«سويفت»... نظام الحصار المالي الغربي

«سويفت»... نظام الحصار المالي الغربي

في عالم المال، يلعب نظام SWIFT الدور الأبرز والأهم في الضبط والتحكم المالي الغربي... والنظام المسمى بجمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك، تأسس في عام 1973 من 248 بنك من 19 دولة، وتوسع ليضم 10 آلاف منظمة مالية من أكثر من 210 دول، بقدرة على التحكم بكل التعامل المالي مع هذه المنظمات وبعملات معينة...

يمر سنوياً عبر نظام سويفت قرابة 4 مليارات صفقة مدفوعات، وبمبالغ يومية تقدر بتريليونات الدولارات لمدفوعات المعاملات المالية، التي تمر عبر البنوك والمؤسسات الشريكة في «جمعية سويفت»
نستطيع القول: إن سويفت تتحكم اليوم بمجمل المدفوعات العالمية، فهي عملياً الوسيط الذي يربط بنوك العالم كافة. ولكن الأهم في هذه المجموعة هم أعضاؤها الأبرز: أي: منظومة البنوك المركزية الست المسماة:G6، وهي بنوك مراكز المنظومة المالية الغربية: البنك الفيدرالي الأمريكي، المركزي الأوروبي، بنك إنجلترا، البنك الياباني، البنك السويسري، والبنك الكندي.
91% مدفوعات من ست عملات
العملات التي تطبع في هذه البنوك المركزية الست، هي العملات الأساسية التي تمر عبر نظام مدفوعات سويفت، ورغم أن النظام يدرج في تداولاته 20 عملة عالمية، إلا أن هذه العملات الست تشكل نسبة 91.7% من المدفوعات الدولية التي تمر عبر النظام. أي أن 91% من التريليونات التي تعبر عبر المنظومة، هي صادرة عن هؤلاء الأعضاء الخاصين، بينما أقل من 10% من المدفوعات تتم بـ 14 عملة أخرى.
يساهم الدولار واليورو بالنسبة الأكبر من مدفوعات نظام سويفت حيث شكلا نسبة 80.7% من تعاملات سويفت الدولية العابرة للحدود في عام 2017. وقد شهدت حصصهما تغيرات، لينخفض الدولار بنسبة ملفتة ويرتفع اليورو، فخلال عامي 2015-2017 انخفضت حصة الدولار بنسبة 6.6%، وارتفعت حصة اليورو بنسبة تقارب 10% من تعاملات سويفت الدولية، ولكن بقي الاثنان يشكلان النسبة الأكبر بما يزيد عن 80%، ما يعني تحكم كبير بالتعاملات المالية الدولية لأكثر من 10 آلاف منظمة مالية عبر العالم.
الصين وسويفت: بغض متبادل
من بين العملات الـ 14 المتبقية في نظام سويف، يبدو تدني نسبة اليوان الصيني ملفتاً للنظر، فهو لم يشكل إلا نسبة 2.3% من المدفوعات الدولية عبر نظام سويفت، وانخفض في عام 2017 إلى 1.6%.
وتبدو هذه النسبة القليلة متناقضة مع الدور التجاري والتمويلي الصيني الكبير، ومع الموقع السريع الذي حجزته الصين كعملة احتياطية دولية. فبعد أن أدرج صندوق النقد الدولي في عام 2015 اليوان الصيني كواحدة من عملات سلة الاحتياطي العالمي، سارع اليوان ليحتل المرتبة الثالثة عالمياً بنسبة 10% بعد الدولار واليورو، ومزيحاً البوند البريطاني، والين الياباني إلى المرتبتين الرابعة والخامسة.
ولا يمكن تفسير هذه المفارقة إلا باتجاهين أولهما: توجه لدى منظومة سويفت بعدم قبول توسيع التعامل باليوان الصيني ضمن المؤسسات المالية المشمولة والثاني: توجه الصين إلى التعامل بعملتها مع شركائها التجاريين بشكل مباشر، وخارج حصن سويفت، لحماية تعاملاتها التجارية بعملتها من الانخراط الواسع في منظومة سويفت.
