استملاك عكسي...
يشكل السكن نسبة 29% من تكاليف المعيشة الشهرية المقدرة لأسرة سورية في بداية العام الحالي، وبوسطي لقيمة الإيجار بين دمشق وضواحيها: 80 ألف ليرة شهرياً: بينما 125 ألف في ضاحية دمر، و70 ألف في جرمانا، و50 ألف في ضاحية قدسيا. وقيمة الإيجار هذه تبلغ 230% من الأجر الوسطي الشهري، أي تحتاج إلى أكثر من أجرين شهرياً لتدفع الإيجار.
يحتاج المواطن اليوم في سورية إلى 20 سنة من الأقساط الشهرية 80 ألف ليرة ليستطيع شراء منزل بسعر وسطي: 20 مليون ليرة! وهذا المستوى من الأسعار متجه نحو الارتفاع، ليرفع معه أسعار الإيجارات بكل تأكيد، بل وعموم المستوى العام للأسعار، حيث للعقارات أثر عام على الأسعار، وارتفاعها مؤشر للتضخم، وفقدان العملة لقيمتها. أما لماذا سعر العقارات مرتفع إلى هذا الحد؟ فالسبب بسيط ويكمن في المضاربة على أسعار الأراضي والعقارات، ولأن أصحاب الأموال والمالكين في ظروف النشاط الاقتصادي الفعلي ضعيف الجدوى، لا يجدون طريقاً أسهل من رفع سعر ما يملكون، لمضاعفة أموالهم...
أما القيمة الفعلية للعقار المنشأ، فتكمن بعيداً في العمل المبذول لتجهيز ونقل مواد البناء الأولية، وتجهيز الأرض للبناء، والعمل المبذول في البناء بحد ذاته، وهذه كلها لا تشكل إلا نسبة تتراوح بين أقل من 20% وصولاً إلى 40% من سعر العقار، والباقي لريع الأرض.
إن إعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي، وتحويل العقارات إلى سلعة تستخدم لحاجتها، وليس لتبييض الأموال، وقابلة للتداول من قبل محتاجيها الفعليين، أي: حوالي 13 مليون سوري فقدوا منازلهم! هي مسألة ملّحة ومنطقية في المرحلة القادمة لحل واحدة من المشاكل الاجتماعية الكبرى التي إن لم تحل، فإن العواقب الاجتماعية والسياسية ستكون وخيمة على من حرم السوريين من حاجتهم للمأوى...
أما الحل فيكمن في عدة مجالات، ولكن جوهره الأساس، هو: إنهاء النسبة المرتفعة لريع الأرض والعقارات، وإعادة الجزء الأكبر من الأراضي كما كانت تاريخياً ملكية عامة، وسعرها قريب للصفر!
أما كيف... فالطريقة سهلة: فإن كانت الدولة التي تهيمن عليها مصالح الكبار تستملك تاريخياً من الفقراء ليستثمرها الأغنياء، فإن العملية يفترض أن تنقلب.
أي يجب أن تعيد الدولة استملاك أراضيها التي وهبتها للمستثمرين، وتحولها إلى ملكية عامة، تستخدم في قطاع إنشائي يهدف إلى تأمين السكن، وليس إلى تبييض الأموال، ولكن هذا الإجراء البسيط للاستملاك لينعكس من الأغنياء للفقراء، يحتاج أن يكون لعموم السوريين إمكانية وصوت وقدرة على تحويل الضرورة إلى إمكانية.