إنقاذ الطبقة العاملة..  إنقاذ لسورية

إنقاذ الطبقة العاملة.. إنقاذ لسورية

90% من السوريين، هم من قوة العمل السورية وأصحاب الأجر، والذين كانت نسبة 30% منهم فقراء ما قبل الأزمة، وأصبحوا بمجموعهم فقراء بعدها.. والمفارقة أن هؤلاء (الأكثر ضعفاً)، هم المشكلة والحل في آن معاً، فـ 90% من السوريين، هم سورية ذاتها، وأزمتهم هي التعبير عن أزمة البلاد العميقة، وفي الوقت ذاته، فإن حلاً جذرياً لمشاكل الطبقة العاملة السورية، هو حل للجزء الأعظم من مشاكل البلاد، وهو العمود الأساسي في نموذج إعادة إعمارها فعلاً.

وأكبر مشاكل الطبقة العاملة، هي أكبر مشاكل سورية، ونقطة ضعفها التي لا بد من تجاوزها في نموذج الإعمار القادم.. فعن أي المشاكل نتحدث، وما هي مفاصل حلها الرئيسية؟!

أولاً: البطالة.. جيوش المهمشين

البطالة، هي قانون السوق الرأسمالية، الأكثر قسوة على القوى العاملة، فهي تحرم العامل الذي لا يمتلك سوى قوة عمله من حقه الطبيعي بالعمل، وبالتالي من قدرته على الاستمرار.

كما أن البطالة، و(جيش العاطلين عن العمل) كما يسميه كارل ماركس، تشكل ضغطاً على القوى العاملة، حيث يصبح عرض قوة العمل في السوق، أعلى من الطلب عليها، وبالتالي يصبح (سعرها منخفضاً، أي تنخفض الأجور. ويصبح العمال الذين لا يجدون عملاً، قوة ضغط على العمال العاملين، ما يساهم في تقسيم الطبقة العاملة السورية، وإلقاء اللوم على بعضها البعض!

نسبة البطالة في سورية وصلت إلى 53% كما يقدر البعض، أي أن أكثر من نصف القادرين على العمل في سورية، لا يمتلكون عملاً ثابتاً وبالتالي، هم هائمون على وجوههم، يبحثون يومياً عن عمل مياوم، أو خدمة يقومون بها لأحد ما، علّهم يحصلون على قوت اليوم. وجزء منهم أصبح يفترش الطرقات، وجزء أكبر يمتهن الأعمال غير الشرعية المتاحة كلها لتحصيل الدخل.

إن البطالة تدفع أجزاءً واسعة من القدرات البشرية، إلى التهميش والخيارات اليائسة، وبالتالي هي ليست خسارة للمجتمع فقط وكبح لإمكانياته، بل إن البطالة تصبح خطراً على استقراره..

علينا أن نتساءل جدياً: كيف استطاعت قوة مثل (داعش) على سبيل المثال، أن تجد قدرات بشرية سورية، تمتهن الوحشية! إن جزءاً هاماً من الإجابة يكمن في جيوش الشباب المعطّل عن العمل، والمهمش اجتماعياً قبل الأزمة. إذاً هذه هي البطالة، تعطيل لقوى المجتمع، وضغط على الأجور، وخطر على الاستقرار. فما الحل؟!

 (يد عاملة) في قرار الاستثمار

(ما في شغل).. تتوسع البطالة عندما تتوقف قوى السوق عن توسيع عمليات استثمارها، نتيجة تراجع الربح ولأن النشاط الاقتصادي (ما بيوفّي)!

أي أن البطالة ناجمة عن قرار السوق، بعدم توسيع عمليات الاستثمار، بسبب المردود الضعيف، فكلما زادت كلف عملية الاستثمار، وكلما قل مردودها، يقل توسع التشغيل، وتزداد البطالة.

ولذلك فإن حل مشكلة البطالة، هو حل وحيد: بالتشغيل، أي بتوسيع الاستثمار، بشكل منتظم ليلاقي قدرات القوى العاملة وإمكانياتها، كماً ونوعاً، مع ما يتطلبه هذا من زيادة مردود الاستثمار، بتخفيض كلف المستلزمات والمتطورة منها تحديداً، أي تطوير القاعدة الإنتاجية السورية.

