الاستثمار الصناعي الخاص في 2017: عدده- مستوياته- رأس ماله
يدخل سنوياً إلى ميدان العمل الصناعي السوري منشآت جديدة، بعضها يعمل وفق تراخيص رسمية، والآخر يعمل في الظل دون تراخيص... وزارة الصناعة تنشر سنوياً عدد المنشآت الصناعية المرخصة التي دخلت العمل ونُفّذت خلال عام، لتشير هذه البيانات إلى التغيرات في الحركة الاستثمارية الصناعية في الظروف السورية الحالية.
قاسيون، ترصد من خلال بيانات تقرير صادر عن مديرية الاستثمار الصناعي تغيرات الاستثمار الخاص في هذا القطاع من حيث: حجمه الاستثماري، التشغيل وفرص العمل، تغيراته بين ما قبل الأزمة، وبين أكثر سنواتها تراجعاً ومؤشرات أخرى.
نبدأ من استعراض البيانات الأساسية ضمن التقرير، والتي تورد عدد المنشآت الصناعية التي بدأت العمل في 2017 بناء على حجمها: كبرى استثمارية وفق قانون تشجيع الاستثمار 3، ومنشآت صناعية محلية وفق قانون تنظيم الصناعة رقم 21 لعام 1958، ومنشآت حرفية وفق المرسوم رقم 47 لعام 1952، بالإضافة إلى توزعها حسب أنواع العمل الصناعي.
والجدول التالي يوضح أعداد المنشآت الصناعية المنفذة، ورأس مالها، وعدد عمالها، وفق تصنيفات حجمها:
مقارنات مع أعلى وأدنى نقطة
بالمقارنة بين عدد المنشآت المنفذة في عام 2017، وبين العام السابق 2016 فإن التغيرات طفيفة، حيث توسع عدد المنشآت بنسبة 7% فقط. ولكن التغيرات الملفتة هي بالطبع بين ما قبل الأزمة وعام 2017، وبين عام 2013 حيث أدنى مستوى صناعي خاص والفترة الحالية. حيث رغم أننا لا زلنا بعيدين عن مستويات تنفيذ المشروعات الصناعية قبل الأزمة، إلا أن المؤشرات تقول: إن الاستثمار الصناعي الخاص قفز قفزات هامة عن أدنى نقطة قبل الأزمة.
بلغ عدد المنشآت الصناعية المنفذة في عام 2011: 1075 منشأة. بينما تراجع في عام 2017 إلى 788 منشأة صناعية منفذة.
بلغ عدد المشاريع الصناعية الاستثمارية 30 في 2011 وتراجع إلى 3 في 2017، بينما بلغ عدد المنشآت الصناعية المرخصة 574 متراجعاً في 2017 بنسبة 18%، أما المنشآت الحرفية فقد تراجعت بمقدار الثلث من 453 منشأة إلى 307.
بلغ عدد المنشآت الصناعية المنفذة في عام 2013: 277 منشأة، بينما ارتفع في عام 2017 إلى 788 منشأة صناعية منفذة.
بلغ عدد المشاريع الصناعية الاستثمارية 3 في 2013 ولم يتغير في 2017، بينما كان عدد المنشآت الصناعية المرخصة 106، وارتفع إلى 468 منشأة في 2017، بنسبة توسع 340%، أما المنشآت الحرفية المنفذة في 2013 لم تتعدّ 168 منشأة ارتفعت إلى 307 في 2017 بنسبة 82%.
من المقارنة بين عام 2017 وأصعب أوقات الأزمة في 2013، وبين 2017 وعام 2011 أي ما قبل الأزمة، يتبين بأن المشاريع الصناعية متوسطة الحجم، وغير الاستثمارية هي الأكثر مرونة بالتعامل مع الظروف المتغيرة، وتحديداً الأمنية والسياسية منها. فعلى الرغم من أن الميزات والتسهيلات المقدمة للمشاريع الكبرى الاستثمارية هي أكثر، ولكنها عملياً بسبب رؤوس أموالها الكبرى ومصادر تمويلها الإقليمية، لا تمتلك المرونة الكافية للتعامل مع ظروف من هذا النوع، رغم أنها أكثر قدرة على التكيف مع ظروف تغير التكاليف، وتراجع الاستهلاك، وصعوبات التصريف، التي عانت منها المنشآت الصناعية والحرفية بشكل كبير. وبطبيعة الحال فإن المنشآت الحرفية أقل قدرة على التكيف مع الظروف الاقتصادية، بسبب صغر حجمها، وتأثرها الكبير بتغيرات التكاليف.
