تبييض الفساد

اعتاد الناس على استخدام مصطلح  تبييض الأموال للدلالة على الأموال غير المشروعة التي تتكون بفعل ممارسة أعمال مثل الإتجار بالمخدرات والتهريب وممارسة القمار... ولكننا لن نتوقف عند هذه الآفات المنتشرة في العديد من زوايا المجتمع والتي أصبحت لها شبكات بما فيهم الذين يؤمنون مواد «الكيف» مثل الكوكائين.

إن حديثنا الآن يتناول شكلاً آخر، إنه أحد اشكال تبييض الفساد في كافة مناحيه الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والسياسية. وليس المقصود تبييض أموال الفساد، لكن الذي لابد أن نتوقف عنده هو ظاهرة استخدام الدريئة المناسبة التي من شأنها أن توحي أن الأمور على مايرام. وكثيراً ماتكون هذه الدريئة ذات سمعة وصفة اجتماعية، وأحياناً  نجد أن الدريئة ذات انتماء سياسي يوحي بالثقة وسلامة الأمور.

ولكن فن اختيار الدريئات يعرف جيداً أنه كيفما كانت الأمور ومهما كانت سمة الدريئة فإن الوضع لايستقيم إلا إذا كانت قابلة للفساد حتى وإن اقتصر الأمر على الفتات.

ودريئة أخرى ليتلطى خلفها الفساد في هذه الدائرة أو تلك المؤسسة أو تلك المنظمة وهي طرائق طريفة في تقديم الحساب المالي أمام الاجتماعات الواسعة أو المؤتمرات، وعندها تختصر الأمور إلى عناوين عامة غير محددة المعالم، وكل عنوان منها يتألف من بنود عديدة ولكن تلك الطريقة تتجاهل كل ذلك، وعلى سبيل المثال فإن بند تصليح السيارات يقابله رقم محدود دون الدخول حتى في التفاصيل الأولية والضرورية، فيجري تجاهل عدد السيارات التي جرى إصلاحها ولايذكر ثمن القطع التي جرى شرائها وعددها كما لاتذكر أجور التصليح ولاتدرس تلك البنود ولايجري استخلاص الاستنتاج مثل: أيهما أوفر الاستمرار في تصليح السيارة أم استبدالها؟، وهكذا.. ولم يعد خافياً أن حديثا ًواسعاً يتناول الفواتير المزورة التي تكتب ولايحتاج الأمر إلا إلى توقيع المسؤول المالي بصورة أساسية.

ومثال آخر على طرائق الفساد في تقديم الحساب نجده في نفقات المؤتمرات أو المناسبات والضيافات أو أنشطة أخرى، وفي هذا المجال يجري تجاهل الإشارة إلى أية بنود رئيسية أو تفرعات، ويجري الاكتفاء بالقول أن نفقات المؤتمر بلغت كذا، أو أنه أنفق على الضيوف كذا دون تحديد عدد المؤتمرين والأيام التي قضوها وتكلفة المؤْتمِر الواحد أو الضيف الواحد ودون تبيان أو تعليل مقدار ذلك الإنفاق.

وإذا كنا قد أشرنا  إلى بعض طرائق الفساد فلأننا ينبغي أن نذكر دائماً وأبداً أن أحد  أهم أعمدة تصدي الوطن للهجمة الإمبريالية الأمريكية الفرنسية الصهيونية، هو محاربة الفساد وفضح طرائقه وسبله وفضح رموزه وتجدر الإشارة أن قوى الفساد هي الاحتياط الأول الذي تستند إليه تلك الهجمة، فهم يكونون الطابور الخامس، ولكنهم حتى في هذه الظروف يضعون المسألة في صالحهم فيقولون أن الوقت هو وقت التصدي لمخططات العدوان والضغوط ولامكان الآن لمحاربة الفساد.

 

وحقيقة الأمر كما دلت تجربة مصر وغيرها أنهم يشددون من فسادهم في أصعب الظروف وأقساها، وإذا ماحقق العدو نصراً أطلوا بوجوههم الحقيقية المعادية للوطن والوطنية، ولاضير إذا زادوا جرعات الكيف وتفننوا أكثر فأكثر باستنباط طرائق جديدة للفساد الذي أخذ مجالات متنوعة بما فيها المجال السياسي.