أي أنه: يجب وضع خطة استثمارية وطنية، يكون القضاء على البطالة ضمن اعتباراتها، وعدم ترك الأمور لقرار السوق، التي تفضل بقاء هامش بطالة يساعدها على تخفيض الأجور.

في سورية، لم تكن هناك خطة استثمارية، (فالخطة) كانت تراجع الاستثمار الحكومي، ودعوة الاستثمار الأجنبي للاستثمار في سورية، فأتى فعلياً ليستثمر في العقارات والسياحة والخدمات بالدرجة الأولى، بينما بقيت المهمات الكبرى في الصناعة والزراعة والطاقة والنقل دونما توسيع، ونتجت فورة عقارية وتضخمية. وكانت النتيجة أن توسع الاستثمار بنسبة 11% سنوياً بين 2000-2010 جعل معدل البطالة عام 2011: 14,9% وحوالي 900 ألف سوري.

وهذا يوضح حجم البعد عن الضرورات، ففي عام 2008، وثقت الدراسات السورية، الحاجة إلى استثمار بنسبة 30% من الناتج لتشغيل الوافدين الجدد إلى سوق العمل.

الطبقة العاملة السورية، يجب أن تعي أن قرار الاستثمار، هو قرار يمسها مباشرة، لذلك فإن وضع نسبة التوسع الاستثماري التي تحقق التشغيل الكامل، خلال فترة زمنية معينة، والدفاع عن توسيع الحصة السنوية المخصصة للتوسع الاستثماري من الناتج، ومن الموارد المتوفرة والمعبأة، هي مصلحة عمالية مباشرة، بالتالي عمال سورية يجب أن يشتركوا في قرار الاستثمار، ويدافعون عنه ويراقبون تنفيذه، لأنه مفتاح حل البطالة.

إن هذه المهمة ليست مستحيلة، فسورية في السبعينيات وصلت إلى نسبة توسع استثماري لم تنخفض عن 30% ووصلت إلى 52% سنوياً، وبلغت وسطياً 40% سنوياً، ولم تعاني سورية في تلك المرحلة من مشكلة البطالة، التي بدأت بالارتفاع في التسعينيات إلى نسبة تفوق 6%.

ثانياً- إفقار الأجور.. 

واستعادة حصتها

الظاهرة الثانية التي تواجه القوى العاملة السورية حالياً، وفي المرحلة القادمة، هي : الأجور المنخفضة، والمنخفضة إلى حد أنه يمكن تسمية ترك الأجور منخفضة لهذا الحد، بعملية إفقار مباشر.

حيث يسعى أصحاب الربح في سورية خلال الأزمة إلى (مص دم) الأجور حرفياً، أي توسيع حصة الربح من كل شيء تستهلكه الأجور، حتى من لقمة العيش الضرورية! حيث أصبح الأجر السوري الوسطي حالياً غير قادر على تغطية الغذاء الضروري لإنسان يجب أن يستمر بصحته وعلى قيد العمل مع أسرته!

وهذا مخالف للحقوق الطبيعية الإنسانية، بل ومخالف حتى للقانون الرأسمالي لتحديد الحد الأدنى للأجور، بالشكل الذي يبقي العامل على قيد العمل!

لذلك فإن حصول قوة العمل في سورية، على أجر يكفي لإعالة أسرة، وسد تكاليف المعيشة الضرورية، هو الضرورة الأولى والحد الأدنى. وهو ما يعني اليوم رفع وسطي الأجور في سورية بنسبة 650% تقريباً، أكثر من 6 مرات، لتكون الأجور كافية لتأمين حاجات: الغذاء-السكن- الملبس-التعليم- الصحة- النقل- الاتصالات- أدوات المنزل- وحاجات أخرى). بينما تحتاج الأجور إلى زيادة بنسبة 500% لتأمين الحاجات الأشد ضرورة: غذاء- سكن- لباس- تعليم – صحة.

إن تراجع الأجور الحقيقية للسوريين، يتحول إلى عائق اقتصادي، وليس مسألة عدالة، وحقوق فقط. فقدرات الطلب والاستهلاك المحلي العام والخاص نسبة تقارب 50% من إمكانياتها في عام 2010.

