إيديولوجيا الفساد تعلن: السياحة قاطرة النمو!!
لم تطرح الحكومة الشركات الخاسرة للاستثمار أو التطوير والتحديث، بل تركتها لمصيرها، وهي 17 شركة، إلى أن تم إيقافها عن العمل، في حين طرحت الشركات والمؤسسات الرابحة للاستثمار والمشاركة، مثل مرفأي اللاذقية وطرطوس ومعامل الأسمنت وغيرها، وتنتظر الحكومة الآن الوقت الملائم لإيقاف شركات ومؤسسات القطاع العام كافة بعد إيصالها قسراً إلى الخسارة.
ماذا تبقى؟
لاشك أن القطاع العام الصناعي يعاني منذ سنوات عديدة، من صعوبات كبيرة، تفاقمت في الأعوام الأخيرة مع التحول إلى اقتصاد السوق، وقد رافق ذلك توقف العديد من المعامل عن العمل، وعدد آخر من المنشآت يعمل بشكل جزئي، وفي البعض الآخر توقفٌ لبعض خطوط الإنتاج، دون أن نجد حلولاً على أرض الواقع، ودون التصدي لأية مشكلة كانت، أو إيجاد إستراتيجية واضحة يمكن من خلالها تشغيل المعامل الأقل استهلاكاً للقطع الأجنبي، والتي يمكن أن تؤمِّن موارد جيدة بتأمين مستلزمات الإنتاج من السوق المحلية. وفي الأعوام الأخيرة تصاعد الحديث عن خسائر هذه الشركة أو تلك من شركات القطاع العام، وفي بعضها وصلت الخسائر إلى مئات الملايين، إضافة إلى تكديس الإنتاج في شركات عديدة كالغزل والنسيج والإطارات والسجاد وغيرها.
صناعات عديدة كانت إلى سنوات قريبة بمنأى نسبياً عن التأثُّر بأية منعكسات. وبقيت تعمل بكامل طاقتها، بسبب اعتمادها على المواد الأولية المحلية. واستطاعت أن تنفذ الخطط الإنتاجية بدرجة جيدة، ورغم ذلك تم تجاهلها، كالغزول والألبان وتجفيف الخضار والسكر. تم تجاهل هذه الصناعات وتخسيرها قسراً لأسباب عديدة، وعانت من مصاعب عديدة، ومازالت، وقد أدى ذلك إلى حالة جمود في شركات القطاع العام كافة، وتخلف إنتاج هذه الشركات بالمقارنة مع الصناعات المشابهة إقليمياً وعالمياً.
الشركات توقفت!!
الشركات الـ17 التي توقفت مؤخراً بقرار رئيس الوزراء ووزير الصناعة، كافة موادها الأولية محلية، وليست مستوردة: حرير الدريكيش، البسكويت والشوكولا، الكونسروة، الزيوت والصابون، كاميليا، الأخشاب، العلب المصنعة الكبريت والخشب وأقلام الرصاص، الخزف، الدباغة... الأحذية، معمل الوليد للميكروباصات، الأبقار، بردى... لن نتساءل عن المبررات التي استندت إليها الحكومة لوقف هذه الشركات عن العمل والإنتاج. وليست مفاجأة إذا قلنا إن هذه الشركات جميعها رابحة وليست خاسرة.
نظرة في عمق هذه الشركات!!
حرير الدريكيش تعمل بشكل موسمي، وتقوم بحل الشرانق المنتِجة لخيوط الحرير الطبيعي، وهي صناعة فريدة من نوعها في العالم، ويبلغ عدد عمالها المخطط 75 عاملاً، والعدد الفعلي 24، نسبة التنفيذ 27% خلال السنوات الماضية، وهناك مخزون، والخسارة 5 مليون ل.س، وصعوبات الشركة ليست بسبب حدة المنافسة أو ارتفاع التكاليف أو عدم تحقيق الطاقة الإنتاجية، وإنما هناك قرار اتخذ بوقفها عن العمل، ويعني هذا إيقاف عشرات الفلاحين عن تسويق إنتاجهم من أشجار التوت وتربية القز، إضافة إلى توقيف العاملات عن العمل في هذه الصناعة الفولكلورية، وبالمقابل استيراد الحرير الصناعي من قبل حفنة من التجار.
الشركة رابحة اقتصادياً بامتياز، لأنها تخدم الزراعة والصناعة، والتوقف عن العمل يعني الاستيراد بالقطع الأجنبي، وهذا يعني خللاً بنيوياً في الاقتصاد الوطني، كيف يمكن أن نقول أو نصنف هذه الشركة بأنها خاسرة وهي تشغل هذا العدد من الأسر؟ إن توقفها عن العمل هي وغيرها سوف يؤدي إلى انعكاسات خطيرة.
تصريحات عديدة لوزير الصناعة ورئيس الوزراء تقول: إن كيلو السكر يكلف في المعامل السورية للقطاع العام 60 ل.س واستيراده من الخارج يكلف 18 ل.س وهذه كارثة حقيقية برأي الحكومة. ولكن الوقائع الاقتصادية تقول: إن هذه ليست خسارة، ونستطيع أن نحد من هذه الخسارة بإجراءات ليست صعبة، لأن هناك آلاف العمال والأسر يعتاشون من العمل، وهناك آلاف الفلاحين يزرعون الشوندر السكري. ومعامل السكر تؤمن الخميرة للخبز وتؤمن الكحول الطبي والصناعي والعلف، ولو أجرينا حساباً، أو أخذنا بالاعتبار قيمة كافة النواتج والمواد لشركات القطاع العام والخاص من عملية تصنيع السكر لوجدنا بأنها أقل من قيمة الإنتاج المستورد بالدولار. وهذا يعني أن شركات السكر رابحة وليست خاسرة، ولو أرادت الجهات الحكومية أن تجعل هذه الشركات رابحة تجارياً، تستطيع ذلك بإجراءات عديدة أبرزها:
ـ الاهتمام بزراعة الشوندر ومواصفاته لرفع مستوى الحلاوة.
