دينيس راكونين – الولايات المتحدة  ترجمة: د. عبدالوهاب رشيد دينيس راكونين – الولايات المتحدة ترجمة: د. عبدالوهاب رشيد

أفغانستان: مقبرة الإمبريالية الأمريكية

عندما هزم الجيش الأحمر الجبار- الاتحاد السوفيتي (سابقاً)- القوات النازية في معركة ستالينغراد المحورية- الحرب العالمية الثانية- قاد هذا النصر إلى سحق الحلم المجنون لـ«هتلر» في استمرار نظامه النازي ألف عام.

نعم، غزو النورماندي والتضحية الكبيرة من قواتنا كانت مهمة، لكن معركة ستالينغراد كانت قد حسمت أصلاً حصيلة الحرب وختمت نهاية مصير نظام هتلر. بفضل الجنود الروس لا يتكلم الأمريكيون اللغة الألمانية.. (بافتراض احتلال هتلر لأمريكا).. ولم تتحقق لهتلر فرصة بناء معسكرات الموت لتطهير بلادنا من الأقليات العرقية، والمجموعات الأخرى «غير المرغوب بها».

لكن هذا الجيش نفسه الذي كان يبدو أنه لا يُقهر، وأنقذ العالم كله قبل سبعة عقود مضت، سقط لاحقاً في أفغانستان لتواجه قيادته الهزيمة، مكررة الحماقة المأساوية لبريطانيا هنا في نفس البلاد (أفغانستان) قبل ذلك بوقت طويل.

تعتبر أفغانستان مقبرة تاريخية للأطماع الأجنبية، حقيقة تطبع جماجم وعظام الغازين على نحو محدد، وتجعل من الرغبة التواقة لـ«أوباما» في الهيمنة على العملية السياسية الأفغانية أضغاث أحلام. وبوضعها في صورة واضحة صارخة، إذا أردنا أن نبقى في أفغانستان، فسوف نواجه أيضاً خسارة كارثية.. فكّر في فيتنام، ولكن حتى على نحو أكثر كارثية من ذاك الانهيار.

تضم أفغانستان، على نحو متعادل، عوامل ملغومة تجمع بين الجوانب الجغرافية، الدينية، والوطنية، وتتجسّد جميعها في بناء التصميم الفولاذي لشعب أفغانستان لمقاومة الغزو الأجنبي، وفي بيئة دفاعية مثالية، تجعل من أرضهم ثقباً أسود حقيقياً مهلكاً للغازين الأجانب ممن لديهم رغبة قوية لفرض إرادتهم الخارجية على هذه الأرض المتربة، المقفرة، وطن الأفغان- مصدر حبهم الحماسي.

أضف إلى ذلك أن الأفغان يشكلون استمرارية تعود إلى بدايات إقامة البشرية على هذا الكوكب، ومن المنطقي التوقع باستمرارية مديدة للأفغان بعد أن تتحول الولايات المتحدة (من جراء تدخلها) وتنهار إلى مستوى مثير للشفقة ومختلفة تماماً عن وضعها الحالي.

في الواقع، إن محاولة فرض الإرادة المتعجرفة لليانكي (الأمريكيين) على أفغانستان يمكن أن تكون الوسيلة المحورية لتحولنا باتجاه مستقبل أمريكي يغيب عنه القوة والقدرة على التأثير.. وسواء كان هذا احتمالاً واقعياً أو ممكناً تخيله حالياً، فإن هذا التصور يسيطر على أفكارنا الآن. 

ولكن ماذا بشأن القاعدة (و) طالبان؟ أليسوا البلاء الذي نواجهه، وعلينا قتالهم حتى النهاية المريرة؟.. ليس بالطريقة التي نقاتل فيها- كوننا غرباء معتدين في بيئتهم الطبيعية.. ذلك أن هذا الواقع يًعمق من تصميمهم- على سبيل المثال، شعور قوي بعدالة قضيتهم، مقابل حماقتنا المستمرة، تمنحهم المزيد من المجندين والآمال الكبيرة التي لا نستطيع أبداً القضاء عليها.

كم نحن أغبياء على نحو أعمى في تفكيرنا بأن استمرارنا في الهجمات الضارية على الأبرياء من رعاة الأغنام وحفلات الزواج يمكن أن يحقق لنا النصر.. إنه نفس المنطق المريض القاتل القائل إنه «صار ضرورياً تدمير القرية من أجل إنقاذها». هذا الضرب من الجنون الذي طُبق في فيتنام، وهذا الانحراف الجنوني باعتقادنا أن استمرارنا بركل أبواب المنازل في بغداد، سيجعلنا في موقع «الأخيار» في العراق.

علينا أن نواجه الحقائق المؤلمة التي هي كذلك بالتأكيد.. لا يُريد العالم أن نفرض عليهم ديننا، سياستنا، اقتصادنا، أو قيمنا الثقافية.. كما في حالنا بعدم التسامح مع بلد يتفوق علينا، قادم من نصف كوكب آخر، بعيد عنا، يُحاول أن يفعل بنا الشيء نفسه الذي نفعله.

برجان توأمان كانا سيظلان لامعَين في سماء مدينة نيويورك فيما لو بنينا مسبقاً سجلاً نكون في سياقه صديقاً حقيقياً وفاعل خير للجنس البشري، بدلاً من بناء عالم من الشرطة/ العسكر المتنمرين ممن يخدمون بشراهة الجشع المالي للشركات والمصانع والمصارف الكبيرة التي يرى سكان الأرض بأنها ليست أكثر من مصدر لتراكم أرباح يُساء استخدامها بحيث تحولت إلى مشكلة عميقة تغطي المجتمع فاقدة تماماً للشرعية، ولا يمكن لأي شخص سوي من احتضانها أو القبول بها.

علاوة على ذلك، إذا ما أُصبنا بمجرد خدش بالعلاقة مع الرواية الرسمية التي تفترض عدم وجود مبرر للاعتداء علينا من قبل الكثيرين حول الكوكب، عندئذ سنكتشف سريعاً بأنهم ليسوا «أعداءً» بصورة مجردة شيطانية، بل بشر يُعانون الكثير من مظالم الولايات المتحدة، ولم يصبحوا أبداً كذلك لولا تلك المظالم.. وكان علينا أن نعاملهم بأسلوب سليم منذ البداية.

إذا ما أوقفنا فقط تعاملنا ضد الآخرين، وحاولنا أن نمتنع عن الهيمنة على شؤونهم، عندئذ لا أحد يطعننا من الخلف ونحن لا نراهم.

ومع ذلك، يُخامرني شعور بأننا متعجرفون ومتحيزون جداً لدرجة لا تجعلنا نتقبل أبداً هذه الحقيقة.. نحن نمارس فقط الاندفاع كالقرد لتدمير ذاتنا.. نندفع بسرعة داخل محركنا الأخرق لنظامنا الفاشل.. واضعين حاجزاً صلباً معوقاً بشكل كامل أمام كل الاحتمالات التي يمكن أن تحفظ الولايات المتحدة قوة عظمى ولاعباُ حاسماً في العلاقات العالمية للقرن الحادي والعشرين الذي نعيش بداياته حالياً.

 

■ شبكة «أوروك»