سباق الكهرباء مع الزمن... كيف نتجنب الفوضى غير الخلاقة؟
ورد في التقرير المقدم إلى المؤتمر السنوي لنقابة عمال الكهرباء في 20/2/2007 أنه أصبح هناك عجز واضح في توليد الطاقة الكهربائية بسبب الطلب المتزايد على الكهرباء حيث وصلت نسبة النمو السنوي إلى 10% كما يوضح التقرير.
وبالرغم من أن التقرير قد حدد أن سبب العجز يكمن في ازدياد الطلب على الطاقة الكهربائية إلا أن هناك سبباً آخر لا يقل أهمية، وهو عدم إنشاء محطات توليد جديدة منذ عام 2000، وبالرغم من الجهود المبذولة فإن وزارة الكهرباء لم تتمكن من إدخال استطاعات توليد جديدة خلال الفترة من عام 2000 ولغاية تاريخه.
وقد أدى ذلك بالإضافة إلى ضرورة إيقاف بعض مجموعات التوليد العاملة لإجراء الصيانات والعمرات إلى ظهور العجز الواضح في توليد الطاقة الكهرباية المطلوبة لتلبية الطلب على الطاقة، وقد عملت وزارة الكهرباء على تطبيق إجراءات التقنين واستيراد الطاقة الكهربائية عبر خطوط الربط لتلافي العجز الحاصل والمنوه عنه في التقرير.
وإذا صحت نسبة التزايد السنوية في الطلب على الطاقة الكهربائية والتي تم إيرادها في تقرير النقابة والبالغة 10% سنوياً فإن ذلك يعني أن الطلب على الطاقة الكهربائية سيتضاعف خلال فترة 7 ـ 8 سنوات أي أن الطلب على الطاقة الكهرباية سيزداد من حوالي 37 مليار كيلو وات ساعي في عام 2006 ليصل إلى حوالي 74 مليار كيلو وات ساعي في عام 2015 أما الطلب على الاستطاعة الكهربائية المركبة فقد يصل إلى 15000 ميغاوات في عام 2015 مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة توفر احتياطي في الاستطاعة، إضافة إلى تقادم مجموعات التوليد العاملة حالياً، والظروف المناخية التي قد تعيق تحميل المجموعات تحميلاً كاملاً.
إن ما ذكر أعلاه يعني أنه ولغاية عام 2015 يجب رفد الشبكة الكهربائية بمجموعات توليد جديدة (محطات توليد) ذات استطاعة إجمالية تبلغ 8000 ميغاوات، مما يعني بدوره توظيف استثمارات جديدة في قطاع توليد الطاقة الكهربائية قد تزيد عن ستة مليارات دولار، يضاف إليها الاستثمارات المطلوبة لتوسيع منظومتي نقل وتوزيع الطاقة الكهربائية وإيصالها إلى المستهلكين، بحيث تبلغ الاستثمارات المطلوبة لقطاع الطاقة الكهربائية أكثر من مليار دولار سنوياً.
والسؤال المطروح كيف سيتم تأمين الاستثمارات المطلوبة لتأمين تلبية الطلب على الطاقة الكهربائية؟
من الواضح أنه يجب الاعتماد على مصادر التمويل المتاحة حالياً، فقد أثبتت التجربة صعوبة تأمين استثمارات خارجية (طرح مشاريع الطاقة للاستثمار الخارجي أو المحلي)، إذ لغاية الآن لم يتم التوصل إلى استثمار خارجي أو داخلي بشكل واقعي، ويبدو أن سياسة الحكومة تتجه في هذا الاتجاه (جلب أو جذب الاستثمارات الخارجية أو الخاصة)، حيث تم تخفيض الاعتمادات المطلوبة للخطة الخمسية العاشرة في قطاع الكهرباء بنسبة 42%، وبالتالي تم تخفيض الاعتمادات بحوالي مائة مليار ليرة سورية، مما يفترض توفر إمكانية الاستثمار الخارجي أو الخاص لتأمين البدائل عن الاعتمادات المخفضة.
إلا أنه وبعد مرور عام على بداية الخطة الخمسية العاشرة لم يلاحظ وجود أي مؤشر واقعي على ذلك.
لقد وضعت الخطة الخمسية العاشرة هدفاً هو التوصل إلى نمو سنوي في نهاية الخطة (أي في عام 2010) يبلغ 7%، وسيكون من الصعب تحقيق هذا النمو دون تأمين تلبية الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية في مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني، مع الإشارة إلى أن تلبية الطلب على الطاقة لا يرتبط فقط بتأمين الاستثمارات المطلوبة لإنشاء محطات توليد جديدة وتوسيع منظومتي النقل والتوزيع، بل يرتبط أيضاً بتأمين مستلزمات التشغيل والإنتاج وبالأخص الوقود، أي الغاز والفيول أويل، حيث تشير الإحصاءات إلى أن كميات الوقود التي تم استهلاكها في المحطات خلال عام 2006 قد بلغت ما يعادل ثمانية ملايين طن مكافئ نفطي، ومن المتوقع أن تبلغ في عام 2015 ما يزيد عن ثلاثة عشر مليون طن مكافئ نفطي، وأن الكمية المطلوبة خلال الفترة 2007 ـ 2015 قد تتجاوز 90 مليون طن مكافئ نفطي، تصل قيمتها إلى نحو 25 مليار دولار حسب تغير أسعار النفط.
إن تأمين الكميات المذكورة من الوقود يتطلب تضافر جهود عدة جهات أهمها وزارة النفط ووزارة النقل.
فوزارة النفط تتولى تأمين إنتاج واستيراد الفيول أويل والغاز، حيث يصل الإنتاج الحالي من هاتين المادتين والمتاح لمحطات توليد الكرباء إلى ما يعادل حوالي 6 ملايين طن مكافئ نفطي، وإن لم يتم اتخاذ الإجراءات الضرورية لزيادة الإنتاج المحلي من النفط والغاز، فإن البديل يكمن في استيراد هاتين المادتين، حيث أنه من المتوقع أن يتم استيراد نحو سبعة ملايين طن مكافئ نفطي من الغاز والفيول خلال عام 2015.
أما وزارة النقل فتتولى نقل الفيول من المصافي إلى المحطات بواسطة السكك الحديدية وتبلغ إمكانية النقل الوسطية بالسكك الحديدية عشرة آلاف طن يومياً من الفيول أويل ويتطلب الأمر زيادة هذه الإمكانية بشكل جدي عن طريق تأمين قاطرات وصهاريج وخطوط حديدية جديدة.
إن المهام الناجمة عن ضرورة تلبية الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية كبيرة ومكلفة وحاسمة بالنسبة لأثرها على مجمل تطور الاقتصاد الوطني، وتشكل الأهداف التي يجب تحقيقها تحدياً كبيراً للوطن وسباقاً صعباً مع الزمن. والسؤال هل سنفوز بهذا السباق أم أن جسامة المهام وخطورتها على الاقتصاد ستدفعنا إلى الارتباك وعدم القدرة على اتخاذ القرارات المطلوبة في الوقت المناسب، مما سيدفع الأمور نحو فوضى غير خلاقة في مجال الطاقة تضاف إلى ما يحاك للوطن من المؤامرات لدفعه نحو مخططات الفوضى الخلاقة المدمرة؟؟؟
■ متابع