في ندوة الثلاثاء الاقتصادية د. نبيل سكر يدعو إلى: خصخصة القطاع المصرفي الخصخصة.. ليست حلاً للإصلاح المصرفي

وصلت مناقشة ملف الإصلاح في ندوة الثلاثاء الاقتصادية إلي قضية الاصلاح المصرفي التي طرحت في الندوة بشكل مساو تماماً للخصخصة المصرفية ! كيف لا ومن حاضر في الندوة هما: د. ناصر السعيدي من لبنان و د. نبيل سكر من سورية المعروفان بتبنيهما لمبادئ الليبرالية الاقتصادية، ومع أن محاضرة د. سكر كانت مكتوبة ومحضرة مسبقاً - كما قال - لكنها لم توزع على الحضور وفضّل نشرها في إحدى صحف «القطاع الخاص»!!

ترك تحديد سعر صرف الليرة للسوق يعني تدميرها.

من الذي يستطيع الادخار في هذا الوضع المعاشي؟.

القطاع الخاص ينتظر فتح مصارفه على المرتاح

حتى استثناءات تطبيق اتفاقيات منظمة التجارة العالمية حكر على الدول المتقدمة!

اللا تدخل بحركة النقود في السوق يعني:لا سياسة نقدية.

الإصلاح المصرفي لايعني الخصخصة المصرفية

الإصلاح الحقيقي!

اعتبر د سكر أن صدور القرار الذي يسمح بإنشاء المصارف الخاصة هو الخطوة الأولى الحقيقية باتجاه الاصلاح (وكأن الاصلاح يرتبط بشكل مباشر بالقطاع الخاص!)

وأضاف متهكما:ً «حتى ذلك الحين القريب كانت الإصلاحات المصرفية تتركز حول رفع رؤوس أموال المصارف ورفع سقوف الإقراض وتدريب الكوادر وإجراء تعديلات في أنظمة العمليات و تحديث التقنيات المحاسبية في المصارف».

والسؤال ألا تعتبر تلك الإجراءات خطوة حقيقية نحو الإصلاح؟ ولو أنها نفذت بشكل جدي وصحيح ألم نكن قد قطعنا أشواطا كبيرة في عملية الإصلاح المصرفي؟؟

من الواضح أن الإصلاح يرتبط في أذهان هؤلاء بقضية الخصخصة فقط، وكأن المشكلة أساساً تكمن في تغيير نمط الملكية لا في الممارسات التي أقل ما يمكن القول عنها أنها خاطئة.

البورصة

 تهكّم د. سكر على الذهنية التي تعتبر سوق الأوراق المالية (البورصة) «رثاً من عمل الرأسمالية» و هذا يدل بشكل واضح على تجاوزه لنقاط أساسية معروفة في القواعد الاقتصادية فيما يخص موضوع البورصة و هي:

- هناك ثلاثة عوامل رئيسية تؤثر في عرض النقد وهي: إجمالي أسعار البضائع المنتجة خلال سنة، وسرعة التداول النقدي، وعنصر الزمن. حيث ينتج مقدار عرض النقد من تقسيم السعر الإجمالي لكتلة البضائع على سرعة التداول في وحدة الزمن و التي تكون غالبا سنة كاملة.

- إن مجموع أسعار كتلة السلع المنتجة مجدداً في العالم تعادل ما يقارب 30 ترليون دولار بينما يبلغ حجم الكتلة النقدية التي تخدم هذه السلع حوالي 300 ترليون دولار و هي بهذا الرقم متضاعفة 80 مرة عما كانت عليه عام 1990 و إذا قارنا بين هذه الوقائع و بين معادلة عرض النقد الموضحة آنفاً نجد اختلافا كبيرا إذ أن حجم الكتلة النقدية التي تخدم السلع يجب أن يكون أقل من حجم كتلة قيم السلع لأن سرعة دوران النقد تكون أكثر من دورة واحدة في السنة أي أنه إذا كان لدينا 90 ل.س سلع وسرعة دوران النقد 3 دورات في السنة فإن كتلة النقود اللازمة لتخديم هذه السلع هي:

90/3 = 30 ل.س ومن الواضح أن هذه الكتلة أقل بكثير من مجموع الأسعار

أما الواقع فيشير إلى وجود كتلة نقدية فائضة عن قيم السلع في العالم، وهذه الكتلة تحتاج إلي التنقل بسرعة كبيرة حتى تضيع في الفلك الإلكتروني، والبورصة تؤمن هذا الدور فتبدأ عمليات البيع و الشراء وتنتقل الأموال من شخص لآخر بسرعة فائقة مشكّلة اقتصاداً افتراضياً قائماً على البورصة.

