قرار حكومي يبشر بارتفاع قادم بأسعار لحوم العواس!.. رغبات التجار ومصالح رأس المال لا تزال صانع القرار الاقتصادي الفعلي في سورية

تحدثنا في مقال سابق عن أربعةُ قراراتٍ هزَّت عرشَ الاقتصاد الوطني، وفكَّت لغزَ صناعة القرار الاقتصادي في سورية، الذي يخدم التجار وأصحاب الثروات بالدرجة الأولى، والتي كان قرار وزارة الاقتصاد القاضي بالسماح بتصدير نصف مليون رأس من ذكور الأغنام أحداها، والذي ترك ندبة في جسد سلة المستهلك السوري، برفعه أسعار لحم العواس بنحو 40%، وكان بناءً على نصيحة قدمها المصدرون للحكومة حينها، معتبرين أن سماح الحكومة بتصدير 500 ألف رأس من الأغنام، سيخفض أسعار لحوم العواس 50%، وإلى 250 ليرة سورية للكيلو غرام، ولكن التساؤل الأساسي، ما هو مبرر موافقة وزارتي الاقتصاد والزراعة على السماح مجدداً بتصدير 500 ألف رأس من ذكور الأغنام والماعز الجبلي اعتباراً من الأول من شهر أيار القادم ولغاية 31 / 12 / 2012؟! وما هي منعكسات هذا القرار على المستهلك السوري؟! والذي يجب أن ينصب الاهتمام على دراسته، وعليهم وضعه برأس قائمة اعتبارات أي قرار حكومي!.

تكرار السيناريو القديم
بالعودة إلى الوراء قليلاً، لا بد من التذكير بالقرار السابق لوزارة الاقتصاد القاضي السماح بتصدير نصف مليون من ذكور الأغنام وذكور الماعز الجبلي، والذي يحمل الرقم 2345 بتاريخ 11-8-2011, الذي تضمن السماح بتصدير 500 ألف رأس إضافية، وجرى تصدير الكمية بأغلبها بعد أسبوعين تقريباً، والتي تعادل 50% من إجمالي الكميات المُصدّرة في الأعوام السابقة؟! أي أن مصدرينا وصلوا إلى رقم قياسي بأقصر الآجال الزمنية على قاعدة «أضرب واهرب»، وبتاريخ 28 آب من عام 2011 تراجعت الوزارة عن قرارها السابق، وأصدرت قراراً يوقف العمل بقرار السماح بتصدير الأغنام، واليوم يعيدون السيناريو ذاته، فهل سنشهد تراجعاً حكومياً قريباً عن هذا القرار؟! والذي يجب أن يتم اتخاذه بناءً على إحصائيات واقعية للثروة الحيوانية، وعلى أولوية الحفاظ على قطيع الأغنام والماعز السوري، واعتبار الاكتفاء الذاتي، وتأمين حاجة السوق أولوية قبل سواها.

سقوط المبررات
قد يفترض البعض أن السماح بتصدير الأغنام قد يدخل للبلاد نقداً أجنبياً نحن بأمس الحاجة إليه، ولكنه يتناسى في المقابل، أن الأمن الغذائي للسوريين، والذي يعتبر تأمين السلع الغذائية بأسعار عادلة تتناسب مع القدرة الشرائية للسوريين أحد ركائزه الأساسية، ولكن هذا القرار سيرفع أسعار اللحوم بالتأكيد، وسيحرم جزءاً غير قليل من السوريين من إمكانية شراء هذه المادة، كما أن النقد الأجنبي الذي يمكن أن يدخل البلاد لن يتعدى الـ5 مليار ليرة جراء بيع 500 ألف رأس من الأغنام، وستصب بالمحصلة في جيوب بعض المصدرين، فهذا الرقم ليس بـ»بالمحرز» مقارنة بالاحتياطي النقدي المعلن في سورية والمقدر بنحو 16 مليار دولار، لكي نفرط من أجله بثروتنا الحيوانية، أو بالأمن الغذائي للسوريين، فهل المستهلك العربي بدول الخليج أو بغيرها من الدول هو صاحب  الحق بثروتنا الحيوانية تلك من السوريين المالكين الحقيقيين لها؟!...
 