ولكن رغم هذا فإن اعتماد الاقتصاد الصيني واليوان على عملات البنوك المركزية الست لا يزال عالياً، وهو ما يوقعها في خطر التحكم المالي والتضييق لمنظومة المؤسسات المالية الغربية المدرجة في نظام سويفت. حيث إن عقوبات أو تضييق على التعامل التجاري مع الصين، يجعل كل الأعمال الصينية التي تتعامل بأي من العملات الست بخطر...
وحتى الآن شكلت المبادلات بين اليوان والدولار نسبة 97.8% من مجموع عمليات مبادلة العملة الصينية في عام 2017، بينما اليورو نسبة 1.28%، والوون الكوري الجنوبي: 0.97%، والين الياباني: 0.2% ونسب أقل لعملات أخرى. وتدل هذه النسبة على أن التعاملات الصينية الدولية تتم بنسبتها الساحقة بالدولار.
كل تعامل بالدولار...
وقوع في الشرك
هناك تعاملات صينية بالعملات كما مع روسيا، ولكن لا تنشر البيانات الصينية نسبها، ولكن بيانات المركزي الروسي حول حصة الروبل في التعاملات مع الصين تشير إلى نسبة 2.7% من الواردات، و9.4% من الصادرات، أي: إن النسبة الأكبر من التعاملات التجارية بين البلدين تتم بعملات أخرى غير محلية.
حيث حصة الدولار من عائدات الصادرات الروسية إلى الصين في عام 2017 بلغت: 78.8%، وكذلك الأمر على صعيد المدفوعات الروسية مقابل الواردات من الصين فتبلغ نسبة 76% في عام 2017.
ما يعني: أن التعاملات الدولية بين البلدين لا تزال مهددة بشكل جدي بالعرقلة، لأنها تتم بمعظمها بالدولار، بالتالي تلقائياً عبر منظومة سويفت، ما يعني أنه من الممكن عرقلتها عبر العقوبات والتضييقات، وإلزام أكثر من 10 آلاف منظمة مالية عالمية على منعها، أو عدم المساهمة فيها، أو إيقاف خدمات المساهمين فيها، والمساهمون فيها هنا، يعني: كل طرف يدفع دولاراً أو يورو أو عملة أخرى من العملات الست بالدرجة الأولى، في هذا التعامل. ما يؤدي إلى صعوبات كبرى في التمويل، والدفع، وتنويع النشاط الاقتصادي، وتقليص شركائه الخاصين.
من الواضح أن كلاً من الصين وروسيا تقلصان من استخدام الدولار في تعاملاتهما التجارية، فحصته الكبيرة التي تتجاوز ثلاثة أرباع التداولات قد انخفضت بشكل ملحوظ خلال الفترة بين 2013- 2017، وبنسبة انخفاض تقارب 20 نقطة مئوية، حيث كان الدولار يساهم بنسبة تفوق 95% من التعاملات بين البلدين.
ولكن بقاء ثلاثة أرباع التداولات التجارية بين البلدين بالدولار، يعني تعرضها لخطر التوقف والعرقلة عبر سويفت، وهو خطر سياسي واقتصادي كبير، وسلاح هام نظرياً لدى المنظومة المالية الغربية، في وجه أعدائها الاستراتيجيين.


عن مقال وضع العملات الدولية من منظور سويفت- كاتاسانوف
إن التعامل بالعملات المحلية ضرورة ملحّة لكل القوى الدولية الصاعدة التي تجد نفسها في مواجهة اقتصادية سياسية مباشرة مع المنظومة المالية الغربية، ولكن هذه المواجهة المتعادلة عسكرياً واقتصادياً إلى حد بعيد، هي مواجهة صعبة مالياً... فالغرب أسس أدوات هيمنة مالية محكمة منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، وخلال المرحلة النيوليبرالية في الثمانينات تحديداً... ونظام سويفت أحد تجلياتها، حيث يؤدي التعامل بالدولار تلقائياً إلى فسح المجال للحصار المالي من قبل أكثر من 10 آلاف منظمة مالية دولية من بنوك وغيرها. المواجهة في المعركة المالية تتطلب منظومة مالية جديدة، أساسها عدم التعامل بالدولار أو عملات البنوك المركزية الغربية الست، وأدواتها سلسلة بنوك تمويل مستقلة تماماً عن منظومة الغرب.