السياسة السعرية في القطاع الزراعي الخضار والفواكه

يأخذ البحث في القطاع الزراعي أهميته من كونه القطاع الأكثر إمكانية واستعداداً للتطور في سورية نتيجة توفر معظم الشروط الأساسية اللازمة لارتقائه نحو الأفضل، وأيضاً من كونه القطاع الأكثر تعرضاً للظلم والتهميش طوال العقود الماضية، وذلك من خلال الإجحاف الكبير الذي كان ومايزال يلحق بالفلاحين والمزارعين.

كان يعمل في القطاع الزراعي حوالي 65% من مجموع المشتغلين عام 1963 م أصبحت هذه النسبة 26.2% عام 2003 وقد تراجعت حصة القطاع الزراعي من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية من 30% عام 1963 م إلى 24% عام 2003 * حدثت هجرة كبيرة من القطاع الزراعي من الريف إلى المدينة بحثاً عن عمل في قطاعات أخرى كالصناعة والبناء والخدمات المختلفة، بسبب تردي أوضاع الفلاحين وفائض العمالة الكبير في الزراعة.

سنسلط الضوء على السياسة السعرية عبر أمثلة لفترة تمتد عدة عقود، لنبين حجوم هوامش الأرباح بالنسبة للفلاحين والتجار. هذا النظام السعري قائم منذ مطلع القرن العشرين. إبان الحكم الاستعماري الفرنسي. ولم يتبدل فيه شيء يذكر خلال قرن كامل. 

جدول رقم (1) - شهر أيلول 1968 ـ مدينة دمشق (الوحدة كغ ـ السعر ق.س) 

المصدر: المكتب المركزي للإحصاء ـ تطور الأسعار ومستواها عام 1968 ـ سلسلة الدراسات رقم 19، صفحة 35.

يحصل تاجر الجملة والمفرق معاً على هامش ربح يومي يتراوح بين 150 ـ 284%. بتعبير آخر تصل فائدة رأس المال المستثمر في تجارة الجملة والمفرق معاً إلى 18250 في السنة في مادة البندورة وإلى أضعاف هذه النسبة بالنسبة للمواد الأخرى. في حين أن هامش الربح السنوي للفلاح يتراوح بين +10 %– 15% سنوياً. فيعمل الفلاح بالسخرة طوال العام ويخسر أحياناً قسماً من رأسماله الثابت. الفلاح مغبون عندما يكون المحصول وفيراً فينخفض سعر المزرعة كثيراً جداً، ومغبون عندما ينخفض الإنتاج الزراعي كثيراً بسبب الأحوال الجوية من قحط أو صقيع إلخ. بالمحصلة لا يحصل الفلاح على ربح طيب يتمكن بواسطته أن يعيش حياة كريمة.

 انظر جدول رقم (2). 

هنالك سعر تموين للمفرق، أما للجملة فلا يوجد. الأهم أولاً تحديد سعر تموين للجملة. يتبين أن السعر الفعلي للمفرق أعلى بكثير من السعر التمويني للمفرق وفي جميع الحالات.

انظر جدول رقم (3).

إن هوامش الأرباح فاحشة بالنسبة لأسعار الجملة والمفرق سواء بالنسبة لتسعيرة التموين أو بالنسبة لأسعار المفرق الفعلية والتي هي مرتفعة جداً. 

بناءً على القانون رقم 123 لعام 1960 الخاص بشؤون التموين والمعدل بالقانون رقم 22 لعام 2000 والقرارات العديدة الأخرى يجري إصدار نشرات تموينية مرتين كل أسبوع. 

انظر جدول رقم (4).

لم يعد يرد ذكر سعر المزرعة، لتسليط الضوء على إيرادات الفلاحين وعلى هامش أرباح تجار الجملة في أسواق الهال. ولم يعد يتم تسجيل الأسعار الفعلية للمفرق. علماً أن الفروق كبيرة في الواقع بين الأسعار التموينية والفعلية.

حددت الأرباح المخصصة لتاجر الجملة بالنسبة للخضار والفواكه المنتجة محلياً أو المستوردة بـِ 5% بالنسبة للفواكه الطازجة بتاريخ 2/3/1960 والأرباح المخصصة لبائع المفرق بين 20 ـ 30% من ثمن الشراء من تاجر الجملة. وتضاف نسبة 15% لقاء التلف بالنسبة للبندورة (المصدر: قرارات وزارة التموين المتعددة صفحة 50/51).

