من أعطى النائب الاقتصادي «حق» إطلاق صفة «الوطنية» أو إسقاطها؟؟
أكد نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية عبدالله الدردري في تصريح له أمام جلسة المجلس العام لاتحاد نقابات العمال بتاريخ 25/10/2009 أن «أي مواطن يمتلك ذرة من الوطنية والأخلاق يجب أن يقترح على قيادته هذا الإصلاح الجذري، فالاقتصاد السوري كان متجهاً نحو كارثة حقيقية لا يدرك معناه إلا من حلل ودرس بعمق..!!!»..(لدى قاسيون التسجيل الصوتي لكلام النائب الاقتصادي) وهو ما أثار السخط والاستنكار، وخلق استياء عاماً في مختلف الأوساط، وخاصة في صفوف اتحاد نقابات العمال الذي طلب أحد قادته من النائب الاقتصادي الاعتذار الفوري عن هذا الكلام والتراجع عنه.. قاسيون استطلعت آراء بعض الشخصيات المعروفة حول هذا التصريح.. وكان الريبورتاج التالي:
د. منير الحمش: لندع الأرقام والوقائع تتحدث..
أكد د. منير الحمش الباحث الاقتصادي المعروف لقاسيون في رده على تصريحات النائب الاقتصادي أن «هذا الكلام خطير للغاية.. إذ لم يسبق أن أطلق أي إنسان اقتصادي أو سياسي أو يعمل في أي مجال عام تعليقاً أو كلاماً بهذه الخطورة على مخالفي رأيه، سواءً في سورية كدولة ننتمي إليها أو في غيرها، وإذا كان المقصود به المشروع الذي قدمه النائب الاقتصادي وفريقه، فليوضح لنا الأسباب الموجبة لإطلاق تصريحات كهذه.
عموماً، لا يجوز بأية حال من الأحوال ومهما كانت الأسباب، أن يحتكر أي شخص في هذا الوطن مبدأ الوطنية، وأن يدعي بأن من لا يوافقه الرأي لا يملك ذرة من الوطنية والأخلاق، وفي الحقيقة صدمتني «جريدة قاسيون» بهذا السؤال، وأنا بكل قدرتي عاجز عن الرد، وأخشى أن يكون هذا الكلام غير دقيق، أما إن كان صحيحاً فمن الواجب على الاتحاد العام لنقابات العمال الرد عليه فوراً، لأن أي إنسان ينتمي إلى هذا الوطن ويملك العقل ويفكر ويخطط لمصلحة الوطن ورقيه، من الخطأ أن تصدر منه تصريحات خطيرة كهذه، قد تؤدي إلى ما لا يتمناه أحد لديه الغيرة الوطنية.
من الطبيعي أن تتواجد العديد من وجهات النظر المختلفة في الكثير من القضايا الشائكة، سواءً أكانت اقتصادية أم سياسية، لكن في النهاية ومن خلال الحوار لن يصح إلا الصحيح، ولن يتم إلا اختيار الأفضل والصائب لمصلحة الوطن أولاً وأخيراً.. وإنني أعتقد أن القيادة السياسية حسمت الأمر بمسألة اقتصاد السوق الاجتماعي، وهذه القيادة ممثلة بكل أعضائها، أوضحت رأيها بكل الإصلاحات الجارية في الاجتماع الأخير للجنة المركزية للحزب، خاصة ما يتعلق بالإصلاحات وقضية الدعم. وبناء على هذا أعتقد أيضاً أن كل ما طبقه الفريق الاقتصادي من سياسات اقتصادية منذ انطلاق الخطة الخمسية العاشرة وحتى اللحظة، لم يتطابق مع توجهات القيادة السياسية، مما شكل هوة كبيرة بين هذه التوجهات ورؤى النائب الاقتصادي وفريقه.
وإذا كانت لدى النائب الاقتصادي دلائل وحقائق بهذا الخصوص فلا يجوز تعميمها أو نقلها بهذا الشكل الخطير جداً وربطها بالقضية الوطنية لأكثر من عشرين مليون سوري. الحقيقة أنني انزعجت جداً من هذا الطرح، وأتمنى ألا يكون الكلام صحيحاً، ولابد من التدقيق في كل ما قيل.
