التقاعد المبكر.. ومشكلة البطالة
في وقت تنادي فيه الدول الأوربية لرفع سن التقاعد إلى 67 عاماً، نجد أن السوريين يبحثون عن تخفيض هذا السن إلى 52 عاماً كمشروع قانون مأمول، فهل لهذه المطالبة السورية ما يدعمها في الواقع العملي؟!
الدعوة الأوربية، ما هي إلا نتاج تركيبة المجتمع الأوربي الهرم الذي تنخفض فيه نسبة البطالة إلى حدود متدنية، مما يجعلهم متمسكين بموظفيهم، وهي نتاج عقلية المجتمع الرأسمالي الحاكم في هذه البلدان، بينما طبيعة المجتمع السوري الفتية هي التي تفترض تخفيض سن التقاعد لاستيعاب الأعداد الكبيرة من الداخلين الجدد إلى سوق العمل، والذين يصلون إلى 250 ألف داخل جديد سنوياً..
تطبيق قانون التقاعد المبكر في سن 52 سنة سيشمل بحدود 125 ألف عامل، بتكلفة تقدر بـ 85 مليار ليرة سورية في خمس سنوات، وهذا بحسب الدراسة والأرقام التي أشار إليها خلف العبد الله مدير مؤسسة التأمينات الاجتماعية والعمل..
إن إحالة تلك الشريحة من العاملين في الدولة على التقاعد سيسمح بتأمين فرص عمل لـ 125 ألف شاب سوري، وهذا يعني أن تكلفة فرصة العمل في هذه الحالة تصل إلى ما يقارب 680 ألف ليرة، وهي تماثل تكاليف فرصة العمل السورية حسب الدراسات السابقة، بينما تصل إلى 2.5 مليون ليرة تكلفة فرصة العمل الواحدة في العالم..
هذا يعني أن إحالة هؤلاء العاملين إلى التقاعد المبكر سيكون في مصلحة القطاع العام، لأنه سيسمح برفده بدماء جديدة قادرة على العطاء بدلاً من تلك الكوادر المعمرة، وسيساهم في الوقت عينه بحل جزئي لمشكلة البطالة المستشرية في صفوف الشباب السوري.. فالتقاعد المبكر هو أحد الحلول المتاحة أمام الاقتصاد السوري..
ومع وجود رافضين لقانون مماثل يبرز السؤال: ما الفائدة التي يرجونها من الإصرار على التمسك بموظف فوق 52 عاماً، وهو في ظروف بلدنا غالباً ما يكون عاجزاً عن استخدام الحاسب ومعرفة اللغات الأجنبية مثلاً، وربما يشكل عائقاً في وجه أتمتة بعض القطاعات الحكومية، بينما يفترض أن نكون مقبلين على مرحلة جديدة من الأتمتة الشاملة لأعمالنا الحكومة والخاصة؟!.
وهذا لا يعني بحال من الأحوال رمي المتقاعدين المبكرين ولفظهم خارج عملية الإنتاج، بل يمكن الاستفادة من خبراتهم في القطاع الخاص أو في المشاريع الصغيرة التي يجب ألا تتوقف الدولة عن دعمها لتكون شكلاً موازياً، ولو بشكل ثانوي، لبقية المشاريع العامة وهي الأساس، والخاصة التي يمكن أن ترفدها وتدعمها..
ويبقى أن نقول إن التقاعد المبكر ليس هو السبيل للخلاص من مشكلة البطالة، فحل هذه المشكلة يبقى أساساً في خلق فرص عمل جديدة بشكل مستمر، عبر فتح جبهات عمل حقيقية ومشاريع وطنية كبرى في القطاعات كافة تأخذها على عاتقها الدولة المخططة الواسعة التدخل، صاحبة التفكير الاستراتيجي والرؤى العميقة.