هذه النسب التي حددتها وزارة التموين مرتفعة جداً وتبخس الفلاح والمنتج حقوقه التي استحقها بجهده وعرقه وكده وتقدمها لقمة سائغة للتاجر. هي تعطي لاستغلاله للفلاح والمستهلك "الطابع القانوني" بالطبع الأسعار الفعلية أعلى بكثير من الأسعار التموينية. تصل هذه النسب في الدول الرأسمالية المتطورة بين 1 ـ 2% من سعر المزرعة بالنسبة لتاجر الجملة (الأسعار الفعلية). هنالك جمعيات تسويقية تعاونية اختيارية تتولى في معظم الحالات جمع الخضار والفواكه وتبيعها لتجار الجملة مقابل الكلفة. تتولى الدولة شراء الفائض وتخزينه بالنسبة لسلع عديدة وعند حصول تراجع في العرض تعرضه في الأسواق في محاولة منها للحفاظ على ثبات الأسعار بقدر الإمكان بما يضمن مصلحة المنتج والمستهلك، إنطلاقاً من سياسات زراعية تضمن للفلاح ربحاً طيباً يشده إلى العمل في الزراعة وللمستهلك أسعاراً معتدلة بالنسبة لدخله المتاح.

عندما تتدخل الدولة لتخفيض هوامش أرباح تجار الجملة والمفرق فعلياً لصالح الفلاحين والمنتجين الزراعيين والمستهلكين، يتوقف تدهور القطاع الزراعي الخطير. يصبح بوسع القطاع الزراعي أن يطور نفسه فيوظف أرباحه في استثمارات تخفض كلفة الإنتاج وترفع الإنتاجية وتزيد كمية الإنتاج الزراعي ونقترب خطوات إلى الأمام باتجاه الأمن الغذائي ونستطيع أن نزيد صادراتنا الغذائية إلى الأقطار العربية الأخرى والدول المجاورة.

سياسة التسعير الزراعي متخلفة عندنا زهاء قرن. علينا أن نمنع التجار من نهب حقوق الفلاحين فنحررهم من عبودية الفقر المدقع. النظام السعري المسيطر منذ قرابة قرن "يجرم الفلاحين". تذهب معظم أرباح تجار الجملة والمفرق إلى الاستهلاك الترفي. في حين تذهب أرباح الفلاحين إذا تشكلت لتؤمن حياة كريمة متواضعة ولتزيد الادخار العام والاستثمار العام إلى جانب الاستثمار في الزراعة. لن يتقدم القطاع الزراعي قبل تحريره من النهب المنظم المنهجي والضخم من التجار. يعمل الفلاحون بكد معظم أيام العام تحت ظروف مناخية قاسية من حر وبرد ومن مشاكل إنحباس الأمطار حيناً والصقيع حيناً آخر. إنهم يغامرون بالإنتاج بكل ما لديهم في حين يغامر التاجر ليوم واحد ويحدد الكميات التي تناسبه والأسعار الملائمة وما على المنتج الزراعي إلا الإذعان "لقوانين السوق الاحتكارية".

لنأخذ فكرة عن حجم النهب المنظم للفلاحين بالنسبة للخضار والفواكه، نستعرض بعض المؤشرات لعام 2003.

بلغ إنتاج الخضار والفواكه قرابة 5 ملايين طن. نقدر أن ثمن مبيعات الفلاحين من الخضار والفواكه عام 2003 قد بلغت 80 مليار ل.س باعها تجار الجملة بقيمة 50 مليار ل.س وباعها تجار المفرق بقيمة 100 مليار ل.س.

هذه الأرقام واقعية وأقل مما يتحقق على أرض الواقع إنطلاقاً من الأسعار الفعلية والوضع الاحتكاري لتجار الجملة حيال الفلاحين، فإما أن يبيعوا بالسعر الذي تحدده أسواق الهال أو يتم إتلاف الفواكه والخضار. هذا يحصل في بعض الأحيان إذ يتخلى الفلاحون عن القطاف عند تدني الأسعار بشكلٍ كبير فتبقى الخضار والفاكهة علفاً للحيوان أو تتحول إلى سماد للتربة. إذ يوفر الفلاحون بذلك كلفة الجني والقطاف والشحن لأن السعر أصبح أخفض منهما.