ثم إنني وبمناسبة هذا الحديث، أطلب من الحكومة أن تنشر التقرير الذي قدمه النائب الاقتصادي بخصوص تقييم الخطة، فقد خرج بتوقعات واستنتاجات مختلفة كثيراً عن التقرير الذي قدمته هيئة تخطيط الدولة في تقييمها للخطة، والتي بينت زيف كل ما قيل حكومياً من أرقام غير حقيقية عن النمو والتنمية. من حقنا أن نطلع مع كل مواطن في هذا البلد على التقرير الذي قدمه النائب الاقتصادي، وأن يجري حوار عالي المستوى في هذا الموضوع سواءً في جمعية العلوم الاقتصادية أو على المنابر وفي البرامج الاقتصادية أو ضمن ندوات وحوارات تقدرها الحكومة، وليكون ذلك بمثابة استفتاء على التقرير ومضمونه، والإطلاع على حقيقة الأرقام التي حققتها الخطة الخمسية العاشرة.
• حميدي العبد الله: هذه لغة استعلائية لا يمكن القبول بها
الأستاذ حميدي العبدالله المحلل الاستراتيجي قال: «أعتقد أن أية خطة أو أي مشروع لأية جهة كانت، يجب أن تكون خاضعة للنقاش ولتبادل وجهات النظر المختلفة والمتفقة، والبحث في هذا المشروع من كل جوانبه السلبية والإيجابية، وبالتالي استكشاف نقاط الضعف والقوة فيه. إن أي مشروع يعتمد هذا الأسلوب لا يمكن أن يؤدي إلى الفشل الكامل، أما أي مشروع يناقض هذا الكلام فإن مصيره سيكون الفشل الذريع.
إن هذه اللغة التي تحدث بها النائب الاقتصادي، تتناقض حقيقة مع الأسلوب الموضوعي في النقاش والحوار، وهي لغة استعلائية وستؤدي إلى فشل أي مشروع تعتمده، ولو حمل هذا المشروع في طياته نقاطاً إيجابية متعددة، فليس من مهمة أي مشروع التفكير من النيل من هذا الشخص أو هذه الجهة، فالإصلاح الصحيح في جميع دول العالم هو الإصلاح الذي يقوم بمشاركة أبنائها، وإذا لم يشارك فيه كل المواطنين والفئات والجهات المعنية فلن يكتب له النجاح، ولن يصل إلى الأهداف والغايات التي رسمت من أجلها، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى فشل المشروع بكل تأكيد.
إن هذه اللغة لا يمكن القبول بها، لأنها تصادر حرية الناس في الحكم على القضايا التي تهم حياتهم اليومية ولهم الحق في مناقشتها ومعارضتها، لذلك فلا بد من تدخل جميع المواطنين مع الفئات العليا في المجتمع لدراسة هذه الاستراتيجيات والتأكد من أنها تخدم مصالح الأغلبية من أبناء الشعب السوري، وبالتالي تحقق التنمية المنشودة، والوصول لاقتصاد قوي ومتين قادر على الوقوف ضد كل الأزمات، وليس بإمكان أحد إطلاق صفة الوطنية من خلال هذا المشروع أو غيره من المشاريع، وأعتقد أنه لا يمكن منح أو حجب صفة الوطنية هكذا جزافاً على المواطنين من خلال هذه القضايا، فالوطنية في بلدنا يجب أن تحدد بناءً على قدرة أية إصلاحات على تحقيق هدفين أساسين، الأول تحقيق تنمية جدية وشاملة وحقيقية على مستوى البلاد، والثاني أن تعود هذه الإصلاحات باليمن والخير على كل الشعب السوري، وبالتالي فإنني أرى هنا أن المحاكمة ليست أخلاقية ولا يمكن اعتمادها أو النظر بها بأي شكل من الأشكال، فالإصلاحات كما أسلفت لابد أن تنعكس تنمية وخيراً على غالبية الشعب السوري، وفي حال حققت أو رصدت نتائج عكسية فمن الأفضل ألا تعمل أبداً لأنها ستضيع مسارها الحقيقي وتجلب كل ما هو سلبي للوطن واقتصاده، وهذا الطريق أو الاتجاه لا يتمنى أحد منا أي يسير به أو يحقق متبغاه، لأننا في النهاية لنا رأينا ونظرتنا لكل ما يجري بعيداً عن إطلاق هذه المفاهيم المرفوضة.
• إبراهيم اللوزة: إذا كان للنائب الاقتصادي اتهام أحد باللاوطنية فليتهم نفسه!
