رغم فلتان الأسعار.. جوقة تلفزيونية للدفاع عن التجار وتبرير الاحتكار! التراجع عن إجراءات اقتصاد السوق ... المقدمة الصحيحة لضبط الأسواق..

من على منبر إحدى الشاشات التلفزيونية السورية، أطلت ثلاثٌ من الجهات الحكومية والتجارية المتصلة بقضية ارتفاع الأسعار والأسواق، وهم معاون وزير الاقتصاد السوري، ومدير هيئة المنافسة ومنع الاحتكار، وعضو في غرفة تجارة دمشق، واجتماعهم لم يكن لخير المواطن السوري طبعاً، وقولنا هذا، لن يكون من بوابة التجني، بل انطلاقاً من أدائهم ومنطقهم المجافي للحقيقة خلال الحلقة التلفزيونية المذكورة، وما أوصلتنا إليه ممارساتهم ونتائج قراراتهم أيضاً، فالمقدمات الصحيحة هي التي تؤسس لنتائج صحيحة، وهذه أولى منطلقات الفكر الفلسفي، فخلال تلك الحلقة،ـ أشار هؤلاء إلى نظرتهم لمشكلة الأسعار والأسواق، وهذه النظرة، هي التي أدت لتعرية أدائهم، وإثبات تورطهم مجتمعين في استغلال المواطن السوري، وإنهاكه اقتصادياً بما يخدم مصالحهم وزيادة أرباحهم، وبما يعزز عملية نهبهم للوطن والمواطن على حدٍ سواء...

 منطق مهين
القضية تختزل وحسب وجهة نظر هؤلاء بارتفاع الأسعار، والتي يجب تقبلها من جانب السوريين كأمر طبيعي، حتى لو وصل الارتفاع إلى 200%، فالشكر الكبير يجب أن يوجه للتجار، الذين يقومون بتأمين السلع للسوريين، ونطقهم في ذلك، هو عدم فقدان أي من السلع الأساسية في الأسواق المحلية حتى الآن، حتى لو رفعوا أسعارها بشكل جنوني، أليس في هذا المنطق إهانة لعقول السوريين، والمتناغم مع ما يقوله التجار، وما يخدم مصالحهم، متناسين أن الارتفاع الجنوني للأسعار قد حرم السوريين من اقتناء تلك السلع المرتفعة أساساً، بقوة غلاء الأسعار، فبقاء السلعة بهذا السعر أو عدم توفرها يصبان في الخانة نفسها، وهو عجز جزء غير قليل من السوريين عن شرائها..
 
 دلائل دامغة
والقضية الأخرى التي أبدع الحاضرون في إنكارها، هي نفي وجود احتكار في الأسواق من كبار التجار، وكأن إيقاف أو الحد من تدفق أو انسياب سلعة ما في الأسواق لفترة مدروسة، ليجد التاجر المبرر لرفع سعرها، لتتوفر بعدها في الأسواق مجدداً، أليس هذا شكلاً من أشكال الاحتكار؟! وكيف يمكن أن يفسر لنا هؤلاء غياب بعض السلع بسعرها الحقيقي في الأسواق، وتوفرها الفجائي بالسعر المرتفع رغم الحديث عن انقطاعها؟! أليس الاحتكار هو السبب؟! بمعنى أن السلعة متوفرة في مخازن التجار، وهم القادرون على حجبها عن الأسواق، لإمكانية التنسيق المريح فيما بينهم، ولامتلاكهم الفائض النقدي الذين يمكنهم من حبس السلعة في مخازنهم، وهو ما سيمكنهم مستقبلاً من زيادة أرباحهم ومضاعفتها في هذه الحالة...
 
