نزار عادلة نزار عادلة

كيف نحاسب الشارع ولا نحاسب الحكومة السابقة؟!

لم يكن هناك سباق بين الفريق الاقتصادي في حكومة العطري وتحديداً النائب الاقتصادي، وبين حركة الشارع الجماهيرية في سورية، فالشارع كان صامتاً ومتفرجاً، ولكن متألماً، على أداء الحكومة التي بدأت في تطبيق اقتصاد السوق الاجتماعي تنفيذاً لقرار القيادة السياسية المتضمن السير في هذا الاتجاه.

«تكويعة»

ما قررته القيادة السياسية في العام 2005 يعد تحولاً اجتماعياً، واقتصادياً، وسياسياً، حيث اتخذت إجراءات غير متدرجة على كافة المستويات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، بل أتت على شكل صدمات كما كان يقول النائب الاقتصادي، وهذا أرخى بظلاله على المجتمع بشكل عام، وترك أثاراً سلبية على السوريين منذ البداية.

تعديل قانون العمل في القطاع الخاص مطلب نقابي وعمالي، وكان على هذا القانون أن يواكب المتغيرات التي حدثت في سورية، وأن يكون عصرياً وملائماً للمرحلة الحالية، وأن يقدم إنجازات ومكاسب لعمال القطاع الخاص، ولكن الذي جرى في هذا التعديل، هو التراجع عن المكاسب التي منحها قانون عام 1959 لعمال القطاع الخاص، وأعطى الحرية لأرباب العمل على حساب العمال، ومنها على سبيل المثال إلغاء لجان قضايا التسريح، وتعديل بنود هامة في القانون من بوابة قانون الاستثمار على مقولة «العقد شريعة المتعاقدين»، وتضمن الترخيص لمكاتب خاصة لاستخدام العمالة الأجنبية الوافدة كخدم المنازل، والراقصات، وقوننة عمل المكاتب الموجودة والمخالفة للقانون التي تستورد العمالة باسم الخدم والمدلكات والفنانات، وتصدير عمالة سورية إلى الخارج بعد دفع مبالغ كبيرة ممن يريدون الهجرة.

مكاتب التشغيل باتت مكاتب نصب واحتيال، وكان لهذا الموضوع انعكاسات ونتائج اجتماعية وأخلاقية كبيرة أيضاً، وأدى لعدم تفعيل مكاتب التشغيل وتأمين فرص عمل، وعدم الاستثمار في القطاع العام إلى كوادر فنية، وتم الانتقاص من الحوافز، ومن طبيعة العمل، ومن العمل الإضافي.

غياب الدولة

دور الدولة قد تراجع، ولم تقدم البدائل، وتم رفع الدعم، خاصة على حوامل الطاقة للوصول إلى الأسعار العالمية، وتم رفع الدعم عن الفلاح وبعض منتجاته الزراعية، بينما كانت تتوالى التصريحات الحكومية بأن الدولة تستورد مازوت بمقدار /200/ مليار ليرة سنوياً، دون أن تفكر بإقامة مصفاة نفط واحدة لا تتجاوز تكلفتها سوى /120/ مليون دولار، فلماذا نستورد احتياجاتنا من المشتقات النفطية من الخارج بينما نبيع نفطنا المحلي خاماً رافضين إقامة مصفاة لتكريره محلياً؟

الجواب واضح، إنه باب من أبواب الفساد في الجانب الاقتصادي، ورغم التصريحات اليومية عن حجم الاستثمارات، ورغم الإعفاءات الممنوحة والتسهيلات، فأن أغلب الصادرات كانت من المواد الخام، ونسبتها تصل إلى /80%/ من الصادرات الإجمالية، في حين كانت تزداد المستوردات عاماً بعد عام، وتظهر الأرقام والبيانات الاختلال الكبير بين الصادرات والمستوردات. 