الأستاذ إبراهيم اللوزة، القائد النقابي المعروف قال: «إن النائب الاقتصادي عبد الله الدردري مهندس الخطة الخمسية العاشرة يعتبر الخطة هي الأولى في تاريخ سورية، وكأن الخطط بعدد صفحاتها لا بقيمة إنتاجها وانعكاسها على حياة المواطن، لاغياً بذلك ما قدمته الخطط التسع السابقة السورية وناسباً لنفسه التطورات الكبيرة التي شهدتها وتشهدها سورية منذ التسعينيات وحتى الآن.
لقد أوهمنا «الدردري» في البداية بأنه قادم لبناء المصانع والمعامل وإجراء إصلاحات كبرى، لكن سرعان ما تبين أنه قادم لتدمير كل شيء منجز تاريخياً.
إن رد الاتحاد العام لنقابات العمال في مجلسه العام على هذا الكلام كان واضحاً وصريحاً، إذ طلب أحد القيادات النقابية من النائب الاقتصادي أن يعتذر أمام المجلس على تصريحه، لأنه لا يملك الحق في إطلاق صفة الوطنية واللاوطنية هكذا جزافاً على من لا يوافقه الرأي أو يعتبره خائناً.
لكن يبدو أن النائب الاقتصادي لم يتمالك نفسه ولم يتحمل جملة الانتقادات التي وجهت له في المجلس، وخاصة المداخلات التي استندت على التقرير الاقتصادي الذي قدمه الاتحاد العام، وفنّد فيه كل ما قاله الدردري الذي يعتبر نفسه الوحيد في هذا البلد الذي يمتلك الفكر ويفهم الاقتصاد النير.. أين التنمية التي يتحدث عنها مراراً وتكراراً حتى يعطي لنفسه الحق بأن يصنفنا في خانتي اللاوطني واللاأخلاقي؟ يجب على النائب الاقتصاد أن يعترف ويقر مع فريقه الاقتصادي أنه كان يوجد في الخزينة العامة ما يقارب /23/ مليار دولار من الاحتياطي، ولم يكن هناك عجز كبير قبل إدارته للاقتصاد، بينما الآن وحسب تصريحات وزير المالية، فمن المتوقع أن يصل العجز في نهاية خطته الخمسية ما يقارب 258 مليار دولار!! لذلك فإنني أعتقد أنه بكلامه هذا خالف الدستور، ويجب أن يحترم هو وفريقه الحكومي هذا الدستور الذي لا يعطي الحق لأي كان لإطلاق تهم ومصطلحات خطيرة كهذه، خصوصاً أنه لا يمتلك الحقيقة، بل هناك كثيرون غيره من الوطنيين والاقتصاديين الكبار لهم رؤيتهم الصحيحة في الإصلاحات الاقتصادية، وتتوافق آراؤهم مع المواقف التي قدمتها النقابات، وخاصة فيما يخص قضايا إصلاح القطاع العام الصناعي والاستثمارات والخصخصة.
إن الخطة الخمسية التي لم ينفذ منها سوى القليل أي بحدود /25 ـ 40%/ حسب أرقامه، كفيلة بأن لانوافق النائب الاقتصادي على ما قاله وصرح به، خاصة أنه لا يوجد أي تحسن ملموس على أرض الواقع بالنسبة للمواطن السوري الذي كان على موعد بأن يقدم له الحليب والعسل.!! الحكومة لم تف بوعودها، وقدمت له «المآسي». إن النقابيين دقوا ناقوس الخطر ونبهوا للصعوبات التي تواجهنا، وليس بخاف على أحد أن النقابات تمثل نصف الشعب السوري أو كله.. إنني للمرة الثانية أقول إن /20/ مليون سوري لا يوافقه على قوله هذا، ولا يحق له اتهام أحد بهذا الشكل، لأن خطته هي التي دمرت القطاع العام، وأرى أن المطلوب من كل القوى الوطنية وممثلي أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية الوقوف بحزم مع اتحاد العمال والفلاحين ضد السياسات التي قدمها وطبقها النائب الاقتصادي وفريقه. إن ما تم إنجازه وتحقيقه على الصعيد الوطني من مصانع وسدود ومنشآت ومرافق وخدمات وبنى تحتية هو من منجزات الخطط السابقة، أما هو وفريقه فقد دمروا الزراعة والصناعة، وساعدوا بزيادة عدد الفقراء وازدادت البطالة ووو...، لذا على الإعلام أن يلعب دوره الحقيقي المنوط به بكشف ما يقوله النائب الاقتصادي، وبالمقابل الإضاءة على ما يقوله العمال والفلاحون وممثلوهم الذين كانت الحقيقة في مكان أو موضع فهي لديهم. إنني أطالب التلفزيون السوري أن يقيم مناظرة علنية بين النائب الاقتصادي وبعض الاقتصاديين الكبار الغيورين على الوطن أمثال د.منير الحمش ود.نبيل مرزوق ود.قدري جميل، ونرى ويرى معنا الوطن كله إن كان بإمكانه الدفاع عن شيء حققه لهذا المواطن.!
