45 تريليون دولار... ديون الحكومات (المتقدمة)
عالجت المنظومة المالية العالمية الأزمة المالية في عام 2008، بتوسيع الأزمة إلى مستويات غير مسبوقة، أي: عالجت الداء بالداء، وكبرت الفقاعة المالية التي انفجرت في عام 2008 بمعدلات قياسية عبر سياسة إسكات السوق المالية، بتزويدها بالمال السهل المتدفق من البنك الفيدرالي الأمريكي...
اليوم تطرق الأزمة المالية الجديدة الأبواب، ولكنها تأتي اليوم وسط ارتفاع ديون الحكومات عبر العالم وفي الدول المتقدمة إلى مستويات قياسية.
حذرت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OECD، من الاتجاه القادم لارتفاع الدين الحكومي في (الدول المتقدمة)، الذي يشكل تحدياً حقيقياً أمام ميزانياتها، وذلك مع اتجاه أسعار الفائدة للارتفاع عبر العالم. مشيرة إلى أن التمويل المعتمد على الديون السيادية للدول، قد لن يكون آلية مستمرة في مستقبل الأسواق المالية العالمية رغم ارتفاع عوائده.
ارتفع الدين السيادي لمجموعة دول منظمة التعاون من 25 تريليون دولار في عام 2008 إلى أكثر من 45 تريليون دولار في هذا العام. وبلغت معدلات الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بالمتوسط لهذه الدول: 73% في العام الماضي. وقد استدانت هذه الدول في هذا العام فقط ما يقارب 10,5 تريليون جنيه استرليني من الأسواق.
حيث حذر خبراء بنك جي بي مورغان من أن ارتفاع أسعار الفائدة سيشكل تحدياً بوجه الحكومات التي عليها أن تستدين من السوق في هذا العام. حيث من المتوقع أن رفع أسعار الفائدة سيحرك المستثمرين نحو سندات الدين الحكومية عالمياً، التي سترتفع عوائدها، أي: ستزداد تكاليف سدادها على الحكومات.
ولأن الجزء الأكبر من الدين السيادي قد تشكل في أعقاب الأزمة المالية في عام 2008، فإنه سيستحق السداد خلال السنوات القادمة، وعلى الدول المتقدمة أن تعيد تمويل 40% من سندات دينها في السنوات الثلاث المقبلة، أي: تستدين لسداد الدين.
* Rising tide of debt to hit rich countries’ budgets, warns OECD- FINANCIAL TIMES.
يعلم القائمون على المنظومة المالية العالمية، بأن الفقاعة التي تم تشكيلها خلال العقد الذي تلا الأزمة المالية في عام 2008، ستنفجر في وقت من الأوقات، ولكنهم يحاولون التحكم نسبياً في أوان واتجاهات انفجارها، وهذا ما يظهر من التلويح برفع أسعار الفائدة، ووقف تزويد السوق (بالمال الرخيص)، وسط الدين العالمي الهائل. الرفع الذي سيؤدي إلى صعوبات سداد عالمية، والذي يؤدي إلى تحول الاستثمارات المالية في السوق، من الشركات وأسهمها، إلى سندات الحكومات، وتحديداً سندات الخزينة الأمريكية، ما يؤدي إلى إعادة تجميع كبرى للمال من خسارات السوق، وحتى من خسارات كبرى الشركات العالمية، باتجاه هذا النوع المحدد من الأوراق المالية، الذي يعود ربحه إلى كبار مالكي النقد العالمي، والمستثمرين الخاصين للبنك الفيدرالي الأمريكي. وتعتبر هذه العملية ليس فقط إعادة تجميع ومركزة رؤوس الأموال لدى هذه النخبة المحددة، بل تعتبر محاولة لحماية الدولار في ظل الضغط العالمي عليه. ولكن حماية هذه الورقة المالية، أي: سندات الدولار، سيكون على حساب ميزانيات الدول المتقدمة من الولايات المتحدة إلى مجموع الدول الأخرى، التي ستسعى إلى سداد هذه الديون لهؤلاء عبر توسيع ما تأخذه من شعوبها، ومن شعوب العالم... وهذه العملية تصبح أعقد مع تحول بعض شعوب العالم إلى دول صاعدة تستطيع أن تهدد قيمة الدولار جدياً، وتسارع في بناء منظومة مالية بديلة.