ـ حل الاختناقات في خطوط الإنتاج ليصار إلى استغلال كامل الطاقات.
ـ إيجاد صناعات موازية لصناعة السكر لتشغيل العاملين خارج الموسم، والموسم 40 يوماً فقط.
ـ التكامل في التخطيط بين الزراعة والصناعة.
ـ تحديد مناطق إنتاج الشوندر لرفع إنتاجية الأرض وتحسين المردود.
ومع هذه الإجراءات التي كان يجب أن تتخذ، لاستطعنا أن نقيم معامل أخرى للسكر، من أجل سد حاجة السوق المحلية من هذه المادة، وسد حاجة الشركات والمؤسسات في القطاعين العام والخاص من النواتج.
لو حسبنا ما تدفعه سورية لاستيراد السكر والكحول من مبالغ تقدر بمئات الملايين، لوجدنا أن إقامة معامل جديدة أجدى من الاستيراد، ولو كلف الكيلو 100 ل.س، طبعاً القطاع الخاص يستورد السكر خاماً ويكرر ولا ينتج.
شركة حمص للغزل والنسيج والصناعة عمرها 55 عاماً، كانت تضم 1500 عاملاً، واليوم 200 عامل فقط، وقد نقص عدد العمال ليس بالتسريح ولكن بالتطفيش، بعد وقف كافة المكاسب والتأخر لأشهر في دفع الرواتب.
درست مشاريع عديدة للشركة، وصرفت مئات الملايين على هذه الدراسات، وأعطيت هذه المشاريع للقطاع الخاص على طبق من ذهب، وتركت الشركة تئن من جرحها.
بدأت منذ العام 1982 دراسات تجديد واستبدال للآلات في الشركة، وبدأت المخالفات في المناقصات، أولى الآلات التي استبدلت هي سلندرات التنشيف بالمصبغة، وأحيلت إلى الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش نتيجة المخالفات في العقود، وبعدها وردت آلات فحص الأقمشة الجاهزة وأيضاً أحيلت إلى التفتيش آنذاك. وحصلت سرقات علنية: بيع القطع الفنية الموجودة بالمستودعات تحت ستار زيادة المبيعات للشركة، وجرى تنسيق قسم الغزل المؤلف من سبع كردات، وسحبت آلات أخرى إلى معمل الخردة في حماة، دون أن يتم تأمين آلات غزل بدلاً عنها، حسب قرارات مجلس الوزراء التي تنص على عدم تنسيق أية آلة ما لم يتم تأمين البديل عنها في أرض المعمل. أيضاً جرت مناقصات عديدة وأحيلت إلى التفتيش.
كيف تخسر شركات الزيوت والكونسروة والصابون؟!
يجيب اتحاد عمال دمشق بالآتي: تتحمل الحكومة المسؤولية عن خسائر هذه الشركات، لأنها لم تدرس أسبابها رغم أهمية قطاع الصناعات الغذائية، فمواده الأولية محلية ومتوفرة في السوق المحلية، ولكنه يعاني منذ سنوات من الترهل في كافة مجالاته الإدارية والفنية والمالية والتجارية، والحل هو النظرة المعاصرة للإنتاج الغذائي العالمي وانعكاساته داخلياً، بإدارة معاصرة، غايتها الجودة وخفض التكاليف أو تنويع المنتجات.
أنشئت الشركات الغذائية من أجل أهداف:
ـ استيعاب الفائض من المحاصيل الزراعية والمنتجات الحيوانية وتصنيعها.
ـ تأمين حاجة السوق المحلية من السلع الغذائية المتنوعة.
هذه الشركات رابحة رغم واقعها المتردي والسؤال هنا: كيف تخسر المؤسسة العامة للمباقر وهي تملك آلاف الأبقار وآلاف الدونمات؟ أو كيف تخسر معامل الألبان؟! هناك أزمة مستمرة بين معامل الألبان ومؤسسة الأبقار منذ سنوات، فالمؤسسة تتبع لوزارة الزراعة، بينما تتبع معامل الألبان لوزارة الصناعة!!
والسؤال: لماذا لا يتم إيجاد جهة إشرافية وزارية واحدة، بدل التضارب والسجال الدائم بين المؤسسة والمعامل حول سعر الحليب ونوعيته وتسويقه؟ وحول اضطرار المعامل للاستجرار من القطاع الخاص؟
وينطبق هذا أيضاً على شركات الزيوت وعلى جميع شركات ومؤسسات ومعامل القطاع العام. في الوقت الذي تقف الجهات الوصائية متفرجة على هذا الخلل العام وهنا لسنا بحاجة إلى عناء كبير لمعرفة أسباب هذا الخلل وعدم اتخاذ قرار بشأنه. فرائحة الفساد طاغية على كل أوجه هذه الظواهر، وقد أصبح الفساد أيديولوجيا يشكل وزراءٌ ومدراءُ أركانَها على حساب القطاع العام، إلى أن وصل إلى ما وصل إليه، واتُّخِذ القرار.
برأي الحكومة أن كافة شركات القطاع العام خاسرة، ومن لم تخسر الآن سوف تصل إلى الخسارة، والحل إيقاف كافة شركات القطاع العام، والبداية كانت إيقاف هذه الـ17 شركة، والقادم أخطر!!