ومن دون اقتصاد البورصة هذا لا يمكن للرأسمالية أن تستمر على هذا الوضع، فالبورصة إن لم تكن رثاً من عمل الرأسمالية فهي إحدى إكسيرات الحياة اللازمة لها حتى تستمر، وهي تعمق الطابع الطفيلي للرأسمالية لأنها تكبح الإنتاج و تعيش على حسابه.

الإصلاح المصرفي والنمو

بيّن د. سكر أن الاقتصاد السوري يحتاج إلي «تحقيق معدلات نمو لا تقل عن 7 إلي 8% في السنة حتى يستطيع استيعاب البطالة التي يقدرها البعض بـ 20% و العمالة الجديدة التي تقدر بـ 250ألف فرد في السنة»  وبرأيه أن عملية النمو هذه تتطلب «مدخرات واستثمارات محلية وأجنبية من جهة، وارتفاعاً في كفاءة استخدام الموارد الرأسمالية من جهة أخرى»،  ومن المعلوم وجود علاقة قوية بين الادخار المفترض تحويله إلى استثمار وبين النمو، إذ أن الاستثمارات الحقيقية لا بد أن تؤدي إلى زيادة الإنتاج و زيادة الدخل وهو أمر يتطلب كفاءة في الاستخدام ولكن إذا كانت عملية النمو هذه ستعتمد على مدخرات أجنبية فما الضامن لئلا يكون هدف الرأسمال الأجنبي هذا هو استغلال موارد البلاد وتحويل أرباحه للخارج بل وسحب تمويله في اللحظة التي يشعر فيها بأنه محاصر؟.

أما عن الادخار المحلي فمن يستطيع الادخار في سورية في وضع معيشي لا يسمح للأغلبية الساحقة بأن تحقق الحد الأدنى المعيشي؟

أما القلة القليلة الموزعة بين برجوازية طفيلية وبرجوازية بيروقراطية فهي تعيش أصلا ًعلى مبدأ النهب و يمكن اعتبارها من أهم المدخرين و بالتالي المحركين لعملية النمو، لكن ليس في سورية فقط بل في دول أخرى أيضاً لأسباب نعرفها جميعا و لا يمكن حلها بجلب مصارف خاصة!

إذا الإصلاح المصرفي يرتبط بإصلاح نظام الأجور ونظام الأسعار وبالقضاء على الفساد ولا يمكن فصله عن باقي الإصلاحات، أو اعتبار الخصخصة حلاً له.

المصارف ومنظمة التجارة العالمية

كثيراً ما نقرأ في كتابات الاقتصاديين الليبراليين بأن «العولمة» آتية لا محالة ولا بد لنا من الاندماج بها بدلاً من أن نبقى خارجها كما تبرر الإجراءات الليبرالية المتخذة في قطاع معين بأنها أمر لا بد منه للدخول إلى منظمة التجارة العالمية والحقيقة أن هذا الكلام غير دقيق وفيه استغلال لجهل القارئ بما يتعلق باتفاقات منظمة التجارة العالمية فالدول الكبرى نفسها لم تطبق مبدأ التحرير الكامل على كل سلعها وخدماتها ودائما هناك استثناءات وهناك طرق يمكن الالتفاف بها على نصوص منظمة التجارة العالمية ويجب ألا يكون ذلك احتكاراً آخر للدول الكبرى.

وهكذا يبرر د. سكر «إن قرار سورية الأخير ببدء التفاوض للدخول في منظمة التجارة العالمية يعطي الحاجة للتطوير المصرفي بعداً جديداً إذ أن هذا الدخول يتطلب من سورية تحرير تجارة الخدمات كما تحرير تجارة السلع وتنضوي الخدمات المصرفية ضمن هذا التحرير ويعني بموجب اتفاقية التجارة العالمية السماح للدول الموقعة عليها بالدخول بمصارفها الأجنبية و يجب معاملتها بنفس طريقة معاملة المصارف المحلية».

