«الثلاثاء الاقتصادي» حول الشراكةالأوروبية «لن ننقاد كقطيع من الأغنام إلى هذه الهاوية..»
الثلاثاء الاقتصادي هذه المرة كان مع الدكتور نبيل مرزوق الذي قدم رؤية إجمالية لاتفاقية الشراكة السورية الأوروبية، محاولاً إماطة اللثام عن التفاصيل العالقة فيما بين الطرفين في هذه الاتفاقية وأبعادها «الهادفة إلى إدماج اقتصادات المنطقة العربية في الفضاء الاقتصادي الأوروبي في إطار عملية العولمة الجارية» وهذا الإدماج، وكما قدم د. مرزوق لمحاضرته، لا يختلف جوهرياً عن مشروع الإدماج الأمريكي عبر السوق الشرق أوسطية الذي ينطوي على تكريس تبعية المنطقة العربية لتبعية كتلته ذات الرأس الإسرائيلي.
د. مرزوق لم يسأل فقط عن الغاية من الشراكة، ولا عن منعكساتها على الاقتصاد والمجتمع السوريين ولا إلى أي مدى تتعارض مع منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى إنما بدأ بالسؤال البديهي وهو: إلى أي حد يعرف المواطن السوري عن هذه الاتفاقية،أو بمعنى آخر، فوجىء المواطن السوري «بأن الاتفاق يمكن أن ينجز في الجولة الثانية عشرة للمفاوضات والتي من المحتمل انعقادها في 15/12/2003 حيث بقيت المباحثات بالنسبة للمفاوض السوري شأناً خاصاً طي الكتمان، وأضفى عليه طابع السرية، في الوقت الذي تمس فيه الشراكة كافة جوانب حياة المواطن الاقتصادية والاجتماعية وعليه التعامل معها ومع نتائجها ولفترة غير محددة كما ينص الاتفاق»..
إدماج وليس شراكة
قدم د. مرزوق مراجعة تاريخية سريعة للعلاقات الأوروبية-العربية حول المتوسط باعتباره المغناطيس الجغرافي الجاذب للقطبين، واختلال الموازين تاريخيا إلى حين الاستعمار الأوروبي لمنطقتنا، ومن ثم الاستقلال لينتهي به الحديث إلى إعلان برشلونة1995لإطلاق مشروع الشراكة الأورومتوسطي والذي «شاركت فيه الأردن بالرغم من أنها لا تتمتع بأي منفذ على البحر المتوسط سوى أنها كانت قد وقعت اتفاقية وادي عربة مع الكيان الصهيوني» وبخلاف مشاريع الشراكة السابقة يحمل هذا المشروع أبعاداً سياسية وأمنية واجتماعية وثقافية تتمثل فيها خطورته.
«إذ أن الجانب الاقتصادي بدا مشفوعاً بهذه الجوانب» ففي الجانب السياسي لا يأخذ الإعلان موقفاً واضحاً من الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين في حين يبدي اهتماماً واضحاً بمسألة حقوق الإنسان أما في الجانب الاقتصادي والمالي فالإعلان كان واضحاً ومحدداًُ في هذا المجال «تحرير الأسواق وفق اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، وحرية حركة رأس المال، وحرية الاقتصاد ودعم القطاع الخاص، وبناء مؤسسات اقتصاد السوق» أما في جانبه الثقافي فقد عكس إعلان برشلونة الهاجس الأمني الأوروبي من تنامي الهجرة الشرعية والسرية كمشكلة بالنسبة للبلدان الأوروبية التي تعد اليوم أكثر من عشرة ملايين مسلم بين قاطنيها وبالتالي لم يكن الإعلان إلا مشروعا لإدماج المنطقة العربية في عجلة العولمة واقتصاد السوق مما سينعكس لاحقاً على السياسات.
سورية والشراكة
نقاط ما زالت عالقة عددها الدكتور مرزوق في ندوة الثلاثاء تبين طبيعة التوجهات الأوروبية ومقاصدها، كما آلية التفاوض فيما بين الطرفين. فمثلاً تقترح سورية في إحدى البنود حول تشجيع التعاون الأورومتوسطي على عبارة (من خلال الاندماج بين سورية والدول العربية) فيما يصر الأوروبيون على عبارة (من خلال الاندماج بين سورية وشركائها الإقليميين) وهنالك فرق واضح ما بين الدلالتين «يوضح الرغبة الأوروبية بدفع سورية للاندماج مع تركيا وإسرائيل على حساب اندماجها في وسطها العربي» عدا الخلافات التي تتعلق بالسيادة الوطنية والتي تمسها الاتفاقية مباشرة وتنتقص منها. وقد وافقت سورية في الجولة العاشرة من المفاوضات على مرجعية اتفاقية الغات والاتفاقيات المنشئة لمنظمة التجارة العربية على الرغم من عدم انضمامها لهذه المنظمة، كما هنالك خلاف يبين بوضوح الالتصاق الأوروبي بالموقف الأمريكي الداعم لإسرائيل، فيما يتعلق بشكل الحوار السياسي ضمن الاتفاقية، إضافة إلى مسائل اقتصادية عالقة تتمثل في التحرير الجزئي أو الكلي لسوق النقد (وفي الحالتين خربان البيت) وكذلك في البروتوكولات الخاصة بالمنتجات الزراعية التي تجنب الجانب الأوروبي التحرير الكامل لها «ومع ذلك وافق الوفد السوري على حرية تنقل الاستثمارات والأرباح الناجمة عنها وحرية تسييل الاستثمارات وعودتها إلى منشئها بغض النظر عن الاختلالات التي ستنعكس على ميزان المدفوعات».
