُ عملية التحول نحو اليوان تقدماً ملحوظاً مع العقود الآجلة للنفط الخام في شانغهاي، بزيادة حصته في أسواق النفط إلى 14% أو أكثر. ولا سيما بعد أن وقعت الصين اتفاقات مع كندا وقطر على التبادل بالعملات الوطنية.
تكتسب عملية إزالة الدولار من جدول الأعمال زخماً في جميع أنحاء العالم. إذ بات هنالك عدد متزايد من الدول المهتمة باستبداله: تقود روسيا السباق لحماية نفسها من التقلبات والعواصف والعقوبات والحروب التجارية التي خاضتها الولايات المتحدة. وتدعم موسكو التجارة غير المقومة بالدولار مع أنقرة، وسط الأزمة الكبيرة التي تعصف بالليرة حالياً، حيث تتحول تركيا من الدولار إلى الاتفاقات المقومة بالعملات الوطنية، بما في ذلك في تجارتها مع الصين ودولٍ أخرى. وشيئاً فشيئاً، تتسع قائمة الدول المنضوية في هذا النوع من العمليات المناهضة للدولار، ففي نيسان الماضي، حوّلت إيران جميع مدفوعاتها الدولية إلى اليورو.
أوروبا ليست بعيدة عن التخلي
على هذا النحو، تخوض الأصوات الداعية إلى إلغاء الدولرة صراعاً مع الحلفاء الأوروبيين الأقرب للولايات المتحدة. ففي شهر آب الماضي، دعا وزير الخارجية الألماني هيكو ماس إلى إنشاء نظام جديد للدفع مستقل عن الولايات المتحدة. ووفقاً لأقواله، ينبغي ألا تسمح أوروبا للولايات المتحدة بالعمل «دون علمنا ومشاركتنا وعلى حسابنا»، إذ يريد المسؤول تعزيز الحكم الذاتي الأوروبي من خلال إنشاء قنوات دفع مستقلة، وإنشاء صندوق نقدي أوروبي وبناء نظام سريع مستقل.
وخلال تقديم برنامجه السنوي، دعا رئيس اللجنة الأوروبية جان كلود يونكر في 12 أيلول الجاري الاتحاد الأوروبي لتعزيز اليورو كعملة عالمية لتحدي الدولار. ووفقاً له، «يجب أن نقوم بالمزيد للسماح لعملتنا الموحدة أن تلعب دورها الكامل على الساحة الدولية ». ويعتقد جونكر أنه «من العبث أن تدفع أوروبا 80٪ من فاتورة استيراد الطاقة التي تبلغ قيمتها 300 مليار يورو سنوياً- بالدولار الأمريكي عندما يكون 2٪ فقط من وارداتنا من الطاقة تأتي من الولايات المتحدة». قدم في خطابه عن حالة الاتحاد للبدء في تنفيذها قبل الانتخابات البرلمانية الأوروبية في مايو.
خطة روسية مقترحة
للتخلي عن الدولار
في هذا الصدد، طرح رئيس مجموعة «في تي بي» المصرفية الروسية أندريه كوستين من على منصة منتدى الشرق الاقتصادي في الشرق الأقصى الروسي، جملة من الخطوات للتخلي التام عن الدولار في التعاملات التجارية. والخطوات التي اقترحها المصرفي الروسي عبارة عن خارطة طريق تقوم على 3 نقاط أساسية، الأولى: تدعو لتحول روسيا السريع في عمليات التصدير والاستيراد نحو استخدام العملات الأجنبية الأخرى غير الدولار. أما النقطة الثانية: فتتضمن إعادة كبرى الشركات الروسية تسجيلها داخل الأراضي الروسية، تجنباً للعقوبات الأمريكية التي قد تستهدفها. فيما تتضمن النقطة الثالثة طرح السندات الروسية المقومة بعملات أجنبية في السوق المحلية. وتوقع كوستين، أن تتخلى دول العالم عن الدولار كأداة للتسويات التجارية، وذلك في ظل سياسية واشنطن العدائية.
وقال في حديث لوكالة بلومبرغ: «أعتقد أنه لا مفر من التخلي عن الدولار في ظل الوضع الحالي، حيث إن الولايات المتحدة تستخدم الدولار سلاحاً في يدها، وإذا استمرت في اتباع نفس النهج، فليست روسيا وحدها التي ستبتعد عن الدولار، بل ودول أخرى ستختار ذلك أيضاً».
وعن الشركات الروسية التي بدأت بتنفيذ صفقات خارجية بعيداً على العملة الأمريكية، أشار كوستين إلى عملاق الألماس الروسي «ألروسا»، وقال: إن المجموعة أبرمت مؤخراً صفقاتها باليوان الصيني عوضاً عن الدولار.
الضرب في جذر
الهيمنة الأمريكية
يمثل الدولار 70% من مجموع معاملات التجارة الدولية، بينما يمثل اليورو نسبة 20% فقط، أما الباقي فهو لليوان والعملات الآسيوية الأخرى. وتبقى قيمة الدولار مرتفعة لجعل أسعار السلع الاستهلاكية منخفضة بشكلٍ مصطنع في الولايات المتحدة. كما أن الطلب على الدولار، يسمح بإعادة تمويل الديون الضخمة بأسعار فائدة منخفضة. وعليه، فقد تسببت سياسة واشنطن التي تقوم على الحروب التجارية والعقوبات وما إلى هنالك من وسائل بلطجة اقتصادية برفع الجاهزية لدى خصومها الاستراتيجيين للشروع بعملية عالمية واسعة لإزالة الدولار من جدول الأعمال الدولي. ليتبين بذلك أن استخدام واشنطن للتدابير «العقابية» كأداة في السياسة الخارجية هو تماماً بمثابة إطلاق النار على القدم، الذي أدى بهذه الحالة إلى رد فعل عنيف لتقويض وضع الدولار كعملة احتياط عالمية، أي: توجيه الطلقات بالضبط نحو أساس القوة الاقتصادية للولايات المتحدة.