وهو ما يجعل أصحاب الربح يذهبون إلى الأساسيات التي لا يمكن للعائلات السورية الاستغناء عنها، ويحققون فيها أعلى نسبة ربح، وتحديداً الغذاء، والمأوى.

يجب أن يستعيد أصحاب الأجور، قدرتهم على تأمين حاجاتهم الأساسية، القدرة التي سلبهم إياها أصحاب الأرباح الكبيرة. فكيف يمكن ذلك؟! هل يجب أو يمكن زيادة الأجر النقدي ستة أضعاف، ونقل الأجور من 34 ألف إلى 213-290 ألف ليرة؟!

إن المطلوب هو زيادة حصة الأجور من الناتج، التي تقل اليوم عن 20%، مقابل 80% للأرباح، سواء كانت هذه الزيادة في الحصة نقداً، أم عيناً، أم عبر الخدمات التي تخفف من تكاليف المعيشة.

يجب البحث عن طرق تضمن تخفيضاً كبيراً في تكاليف الحاجات الأساسية: وسنأخذ نموذجين فقط، من سياسات ومشاريع وطنية عامة في المرحلة القادمة، تزيد حصة الأجور عبر تخفض تكاليف الغذاء والسكن، المكونان الذان يشكلان 80% تقريباً من حد الفقر البالغ 213 ألف في سورية عام 2016!

الغذاء كأجر عيني

 بـ 9% من الناتج!

تكلفة الغذاء الضروري اليوم لأسرة تبلغ 94500 ليرة، وحتى تأمين أجر بهذا المبلغ، يعني زيادة الأجور بنسبة 278%، لذلك فإن تخفيض أسعار الغذاء هو ضرورة أولى، حيث من الضروري، تحويل جزء من زيادة الأجر إلى أجر عيني غذائي، ليخرج الغذاء من دائرة الربح.

وذلك بإدخال تدريجي للمواد الغذائية الأساسية في سلة غذاء من المواد المنتجة محلياً، والمستوردة، الأساسية.

ليكون مشروع الأجر العيني الغذائي، عبارة عن عملية ربط منظمة، بين أجزاء من الإنتاج الزراعي، والصناعة الغذائية، وبين عمليات تجارة خارجية، ومراكز توزيع داخلية.

إن سورية شهدت تجربة من هذا النوع في السبعينيات، وإن كانت غير كافية، وغير مستمرة.

بالأرقام التأشيرية، فإن تكلفة هذا المشروع وفق أسعار عام 2016، يمكن أن تشكل نسبة تقارب 23% من الناتج المقدر في عام 2015: (6,3 مليار دولار من 27,2 مليار دولار). أما إذا خفضت تكاليفه بنسبة 40% فقط بعد رفع العقوبات، وبعد إزالة حصة الربح الاحتكاري في تجارة الجملة الخارجية، أو الداخلية، فإنه يشكل نسبة: 9,2% من الناتج التأشيري في 2015.

أي حوالي 2,5 مليار دولار سنوياً، ونسبة 9% من الناتج يمكنها تأمين سلة غذائية متكاملة العناصر مجاناً لحوالي 3 مليون أسرة سورية، أما إذا كانت مدعومة بنسبة 50%، أو إذا كان الأجر الغذائي العيني عبر السلة يغطي نصف المكونات الغذائية فقط، فإن التكلفة تنخفض إلى 1,2 مليار دولار، بالشكل الذي يحفز الطلب الزراعي، والصناعي- الغذائي، والتجارة المرتبطة بهما، ويخفض مستوى أسعار الغذاء في السوق، أما الخسارة الوحيدة هي حصة الربح الكبرى لتجار الجوع!

السكن.. (تصفير سعر الأرض)

أكثر من 60% من السوريين خسروا منازلهم التي جمعوا فيها (جنى عمرهم) وانتقلوا إلى مناطق أخرى، وهؤلاء يدفعون اليوم نسبة كبيرة من دخلهم على الآجارات، التي أصبح مبلغ 60 ألف هو حدها الوسطي في دمشق.