مع الانتقال نحو أوضاع سياسية وأمنية أفضل، فإن المنشآت الاستثمارية الصناعية الكبرى ستنتعش، بينما ستتراجع قدرة المنشآت المتوسطة والصغيرة على المنافسة، رغم محاولات هؤلاء خلال الأزمة للاستمرار، وستكون عملية حمايتهم ورفع جدوى نشاطهم الاقتصادي عالية الأهمية وخاصة أنهم يوظفون نسبة أعلى من 99% من عمال الصناعة المرخصة، بينما توظف المشاريع الاستثمارية الكبرى أقل من 1% من عمال الصناعة في الظروف الحالية.
أي مستقبل للمنشآت المتوسطة والصغيرة؟!
المنشآت الاستثمارية الصناعية الأقل عدداً: 3 فقط، تمتلك الجزء الأكبر من رأس المال الموظف في الاستثمار الصناعي في عام 2017، حيث 3 منشآت من أصل 788 منشأة، تمتلك نسبة 48% من رأس المال.
الشكل التالي يوضح الحصة الوسطية للمنشأة الصناعية، من كل نوع من أنوع المنشآت: الاستثمارية الكبيرة- الصناعية المتوسطة- الحرفية الصغيرة، من رأس المال، وعدد العمال:
تمتلك المنشأة الصناعية الاستثمارية الكبرى رأس مال وسطي يعادل رأس المال الوسطي الذي تملكه 175 منشأة صناعية مرخصة بترخيص صناعي، ويعادل رأس المال الوسطي للمنشأة الاستثمارية الكبرى رأس المال الوسطي لأكثر من 656 منشأة حرفية صغيرة. في تباين كبير في مستويات رأس المال، لن تتيح مع الوقت استمرارية عالية للمنشآت المتوسطة والصغيرة.
وفق هذه البيانات تتوضح لدينا تكلفة تشكيل فرصة العمل الحالية في الاستثمار الصناعي الخاص، وبمقارنتها مع عام 2010 تظهر بعض التغيرات... الجدول التالي يوضح التكاليف الوسطية لفرصة العمل الصناعية حسب حجم المنشآت، ووسطي كلفة فرصة العمل الصناعية، ومقارنتها مع الكلفة في عام 2010:
باستخدام بيانات تقرير الاستثمار السوري لعام 2011، يتبين: أن رأس المال الموظف في المشاريع الاستثمارية الصناعية المنفذة في عام 2010 بلغ: 12،3 مليار ليرة تقريباً، أي: حوالي: 245 مليون دولار مقابل، تشغيل: 1803 عامل، أي: بوسطي تكلفة استثمارية للعامل: 136 ألف دولار. وفق سعر صرف وسطي 50 ليرة مقابل الدولار.
أما في المنشآت الصناعية المتوسطة أو ذات الترخيص الصناعي فقد بلغ رأسمال المنفذة منها في عام 2010: 9،8 مليار ليرة، أي: حوالي: 196 مليون دولار، شغلت: 5672 عامل، أي: بوسطي تكلفة استثمارية للعامل: 34،5 ألف دولار.
يلاحظ من المقارنة بأن المنشآت الصناعية الاستثمارية الكبرى، تجري تغيرات هامة على طبيعة استثماراتها بين ما قبل الأزمة، واستعداداً لما بعدها. حيث مقابل كل فرصة عمل كانت تولدها في عام 2010 كانت تدفع رأس مال يعادل: 136 ألف دولار، بينما أصبحت مقابل كل عامل في عام 2017 توظف رأس مال: 489 ألف دولار، أي: أنها ضاعفت من رأس المال مقابل كل عامل أكثر من مرتين ونصف. لتعتمد على تكثيف رأس المال وزياته، وتشكيل نقلة في نسبة الاستثمار إلى العمال.
أما المنشآت الصناعية المحلية المتوسطة غير الحرفية، فهي عملياً تفعل العكس، أي: تزيد من كثافة العمال، وتقلل من كثافة رأس المال، فبينما كانت في عام 2010 توظف مقابل كل عام رأس مال وسطي يعادل 34500 دولار، فقد انخفض رأس المال هذا إلى 8900 دولار مقابل كل عامل في عام 2017.
فأي مصير ومستقبل ينتظر هذه المنشآت المتوسطة، في ظل تفاوت معدل رأس المال لكل عامل، وما ينجم عنه من تفاوت في الإنتاجية بين المنشآت الكبيرة، والصغيرة، وتفاوت بالتالي في الحصة من السوق، والأرباح؟! وما أثر تراجعها وتركها لمصيرها على ضرورات التشغيل في الصناعة الخاصة... التي إن تركت إلى الاستثمار الكبير، فإن الكلفة الاستثمارية لتشغيل 100 ألف عامل فقط ستبلغ قرابة 50 مليار دولار!