توزع الدخل بين الشرائح الاجتماعية بالنسبة للخضار والفواكه 2003

الشريحة الاجتماعية: الفلاحون

- مبيعات سنوية: 50 مليار ل.س.

- كلفة الإنتاج والتسويق: من إيجار للأرض والحراثة والتسكيب ونثر البذار وأجور السقاية وثمن المياه والعزق والتعشيب وقيمة الأسمدة وقيمة البذار وقيمة مواد المكافحة وأجرة المكافحة وقيمة القطاف والفرز والتعبئة ونقل المحصول وقيمة العبوات إلخ.

- أرباح صافية: تتراوح بين -10% و+10، أي بين -5 مليار و+5 مليار ل.س.

- قوة العمل: أكثر من 1 مليون.

- الدخل المتوسط للفرد: خسارة 5000 ل.س

إلى ربح 5000 ل.س.

الشريحة الاجتماعية: تجار الجملة للخضار والفواكه

- مبيعات: 80 مليار ل.س.

- أرباح غير صافية: 30 مليار ل.س.

- بنود الكلفة المختلفة: 1 مليار ل.س.

- أرباح صافية: 29 مليار ل.س.

- قوة العمل: 0.025مليون.

- الدخل المتوسط للفرد: أكثر من مليون ل.س.

الشريحة الاجتماعية: تجار المفرق

- مبيعات: 100 مليار ل.س.

- أرباح غير صافية: 20 مليار ل.س.

- الكلفة: 5 مليار ل.س.

- أرباح صافية: 15 مليار ل.س.

- قوة العمل: 0.15مليون.

- الدخل المتوسط للفرد: مئة ألف ل.س.

يحصل تاجر المفرق من بيع الخضار والفواكه فقط على 20 مثلاً لما يحصل عليه الفلاح. ويحصل تاجر الجملة على أكثر من 200 مثلاً مما يحصل عليه الفلاح وسطياً. هذا توزع جائر جداً للدخل لصالح التجار على حساب الفلاحين.

ما هو تأهيل تاجر الجملة أو تاجر المفرق، ليبرر حصوله على الأرباح الخيالية؟!

إنه في كثير من الأحيان ملم بالقراءة والكتابة والحساب، لكنه اكتسب مع الزمن خبرة من استغلال الفلاح والمستهلك ليس غير.

توزع مقترح عادل للدخل

بين الفلاحين والتجار

يجب تصحيح العلاقات السعرية وليكن كما يلي:

الفلاحون

مبيعات: 87 (مليار ل.س)

الكلفة: 52 (مليار ل.س)

أرباح صافية: 35(مليار ل.س)

تجار الجملة

مبيعات: 90 (مليار ل.س)

الكلفة: 1(مليار ل.س)

أرباح صافية: 35(مليار ل.س)

تجار السوق

مبيعات: 100(مليار ل.س)

الكلفة: 5(مليار ل.س)

أرباح صافية: 35(مليار ل.س)

خاتمة:

عندما يحصل الفلاحون والمنتجون الزراعيون على ربح وفير، يتحول جزء منه لضمان حياة كريمة وجزء كبير منه للاستثمار في القطاع الزراعي سواء لاستصلاح أراضٍ زراعية إضافية فتزيد السعة الزراعية أو لشراء معدات وتجهيزات أكثر تطوراً ولتطوير ولتوسيع أساليب الري فترتفع الإنتاجية الزراعية وترتفع كميات الإنتاج مع خفض لكلفة الإنتاج. يدعو ذلك إلى تثبيت الفلاحين في أراضيهم والتقليل من تهجيرهم القسري إلى المدن الكبيرة إلى احياء السكن العشوائي بسبب الفقر المدقع والبطالة الشديدة.

* المجموعة الإحصائية لعام 1964 صفحة.... ولعام 2004 صفحة 554/4 وصفحة 90/91.

 

■ نزار عبد الله