 فارق الأسعار.. إلى جيوب من؟!
وثالث تلك التبريرات، هي التي تجعل من أسعار الصرف المسؤول الأوحد عما تعانيه الأسواق من ارتفاع في أسعار السلع والمواد، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج الزراعي أيضاً، فإذا ما تحدث البعض عن ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج كحجة لارتفاع أسعار السلع المحلية، فإن من حقنا سؤاله: لماذا يبيع المزارع السوري بعض مواده وسلعه الزراعية بنحو 10 ليرات للكيلو الواحد، في الوقت الذي يصل فيه سعر الكيلو الواحد من السلعة ذاتها إلى المستهلك بنحو 30 ليرة؟! فالفارق بين الاثنين يبلغ 200%، وهذا الفارق يمكن سحبه على أغلب أسعار السلع والمواد الزراعية المنتجة محلياً، فإلى جيوب من وصل هذا الفارق؟! أليس التجار وأسواق الهال هم المسؤولون عن ارتفاع أسعار السلع؟!
 
 احتكار متأصل
أما بالنسبة لارتفاع أسعار الصرف حكاية أخرى، فمع ارتفاع أسعار الدولار تحركت أسعار السلع صعوداً، إلا أنها لم تنخفض مع تراجعه بنحو أكثر من 35 ليرة سورية للدولار الواحد، كما أن ارتفاع أسعار السلع لم يتناسب مع ارتفاع أسعار الدولار، الذي ارتفع بنحو 50%، بينما ارتفعت أسعار السلع والمواد الغذائية وغير الغذائية المستوردة بأكثر من 100%، كما أن التجار لم يقدموا إجازات استيراد خلال الفترة التي ارتفع فيها الدولار إلى مستويات قياسية، إلا أنهم رفعوا أسعار موادهم بما يتناسب مع ارتفاعات الدولار رغم أن موادهم مستوردة بأسعار دولار أقل من حالته الراهنة..
ولمن نسي نذكره بقرار إيقاف استيراد المواد التي تزيد رسومها الجمركية عن 5%، ولمدة لا تزيد عن 10 أيام، أي أن المواد المشمولة بالقرار لم تكن لتتأثر بهذه المدة القصيرة، إذا ما اعتمدنا منطق توافر السلعة من عدمه في الأسواق، إلا أن الأسعار ارتفعت حتى للسلع غير المشمولة بالقائمة بنسبة تصل إلى 30%، ولم تعد الأسعار لوضعها بعد طي القرار، ألا يؤشر ذلك على وجود احتكار متأصل في الأسواق؟!..

 الحل بالتراجع عن اقتصاد السوق
 ورابع ما نظرت له «جوقة الدفاع عن التجار»، هو دفاع مدير هيئة المنافسة ومنع الاحتكار عن اقتصاد السوق الاجتماعي، وعدم اعتبار هذا التحول الاقتصادي هو الجذر الحقيقي لمشكلة ارتفاع واختلال الأسواق والأسعار معاً، متناسياً عن قصد أو عدم معرفة، أن تصحيح تلك العلاقة بين الأسعار ، يرتبط حصراً، بالتراجع عن نهج اقتصاد السوق، فجذر المشكلة هو تحرير 85% من أسعار السلع والمواد، وتحكم التجار باستيراد السلع وبالتجارة الخارجية أيضاً، حتى أن مؤسسات القطاع العام (مؤسسة الاستهلاكية، ومؤسسة الخزن والتسويق) تشتري موادها المستوردة من الرز والسكر وغيرها من القطاع الخاص الذي يستوردها أساساً مما يزيد حلقات التي تمر بها السلعة في طريق وصولها للمستهلك، فحل مشكلة الأسعار تكمن بالتراجع عن قرارات اقتصاد السوق، لأن القوانين الاقتصادية شجعت على تغلغل الاحتكار بدلاً من أن تكون الرادع الأساسي له، فبنية الاقتصاد المشوه، وشبكات المحتكرين التي تسيطر على الأسواق، تجعل اقتصاد السوق يساهم في توسيع الفجوة بين السوريين ويعمق مشكلة الأسعار أيضاً.