والواقع أنه على كل دولة تنضم إلي الغاتس (اتفاقية تحرير الخدمات ) تقديم جدول التزامات و استثناءات و يمكن اختيار حد أدنى من الالتزامات و هو تحديد نشاط خدمي واحد تتمتع فيه الدولة المعنية بميزة نسبية، و يمكن أن يكون على سبيل المثال السياحة، وبالتالي فان ما يقال عن ضرورة تحرير خدمات المصارف بما يتناسب مع متطلبات الغاتس كلام غير دقيق.

تعويم سعر الصرف

يطالب د. سكر بتعويم سعر صرف الليرة السورية مقابل العملات الأخرى أي ترك تحديده إلى قوى السوق (عرض و طلب) وذلك عن طريق «التحرير التدريجي وصولاً إلى إلغاء نظام الرقابة على القطع».

والسؤال هنا: هل تستطيع سورية في الوقت الحالي حماية الليرة السورية التي تعتبر مرآة للاقتصاد؟؟

هل يمكن ترك تحديد سعر صرف الليرة لقوى العرض و الطلب العفوية أو المتحكم بها احتكارياً؟ الأمر الذي أثر سلباً على عملات الكثير من الدول التي لم تعد تستطيع دعم عملتها إلا من خلال الاقتراض الخارجي؟ و لبنان مثال حي على ذلك.

اللاسياسة النقدية

ينتقد د. سكر عدم وجود سياسة نقدية واضحة للدولة بالإضافة إلى الممارسات الخاطئة في هذا الخصوص مثل « ابتداع الدولة لما يسمى السحب على المكشوف من البنك المركزي الأمر الذي أدى إلى زيادة معدلات التضخم في الثمانينات » وموضوع «تحديد الفوائد إداريا»، وبالرغم من صحة هذه الملاحظات إلا أن الحل الذي تبناه د. سكر يدل على تبنيه شعار مدرسة شيكاغو  التي أسسها ملتون فريدمان حيث تقول هذه المدرسة إن النقود هي الأساس القادر على إحداث تقلبات في عمليات إعادة الإنتاج لكنها قادرة في الوقت نفسه على العمل بآلية معينة تبعث الاستقرار بشكل مستمر في الاقتصاد الرأسمالي أي أن هذه المدرسة تتبنى شعار اللا تدخل بعمل النقود في السوق وبالتالي اللا سياسة! لأن السياسة النقدية تتطلب سيطرة واعية على المؤشرات النقدية بهدف الوصول إلى أهداف مستقبلية واضحة فهي: الإجراءات التي تقوم السلطات النقدية بها للتأثير على حجم الكتلة النقدية و علاقات الائتمان بغية التأثير على معدلات النمو الاقتصادي و الحفاظ على مستوى مستقر للأسعار.

فهل تجري المطالبة بالسياسة أم باللاسياسة؟؟! مع العلم أن هذه اللاسياسة هي سياسة بحد ذاتها.

مقومات النظام المصرفي المتطور

طرح المحاضر مقومات للنظام النقدي المصرفي المتطور على الشكل التالي: وجود أربعة أنواع من المؤسسات المالية هي:

المصارف بأنواعها: المؤسسات المالية غير المصرفية (كصناديق الاستثمار و التقاعد...).

أسواق الأوراق المالية: (أسهم ،سندات).

البنك المركزي: ورأى أنه لإنجاح هذه المؤسسات في عملها لا بد من وجود بنية مالية تحتية قوامها الأنظمة المحاسبية والكوادر البشرية والمصرفية وأنظمة الإفصاح المالي كما يحتاج إلى بيئة تشريعية وتنظيمية خارج النظام النقدي، ووحدات إنتاجية كفوءة ومرنة، ونظام قضائي نزيه ومستقل وأنظمة مبسطة وواضحة للعمليات الاقتصادية، ذلك بالإضافة لتحقيق توازن في الاقتصاد الكلي (ميزان المدفوعات و الموازنة).

وإذا كنا نوافق مع د. سكر على اعتبار تلك المقومات هي ما يميز النظام المصرفي المتطور (مع التحفظ على موضوع البورصة باعتبارها يجب أن تكون مكاناً لتبادل الأسهم و السندات بغير قصد المضاربة الآنية لتحقيق الأرباح). فإن تلك المقومات قادرة على تأمين عمل أي مصرف بغض النظر عن ملكيته، ومن المخجل الطلب من الدولة تأمين كل تلك المقومات و المناخ المناسب ومن ثم سحب مصارفها من العمل ليأتي بعد ذلك القطاع الخاص و يفتح مصارفه (على المرتاح) ؟!