إن جميع التقارير الحزبية والاجتماعات التي عقدها حزب البعث العربي الاشتراكي، طالبت بحل للمشاكل الاقتصادية التي يعيشها البلد حتى يكون الوضع الداخلي اقتصادياً موازياً لقوة وموقف سورية خارجياً، ومن هنا أطالب بإقامة استفتاء على هذا الطاقم الاقتصادي لتقييمه إن كان يعمل بالشكل المطلوب أو لا.
إن الوطن يكون قوياً عندما يكون اقتصاده قوياً، وهذا ما يتفق عليه الجميع: الأحزاب ونقابات العمال والفلاحين وكل فئات الشعب، وهؤلاء جميعاً يرون الآن أن هذا الفريق جعل اقتصادنا هشاً.. فما هي غايته يا ترى؟؟
• النقابي نزار ديب: هل الوطنية أن نذعن لإملاءات وشروط صندوق النقد والبنك الدوليين
النقابي نزار ديب سأل: «هل مقياس الوطنية بتصور النائب الاقتصادي، أن نذعن لإملاءات وشروط صندوق النقد والبنك الدوليين ابتداءً من رفع الدعم عن المواد التموينية والمحروقات التي أثقلت كاهل الفقراء، إضافة إلى خنق القطاع العام وإعاقة تطوره تمهيداً لخصخصته، وإبعاده نهائياً عن لعب دوره الاجتماعي والسياسي والاقتصادي؟ وهل شهداء الطبقة العاملة الذي دافعوا عن الوطن وبنوا الصروح الوطنية من معامل وسدود ومنشآت أصبحوا الآن غير وطنين وخونة؟ وهل الذين يرون في اتباع نهج اقتصادي يطمح لتحقيق العدالة الاجتماعية غير وطنيين؟.
يريد النائب الاقتصادي أن نوافقه على مشروعه الاقتصادي الطموح الذي يحقق نمواً ينعكس لمصلحة الأغنياء على حساب الجماهير الكادحة، وها هو نهجه يبشرنا بالجوع والبرد وازدياد الجريمة والدعارة، أليس هذا من نتائج اقتصاده المنشود؟ أعتقد أن مقياس الوطنية هو انتهاج نهج اقتصادي متين متنوع يعتمد على القطاعين العام والخاص، ويحقق العدالة الاجتماعية ويخفف الفوارق الطبقية في المجتمع، وبالتالي حل مشكلة البطالة ورفع مستوى الحياة المعيشية، واحترام كرامة المواطنين، بالإضافة إلى مشاركة القوى الاجتماعية الفقيرة والطبقة العاملة بصنع القرار الاقتصادي لأن هذه المشاركة هي إقرار مصيرها بالوقت نفسه.
لن نسمح، ولا يحق لأحد، تربى في نهج اقتصادي ليبرالي أن يزاود علينا بالوطنية وإذا كان النائب الاقتصادي مصراً إلى هذا الحد على تقسيم المواطنين على كيفه بين مواطن يملك ذرة من الوطنية والأخلاق وآخر لا يملكها، فليوضح لنا هو وحكومته لماذا حتى اللحظة لم تحرك ساكناً في قضية الدعم أو تفي بوعودها التي أطلقتها للمواطنين منذ استلامها؟؟.
إن الأمور جميعها سارت في الطريق المعاكس لما يتمناه الناس، ولمصلحة الفكر الليبرالي الجديد الذي رسخ قاعدة أن يزداد الفقراء فقراً والأغنياء غنى، فأين الثرى من الثريا يا سعادة النائب الاقتصادي»!.