ماذا بعد ذلك؟
بعد ذلك سيكون للاتفاقية انعكاسات على أرض الواقع ود. مرزوق يقول إن «نص الشراكة لا يلزم الأوروبيين باتخاذ مواقف تضامنية مع سورية.. وقد تلجأ إلى التدخل في السياسات الداخلية بذريعة التدخل الإنساني ومكافحة الإرهاب» كما أن فرض قيم الليبرالية الاقتصادية من شأنه «تغييب القيم الوطنية والاجتماعية» كما أن دور سورية في الاتفاق «سيكون هامشياً نتيجة لاختلال التناسب في موازين القوى» والفائدة الاقتصادية من هذا الاتفاق ستكون محدودة نتيجة لمحدودية صادراته الصناعية وضعف قدراتها التنافسية في سوق مفتوحة وكذلك بالنسبة للصادرات الزراعية عدا أن تراجع دور الدولة الاقتصادي سينعكس سلباً على عملية التنمية ويفاقم أزمة البطالة وسيودي بالقطاع العام .
العمادي والرومانسيون الجدد
العمادي، وباعتباره رئيساً للجلسة، أراد قلب الطاولة على د. مرزوق بعد أن عدَّد الأخير مخاطر الانضمام إلى هذه الاتفاقية والتي تصل إلى حد الكارثة. فتحدث بلغة وزير الاقتصاد الحالي وليس الأسبق حينما كان يقول: «بعض القضايا في الاتفاقية من شأن وزارة الداخلية أو الخارجية أو غيرهم والأخوة في الوزارات يعرفون ما يريدون ويستطيعون تحديد شروطهم»!
وكذلك كان لا بد من درس في التاريخ خلص وزيرنا الأسبق فيه إلى أن «فيليب العربي كان في روما والعلاقة لم تكن دائماً لصالح الأوروبيين ومنطقة الشرق الأوسط كانت على علاقة تجارية مع أوروبا..أما قضية الاندماجات فقد كانت الغاية منها هي إنهاء الحروب بالإضافة طبعاً إلى الربح » وبمنتهى الرومانسية يبشر العمادي بمجتمعات «تتعاون اقتصادياً بدلا من مجتمعات سيؤدي نضالها في نهاية المطاف إلى إنهاء الحروب» أما عن موضوع السرية فقد نفاه العمادي مؤكداً أن «عدداً واسعاً من الوزارات شارك في المناقشات وأنا لست حزبياً وشاركت فيها. إذاً القضية لم تكن محصورة بجهات معينة» وبالرغم من أن المحاضرأكد على نقطة أن الاتفاقية لا تلزم الأوروبيين باتخاذ مواقف تضامنية مع سورية أصر العمادي على أننا «محتاجون لمن يقول فينا كلمة جيدة كما كنا أيام الاتحاد السوفييتي».
النقطة الأخيرة التي عقب عليها العمادي هي ضرورة الإسراع وإتمام هذه الاتفاقية..فأوروبا ليست جمعية خيرية أوروبا لها مصالح ونحن أيضاً لنا مصالح ولدينا إجراءات احتياطية جراء هذه التخوفات، والقانون رقم/10/سيحمي هذه المصالح».
الآنتي رومانسية:
الدكتور مرزوق فند مزاعم العمادي المتفائلة إزاء التوقيع السريع على الاتفاقية والـ (نظرية) التي طرحها الأخير حول الاندماج الذي أتى نتيجة لتفادي الحروب وقد قال د. مرزوق: «هذه تمثل رؤية العمادي فقط، أما الاندماجات فقد أتت بغرض آخر وهو تنامي رأس المال والحاجة إلى أسواق جديدة» وبالنسبة لموضوع السرية التي عقدت فيها المفاوضات» فأنا أستغرب أن الوفد السوري ضم ممثلين عَن بعض الوزارات وغرف التجارة والصناعة وبعض الهيئات فقط لكنه لم يضم ممثلين عن النقابات ولا عن هيئات مجتمعية، ولا حتى وزارة مثل الإدارة المحلية وهي معنية بالكثير مما سيترتب على هذه الاتفاقية، والمفاوضون يعتقدون أن هذا الأمر أمر يخصهم وحدهم، وإذا ما جربتم الحصول على نسخة من مشروع الاتفاقية من أي جهة رسمية فلن يعطوكم إياها وأنا شخصياً حصلت على نسختي بطريقة غير سليمة »!
حول البنود الاحترازية التي يضمنها القانون رقم /10/ بحسب العمادي قال د. مرزوق: «قانون الاستثمارات لا يلزم بشيء كونه لم يحدد مدة زمنية لتسييل الاستثمارات وتجربة دول جنوب شرق آسيا ماثلة أمامنا حيث سيلت الاستثمارات دفعة واحدة..».
الدكتور نبيل يرى أن أي شراكة بيننا وبين غيرنا مرهونة بالداخل «وعلى الشعب أن يقرر مصيره ويكون مسؤولاً عن مستقبله، فنحن لن نقاد كقطيع من الأغنام إلى هذه الشراكة».
■ المحرر