الريع العقاري في سورية، ابتلع الكثير من الموارد قبل الأزمة وخلالها، مع فورة أسعار الأراضي، الناجمة عن الاستثمار العقاري.

وهو الأمر الذي لا يمكن أن يستمر في مرحلة إعادة الإعمار، مع الحاجة إلى الكم الأكبر الممكن للموارد.

لذلك فإن (إلغاء الريع العقاري)، أي تصفير أسعار الأرض، في المشاريع السكنية العامة أي على أراضي الدولة، هو واحدة من الطرق التي تخفف من تكاليف السكن، ومن أسعار الأراضي عموماً. وهذه العملية التي من الممكن أن تطبق على أراضي الدولة أولاً، يمكن أن تنسحب على مشاريع المساكن العمالية، والمساكن التي يفترض أن تبنى لتعويض السوريين عن مساكنهم التي دمرت، والتي خسروا فيها تعب سنواتهم السابقة للأزمة.

إن إجراءً كهذا كفيل بأن يحل جزءاً كبيراً من أزمة السكن أولاً، وأن يخفض إلى حد كبير من أسعار العقارات، شراءً أو آجاراً، ويقضي على جزء كبير من (شهوة) مال الاستثمار العقاري الذي، يحضر ليحول إعمار سورية، إلى صفقة عقارية رابحة، مخفضاً الربح حتى في الاستثمار العقاري، لتبقى فورة أسعار العقارات مكبوحة وفي حدود دنيا في مرحلة إعادة الإعمار.

وفي هذه الحالة، فإن الحاجة إلى موارد مباشرة، هي عملية غير مطلوبة، بل أن إجراءً كهذا، يؤدي عملياً إلى انخفاض في أسعار سوق العقارات، وارتفاع في الأجور الحقيقية، ويؤدي بشكل مباشر إلى تحويل جزء من الموارد من أصحاب الريع العقاري، إلى أصحاب الأجر، أي عملية إعادة توزيع للثروة.

مازوت- تعليم- صحة

يمكن أن نضيف أن نسبة الـ 500% التي يفترض أن تضاف للأجور، لتسد الحاجات الأساسية، يمكن أن تستخدم في استعادة دعم المحروقات، وتحديداً عنصر الوقود الأساسي، المازوت، الداخل في تكاليف كل شيء تقريباً، وما يؤدي إلى تخفيض ملموس في تكاليف المعيشة، وتحديداً عنصر النقل، وعنصر التدفئة. وكانت قاسيون قد أشارت إلى أن تكلفة إعادة سعر لتر المازوت إلى 30 ليرة، هي قرابة 450 مليون دولار، ولكنها تساهم في تخفيض مستويات الأسعار بنسبة الثلث 32% تقريباً، وفي هذا التخفيض زيادة للأجور الحقيقية بالنسبة ذاتها.

كذلك فإن كل إنفاق يضاف على تكاليف التعليم والصحة المجانية، وعلى تطوير هاتين المنظومتين الضروريتين، هو ليس فقط ضرورة اجتماعية وتنموية، هو أيضاً زيادة مباشرة في حصة الأجور، وتقليص تكاليف التعليم والصحة، التي أصبحت مخصخصة بمعظمها، بنتيجة تدهور المنظومتين.

40%

كانت معدلات البطالة في السبعينيات في سورية تقارب الصفر، حيث كان التوسع الاستثماري الوسطي السنوي 40% تقريباً. بينما أصبح 11% بين 2000-2010. ولحل البطالة نحتاج إلى نسبة لا تقل عن 40% كنسب توسع للاستثمار سنوياً.

500%

زيادة الأجور يفترض ألا تقل عن 500%، لأن حد الفقر لتأمين الحاجات الخمس الأساسية هو 213 ألف ليرة في 2016، بينما تأمين تكاليف المعيشة يتطلب 290 ألف ليرة، أي زيادة 650%، على وسطي الأجور 34 ألف ليرة!

52%

إن حصة الأجور من الناتج يفترض أن تنتقل من أقل من 20%، مقابل 80% لأصحاب الربح، إلى 52% بالحد الأدنى، لأن هذه النسبة من ناتج عام 2015، تؤمن لأكثر من 3 ملايين أسرة عاملة، أجر شهري 213 ألف ليرة، أي حد الفقر فقط!