دعوة صريحة إلى الخصخصة

دعا المحاضر في أماكن سابقة إلى «إصلاح القطاع العام الذي يسبب خسائر كبيرة للدولة»، ورأى أنه «لا بد من تجميده إلى أن تتضح استراتيجية معينة لهذا الإصلاح». والكلام للسيد المحاضر الذي أكد بصراحة في هذه المحاضرة على ضرورة الخصخصة ووضح الخطوات اللازمة لذلك فيما يخص القطاع المصرفي قائلاً: «أعتقد أنه لا حل لإصلاح القطاع العام المصرفي إلا بخصخصته كلياً أو جزئياً و أقترح أن يجري التخصيص على مرحلتين:

الأولى: ويجري فيها تخصيص المصرف الصناعي والعقاري و مصرف التسليف الشعبي و التوفير كلياً أو جزئياً.

والثانية: يجري فيها تخصيص المصرف التجاري السوري».

و برر ضرورة  الحفاظ على الملكية العامة للمصرف التجاري السوري والمصرف التعاوني الزراعي في المرحلة الأولى بأن « الأول يجب أن ينتظر الإصلاح العام الاقتصادي لكي لا يحرم من التمويل، أما المصرف الزراعي التعاوني فمن المستبعد خصخصته لعدم جاذبية التمويل الزراعي للقطاع الخاص».

وبرأيه أن ذلك القرار(الخصخصة) سيوفر «خدمات جديدة و متطورة لا تقدمها المصارف القائمة مثل توفير القروض الشخصية وقروض المستهلك و الصراف الآلي وإصدار البطاقة الائتمانية»، وهو بذلك يتجاوز تجربة حقيقية لتطوير الخدمات تعيشها بعض المصارف العامة أهمها تجربة المصرف العقاري.

نوايا...!

وبعد كل ذلك قال السيد المحاضر «أود التأكيد أن دعوتي للخصخصة هذه ليست بدءاً بدعوة إلى الخصخصة الشاملة و إنما هي صرخة لإنقاذ هذه المصارف من مصير أراه واضحاً أمامي وضوح الشمس لا يقل عن مصير القطاع العام الاقتصادي».

الوضع القائم

أنشأ قانون النقد الأساسي 3 أجهزة على قمة النظام المصرفي السوري هي البنك المركزي، مجلس النقد و التسليف اللذان يوكل إليهما مهمة إحياء السياسة النقدية وإدارتها بما يتضمن تحديد سعر الصرف وأسعار الفائدة بما يتناسب مع الأوضاع الاقتصادية القائمة،إضافة إلى مفوضية الحكومة لدى المصارف التي تتولى مهمة الإشراف والرقابة على المصارف القائمة و في حال نفذ ذلك بشكل سليم و باستقلالية لا تعني الميل إلى القطاع الخاص كما يفهمها البعض تحت مظلة ضرورة « تحديد هوية النظام الاقتصادي الذي نريد»فإنها ستكون بداية حل مشاكل القطاع المصرفي بكامله خاصة بعد أن أبرز د. سكر أن القطاع الخاص يرى في المصارف الخاصة مصدراً لتمويل نشاطه وخاصة مستورداته و ما دام القطاع الخاص يفكر بهذه الطريقة فأي تنمية يمكن التفاؤل بها منه؟!.

الكحل أفضل من العمى

هناك وقت قصير قبل العام القادم  الذي يعتبر المهلة الأقرب لافتتاح أول المصارف الخاصة، وبالرغم من أن المصارف القائمة لا تقوم بدورها في تجميع المدخرات الوطنية و توجيهها في اتجاه التنمية لكنها على الأقل لا تقوم بممارسات تؤدي إلى حدوث هزات في الاقتصاد الوطني، وليس هذا دفاعاً عن وضع خاطئ قائم وإنما هو تحذير مما يمكن أن يحمله المستقبل إلينا إن لم نكن يقظين كفاية.

 

* جهينة

معلومات إضافية

العدد رقم:
172