بعكس القانون الاقتصادي
منذ البداية لم نستطع فهم القاعدة التي بنى عليها المنتجون والمصدرون الحلبيون مقترحاتهم التي تفترض تخفيض الأسعار إذا ما تم تصدير الأغنام، فأبسط قوانين الاقتصاد الكلي، هو قانون العرض والطلب، والذي يفترض به أن يلعب الدور الأساس في تحديد الأسعار في ظل الانفتاح الاقتصادي، وبالتالي، فإن استمرار الطلب على مادة الأغنام على وضعه الطبيعي في السوق المحلية، إن لم نقل زيادته، مقابل التراجع المفترض في العرض، مع تنشيط قانون السماح بالتصدير، سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار منطقياً، لا بل إن تصدير الأغنام للخارج، سيخفض المعروض في الداخل، وهذا ما حصل فعلاً في الماضي، وأدى لارتفاع أسعار اللحوم الحمراء في السوق السورية، بما يزيد على 200 ليرة للكيلو غرام الواحد في أسوأ الأحوال، دون أن يعرف طريقه إلى الانخفاض بعد إلغاء القرار، لتثبت أسعار اللحوم على حالتها المرتفعة تلك، فهل سيبشرنا هذا القرار الحكومي بارتفاع قادم بأسعار لحوم العواس؟!
وأمام هذا القرار الجديد، فمن حقنا التساؤل: ألم يكن من المفترض على الحكومة دراسة انعكاسات قرارها الحالي السماح بتصدير الأغنام على المواطن السوري؟! وهو من تحمل تبعات قرار كهذا في الشهور القليلة الماضية، فدراسة الجدوى من أي قرار هي في صلب عمل وزارة الاقتصاد منفردة، والحكومة بشكل عام..
 
فوق مصالح الاقتصاد الوطني
ثروتنا الحيوانية في تراجع، وهذا التراجع ما هو إلا إحدى نتائج قرار السماح بالتصدير أساساً، وهذا يعني أن على القرار الحكومي أن يراعي مؤشرين اثنين عند اتخاذ قرار يخص الثروة الحيوانية، الأول، ما هو حجم ثروتنا الحيوانية، وهل تسمح أعدادها بالتصدير أم لا؟! والاعتبار الأخر، يحدد في ضوء السعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وضمان حاجة السوق المحلية أولاً قبل سواها، وكلا المؤشرين سلبيّان، فأعداد الأغنام تتراجع، وأسعار العواس تحلق في الأسواق، وهذا يؤكد أنه لم يكن هناك ما يستدعي اتخاذ قرار تصدير الأغنام مجدداً سوى السعي لاسترضاء المصدرين، وبما يخدم مصالحهم التي يعلو صوتها فوق مصالح الاقتصاد الوطني، وحاجات أغلب السوريين، هؤلاء المصدّرون الذين في المحصلة «بياكلو البيضة والتقشيرة»، مثلهم مثل تجار سوق الهال، بينما لا يحصل المربون إلا من «الجمل أذنه»..
 
المستفيد الأوحد
لم يأت قرار السماح بتصدير نصف مليون رأس من ذكور الأغنام سابقاً من صياغة الحكومة فقط، بل أتى استجابة لمقترحات 300 مصدر ومنتج حلبي، أوصوا السماح لهم بتصدير مليون رأس من الأغنام، والذي لم ينجح بتخفيض أسعار لحوم  العواس والوصول بها إلى 250 ليرة لكل كغ واحد حينها، أي أن هذه الوصفة لم تتحقق كما حددها المصدرون في كتابهم لوزارة الاقتصاد والتجارة؟!  أي القرار الحكومي يرضخ لرغبات التجار ومصالح رأس المال، وفي هذا القرار رضوخ جديد لمصالح هؤلاء،
المنطق يفرض على الحكومة الحالية أن تكون على مستوى وحجم التحديات، لا أن تمثل بأدائها إحدى المشكلات الإضافية لواقع مأزوم بالأساس، فيجب عليها دراسة الآثار السلبية لأي قرار اقتصادي قبل الإيجابية، والتشاور فيه مع الخبراء الاقتصاديين، وليس مع أطراف في هذا القرار، تسعى جاهدة لشدّ القرار إلى جانبها، وبما يخدم مصالحها..
فالمربون والمستهلكون متضررون من هذا القرار حتماً، حتى وإن كان المربي قد استفاد من «الجمل أذنه» من وراء هذا القرار، إلا أن المصدرين هم المستفيدون الفعليون من كل ذلك؟! فالقرار اتخذ ليخدم مصلحة طبقة أصحاب الثروات، ويبدو أنهم ما زالوا صنّاع القرار الاقتصادي الفعلي حتى في زمن حكومتنا الراهنة، حيث يسير هذا القرار حسب رغباتهم، وبما يتناسب مع مصالحهم! بينما يقف الاقتصاد السوري والمواطن بموقف المتفرج على خساراتهم..