عمليات وهمية

اتخذت إجراءات على الصعيد النقدي والمصرفي، أثرت على قيمة الليرة السورية، وفي حال الاستمرار بها سوف يتم استنزاف الاحتياطي الاستراتيجي تحت بند تمويل التجارة والمستوردات، وهي عمليات وهمية تحت شركات وهمية، وفي هذا المجال انتشر القطاع الاقتصادي غير المنظم، وتمت مضاربات وأعمال احتيال، وتمت عملية نهب منظمة للثروة الوطنية، ودفع القطاع الخاص الوطني المنتج الثمن، حيث جرى «تطفيشه» من خلال الروتين والبيروقراطية، والحاجة إلى موافقة /36/ جهة حتى يسمح للمستثمر القيام بمشروعه.. بعد ذلك تبدأ رحلة المتاعب بالإنتاج مع جهات عديدة وصية على التصدير والاستيراد والعمل والإنتاج والجودة وغير ذلك من التعقيدات، وهي في المحصلة ابتزاز تظهر آثاره على العمال والفقراء، وهم الأكثرية. 

الشراكة الغائبة

كان الفريق الاقتصادي يلهث على اتفاق الشراكة السورية الأوروبية ودخول سورية في اتفاقية التجارة العالمية، وأقام الاتحاد الأوروبي مئات الندوات وغطيت مادياً من جانب الاتحاد الأوروبي، في حين لم يقم الاتحاد بأي مشروع إنتاجي، ولم تتم مساءلة الفريق الاقتصادي عن نتائج ندواته، وكان يزين ما يقوم به للقيادة، لذلك فقد أخذ حريته بالكامل، وهنا تضاعفت الانعكاسات الاجتماعية والاقتصادية، بدءاً من ارتفاع أسعار تكلفة المستوردات، مروراً بتخفيض العائدات الناتجة عن إلغاء الرسوم الجمركية على المنتجات الصناعية والزراعية والسلع المستوردة من الاتحاد الأوروبي، وأصيبت الصناعات السورية بالكساد، وأغلقت شركات منتجة في القطاعين العام والخاص، ولم تفكر الحكومة بفرض رسوم إغراق كما تفعل كافة دول العالم على بعض السلع الهامة حماية لصناعاتها فعلاً، وانخفضت الرسوم الجمركية، ولكن الضرائب والرسوم ارتفعت على المواطنين. 

لا مراجعة

منذ أكثر من عامين اعتبر الكثير من الاقتصاديين والمتابعين أن اقتصاد السوق بحاجة إلى وقفة ومراجعة للمراحل التي قطعها، وإلى عقد ندوة أو مؤتمر لدراسة ما صدر من قرارات ومراسيم، وما اتخذ من إجراءات اقتصادية ومالية تتنافى ومبادئ الحزب والدستور، وانعكاساتها لدراسة النجاحات والاخفاقات وتقويم التجربة قبل أن ندفع الثمن، ولكن هذه الندوة لم تقم، ودفع اقتصادنا ودفع شعبنا الثمن من خلال ارتفاع معدل البطالة، وتناقص فرص العمل، إلى جانب تدهور الأحوال المعيشية لأكثرية الشعب، وتراجع الخدمات التعليمية والصحية بشكل عام، وكانت هذه الآثار أشد وطأة على العمال.

لم تنفذ مشاريع إصلاح القطاع العام على أرض الواقع، وتركت الشركات تنهار شركة بعد أخرى، وأبرز ما جرى وما حققته الحكومة السابقة هو عرض عقارات /37/ شركة متعثرة ومتوقفة على البيع، ولكن دون خصخصة، وكان الهدف من القرار -حسب وزير الصناعة السابق- «إنشاء صندوق بثمن هذه العقارات يخصص لإصلاح ما تبقى من شركات في القطاع العام»، ولم يتم إنشاء هذا الصندوق. 

ثمن كبير

فشلت كل الدول التي سارت في اتجاه الاقتصاد الليبرالي، ودفعت الثمن، ومع ذلك لم نتعلم من التجربة، والسؤال الآن: لماذا يكرر وزير الصناعة الحالي ما كان يكرر خلال السنوات السابقة؟ فالقطاع العام بحاجة إلى إصلاح، وجميعنا يعلم أن القطاع العام بحاجة إلى إصلاح، فلماذا لم يبدأ بالإصلاح؟ لماذا لا يقوم بجولات ميدانية إلى الشركات الهامة المتوقفة عن العمل عن سابق تصور وتصميم؟! لا شك أن هذا أرحم من تشكيل لجان واستقدام خبراء وإجراء حوارات لأن الإصلاح واضح للجميع، وهنا نسأل: كيف لنا أن نحاسب الشارع ولا نحاسب الفريق الاقتصادي في الحكومة السابقة على جرائمه بحق الشعب السوري طوال عقد من الزمن؟!