 

 

خلاصة في السياسة..

 

إن حل المشكلات الجوهرية للطبقة العاملة السورية، أو أصحاب الأجور، هو حل للمشاكل الجوهرية في الأزمة الاقتصادية- الاجتماعية، في سورية، والتي يشكل حلها عملياً عصب نجاح نموذج وطني لإعادة إعمار سورية. والمشاكل الجوهرية التي تواجه القوى العاملة، هي البطالة، وانخفاض الأجور، وكلا الظاهرتين مرتبطتان ببعضهما البعض.

 

أما في الحلول فقد قلنا بأن الضرورة تفرض وضع خطة استثمارية وطنية، لتوسيع الموارد المتراكمة في النشاط الاقتصادي، بنسبة تزيد اليوم عن 30% من الناتج بالتأكيد، وربط هذه النسبة بالقدرة على امتصاص قوة العمل السورية المتعطلة والبالغة نسبة 53% من القوى العاملة.

وأما فيما يخص الأجور المنخفضة، وفقر جميع القوى العاملة السورية، فإن المهمة الضرورية، هي زيادة الأجور لتغطي تكاليف المعيشة، أي زيادة الأجور بنسبة لا تقل عن 500%. أما في كيفية هذه الزيادة التي من المستحيل دفعها نقداً، فإن المفروض تعويضها استثماراً وإنفاقاً لتغطية الحاجات، أي من المفروض أن تتحول إلى زيادة في حصة الأجور من الناتج، لتنتقل من حصة أقل من 20%، إلى حصة تتلاءم مع الضرورات، ولا تقل عن 50% أي نصف الناتج للأجور. (إن حصة تقارب 52% من الناتج في عام 2015 على سبيل المثال، تعادل حصول حوالي 3 مليون أسرة من أصحاب الأجور على دخل شهري 213 ألف ليرة وهو كاف لتغطية حاجات الغذاء والسكن والملبس والتعليم والصحة فقط).

وقد أشرنا إلى بعض الطرق الممكنة، لإخراج الغذاء من دائرة المضاربة والربح، عبر أجر عيني غذائي، بسلة غذائية مجانية تقدير تكلفتها إذا كانت من نصف الحاجات الغذائية الضرورية فقط: 1,2 مليار دولار، وأقل من 4,4% من الناتج، وهي حصة تذهب من الربح الاحتكاري في تجارة الغذاء، إلى أصحاب الاجور. بالإضافة إلى تخفيض كلفة السكن، عبر إصدار قرار  بتصفير سعر أراضي الدولة، وتخفيض كبير لتكلفة المساكن المقامة عليها، أو التي ستقام، ما يعني تخفيض كبير لأسعار العقارات، وتقليل حافز المضاربة عليها، وهو ما يعني تحويل مباشر من حصة الريع العقاري، إلى الأجور، وغيرها من وجوه الإنفاق الاجتماعي، التي تصب في الأجور..

ولكن من سيقوم بهذه الحلول؟! لا يمكن أن تقام هذه المشاريع، وأن تتخذ هذه القرارات دون وجود جهاز دولة قوي، يمركز الموارد، ويضع خطة استثمارية ومشاريع وطنية يكون قادراً على تنفيذها، وإلزام القوى الاقتصادية الأخرى، بالتقاطع معها..

ولكن لماذا لم يفعل جهاز الدولة السوري هذا سابقاً؟ الجواب بسيط، لأن القوى العاملة السورية ليس لديها أي تمثيل حقيقي، أو قدرة على الضغط على صناع القرار الاقتصادي في سورية، الذين يمثلون بسياساتهم مصلحة أصحاب الأرباح.

إن إنجاح نموذج إعادة إعمار، نواته مصالح عمال سورية وفقرائها، أي أكثر من 90% من أهلها، يتطلب أن يتدخل هؤلاء مباشرة عبر السياسة، ليفرضوا مصلحتهم على السياسة الاقتصادية، وليحولوا جهاز الدولة إلى أداة تدفع سورية ومعظم أهلها للأمام.

آخر تعديل على السبت, 12 تشرين2/نوفمبر 2016 17:19